ازدواجية المعايير.. بقلم: سامر يحيى

ازدواجية المعايير.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

السبت، ٣٠ أبريل ٢٠١٦

مصطلح اعتدنا عليه في الحديث عن العلاقات الدولية ولاسيما موقف الولايات المتّحدة من الكيان الصهيوني الغاصب، ومن الدول العربية، وموقف دول الغرب المتناقض مع نفسه في التعامل مع الحرية والعدالة والديمقراطية التي ينشدها لنا ويحرمنا منها بآنٍ معاً بأساليب شتّى، وشعارات مزيّفة تحمل السمّ بالدسم، أمّا ازدواجية المعايير الأسوأ فهي التي يقوم بها كلّ منا، بحيث يحلل لنفسه ويحرّم على غيره، ينفذ القوانين الغربية ويعتبر لها قدسية ومن حقها، ويرفض ما يصدر في بلده ولو كان صائباً.. وهذا منا أوضحته لنا حملة المهاجرين خارج سورية سواءً نتيجة الإرهاب الذي عصف بسوريتنا، أو نتيجة أطماع البعض... وأسباب مختلفة أخرى منها مبرر ومقبول، ومنها مرفوض ومذموم.
فالمقصود عن ازدواجية المعايير هذه وليس ازدواجية المعايير السياسية أو الدولية، باعتبارها موجودة لدى كل منا وأكاد أقول من دون استثناء.. فهي رغم انتشارها سلبية وليست صحية، وقد أدّت لكوارث حقيقية في سوريتنا، فكلّ منا ينظر للقرار الذي يتخذه والرأي الذي يطلقه والعمل الذي يقوم به على أنّه ممتاز وإيجابي ومقدّس، والآخر دائماً هو المخطئ، فالأنا الذاتية أجزم بأنّها هي المسيطرة على أغلبيتنا المطلقة، متناسياً أن هذا الخلاف مبرر وهو الأساس في الوصول للتفاهم وإيجاد الأرضية المناسبة للنهوض بالمجتمع بكل أبنائه من دون استثناء، وعلينا أن نكون متصالحين مع أنفسنا لنتمكّن من العيش بإنسانيتنا، فكل منا له بيئة وشارع وحي وتربية نشأ عليها، وبالتأكيد مختلفة عن البيت المجاور أو الحي المجاور أو المنطقة المجاورة، فكيف ضمن مساحة 185 ألف كيلو متر مربعٍ، عدا عمّن يقطن خارج الحدود، لكن يجمعنا جميعاً الانتماء لسوريتنا، ومن ثم انسانيتنا، ما يتطلّب منا التفكير بالمصلحة الشخصية على ألا تتناقض مع المصلحة العليا لمؤسسات الدولة، ولا تناقض بين مصلحة المواطن ومصلحة الوطن عندما يتم التفكير المنطقي والإنساني، ومن هنا يتطلّب من كل منا أن يضع نفسه مكان الآخر، فمن اعتبره أنا شيطاناً قد يكون بنظر الآخر ملاكاً، والعكس صحيح، والبعض يتكلّم عن نفسه وكأنه ملاك ولكنه بأفعاله وتصرّفاته شيطان... وقد يكون على صوابٍ في تصرّفات وفي أخرى سلبي، فهي مسألة نسبية، ما يتطلّب منا التخلّص من هذه الازدواجية لنتمكّن من الوصول للقرار الصائب الذي يساهم بإنقاذ البلد ودعم مقوّمات صموده وانتصاره على الإرهاب والفساد اللذين هما جزء لا يتجزأّ من المشكلة التي نعاني منها، وبالتأكيد ما أكتبه ليس أكثر من أفكار، قد يجد أصحاب الفكر والثقافة وحتى القارئ أفكاراً أفضل منها وأكثر قابلية للتطبيق، ولكن المهم هو البدء وعدم الانتظار وتحميل الآخر المسؤولية وتجاهل أنفسنا.
أهم ما يجب القيام به التوقّف عن الازدواجية بالحكم على الآخر، إنما الحكم عليه من خلال نتائج عمله، لا من خلال نقاشه وحديثه، وابتكار الحلول والأفكار القابلة للتطبيق للأفكار والنتائج التي لا تعجبنا بتصرّفاته، وتشجيعه على التصرّفات الإيجابية.
قيام كل منا بدوره المنوط به من دون استثناء، فعندما يقوم المواطن الموظف لدى مؤسسات الحكومة، أو الوطن، بواجبه الوظيفي، بتقديم خدماته للمواطن الآخر، الذي قد يكون هو وأخوه وخاله وعمّه فكلّنا أبناء الوطن، فسوف يسدّ ثغرة كبيرةً لا يستهان بها من ثغرات الفساد وإتاحة المجال للفاسدين وضعاف النفوس من استغلال هذه النقاط لتشويه سمعة المؤسسة والسرقة باسمها، وبالتأكيد لن يمنع مديراً موظفاً لديه يقدّم الخدمات للمواطن ضمن المهام المنوطة به وفقاً للقوانين والأنظمة الموجودة.
قيام المواطن المسؤول، والمواطن بدوره المنوط به، فعلى سبيل المثال عملية فرز القمامة من المنزل، لا تتطلب قراراً حكومياً ولا علاقة لها بالحكومة، فعندما نضع المخلفات الصلبة بكيسٍ والبلاستيكيات بكيس ومخلّفات الطعام بكيس، سوف يجبر الجهات المسؤولة على تشجيع هذه العملية وتعميمها، ولاسيّما أنه من المستحيل أن توجد في حي حاوية واحدة بل كل حاويتن أو ثلاث بجانب بعضهما، ما يعني أن الفكرة موجودة، ولكن التطبيق معدوم.. وهذا يجعل أهل الفكر والصناعيين لابتكار الطرق لاستثمار هذه المخلّفات بالطريقة الأسهل والأسلم.
الانتقال من مرحلة اتهام الموظّف الحكومي بالرشوة، إلى عدم دفع الرشوة، فقد تتأخر المعاملة قليلاً، لكنها ومع الوقت سوف يضطر الموظف الحكومي لتسيير كل المعاملات، لأن لا مناص أمامه إلا تقديم الخدمة للمواطن، ولاسيّما عندما يتكلّم المشتكي باسم جميع من يعاني معاناته لا أن يكون كل منا يتكلّم باسمه، فهي مشكلة عامة وليست شخصية.. لكي أساهم بتسيير أموري وأنسى أنني ابن البلد..
ـ عندما يلتزم المواطن، أياً كان سواءً كان مواطناً مسؤولاً أو عادياً، أو منتمياً لإحدى مؤسسات المجتمع المدني أو الدفاع عن الوطن، بدوره في محطات الوقود والخبز والصعود لوسائل النقل، فمهما تأخر بإمكانه الخروج قبل وقت كافٍ للوصول لهدفه بالوقت المناسب، ويتيح للجميع الحصول على طلبهم بأقل وقتٍ وأقصر طريق، ويسهّل على الجهات المختصة إيجاد السبل لتفادي النقص ويحرمها من التبريرات اللامنطقية وتحميل المواطن المسؤولية.
أن يؤمن كل منا بأن الملكية العامّة هي ملك جميع أبناء الوطن، ولها قدسيتها، فلو اهتم السائق بسيارة المؤسسة كما يهتم بسيارته الخاصة، ويحافظ المواطن على هدر الكهرباء والماء في المؤسسات العامة كما يحافظ عليها في منزله، أو وقف الهدر إن كان قادراً على الدفع، لأنّه يشعر بأنّ غيره ليس بقادر وبحاجة لهذه المادة التي يهدرها بل جزء منها، وعندما نؤمن بأن شوارعنا مقدّسة لا أن نبصق فيها ونرمي المناديل والأكياس الورقية والبلاستيكية وغيرها.
كل هذه وأفكار كثيرة جداً قابلة للتطبيق ولا تحتاج لتحميل المسؤولية للآخر، فقط تحتاج التفكير السليم، والتعاون بين الجميع مواطن مسؤول، ومواطن يقطن على تراب هذا الوطن، أو مغتربٍ ينقل تجاربه وخبراته وما يراه في مجتمعه لأبناء مجتمعه وأهله، وتطبيقها على أرض الواقع بدلاً من أن نلتزم بدول المغترب بقرارات وقوانين البلد، بينما نسخر من قراراتنا وقوانيننا، متجاهلين أنّه لو تصرّفنا بحكمة لوجدنا أنّ لدينا الهامش الكبير من الحرية والديمقراطية والانفتاح على الآخر لكنّنا لا نمارسه، بينما نمارس الأنانية والازدواجية والاستماع للغرباء أكثر من الاستماع لبعضنا لدرجة بتنا نقول "الأقارب عقارب" سواءً من المواطن المسؤول، أو المواطن العادي وهي التي أوصلتنا إلى ما نحن إليه، وأغفلنا عبارة أن يد الله مع الجماعة، والتعاون سر النجاح، والأقربون أولى بالمعروف وغيرها من العبارات التي تساهم بأن يعيش الإنسان مع محيطه ومنطقته، فهو جزء من كل، وليس الكل من جزء.
إنَّ هذا يتطلّب من كل منا التفكير السليم، وتقبل الآخر من دون استثناء، إلا من يستثني نفسه، وأن نبدأ بالحوار مع أنفسنا قبل الحوار مع من يخالفنا الرأي لنتمكن من الحفاظ على سوريتنا ودعم صمودها وتصديها لأقسى حرب عرفها التاريخ، ولا حل آخر لدينا لننهض بشكلٍ سريع، ولدينا من الإمكانيات والمقدرات والرغبة التي تؤهلنا للوصول إلى مصاف الدول المتقدّمة ونعطي الدروس للآخر لا أن نكون عبرة لمن يعتبر.