هواجس فلاديمير بوتين.. بقلم: غسان العياش

هواجس فلاديمير بوتين.. بقلم: غسان العياش

تحليل وآراء

الأربعاء، ٧ أكتوبر ٢٠١٥

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حيّر العالم بتدخله الصاعق في الحرب السورية. أسئلة بديهية حول أبعاد الخطوة الروسية ومراميها طرحت، ليس بين بشر عاديين مثلنا فحسب، بل، أيضا، من قبل لاعبين رئيسيين في الساحة الدولية.
غموض السياسة الروسية أدّى إلى تباين التكهنات بشأنها، وتضاربها، على نحو لا سابق له. فمن قائل إن روسيا تنفذ اتفاقا روسيا أميركيا لإنهاء الحرب السورية وفرض حل متفق عليه سرّا بين الجبّارين، إلى قائل، بعكس ذلك، بأن بوتين أرسل طائراته وقواته ليتحدّى الغرب، الذي يسعى إلى عزل بلاده في الشرق الأوسط وفي العالم.
ردّ البعض التدخل الروسي إلى المزاج الشخصي لبوتين، الذي يكره الحركات الشعبية ويتمسك تمسكا مطلقا بالجيوش والحكومات المركزية، مما يفسّر حماسته لدعم نظام الرئيس بشار الأسد وحمايته. فلا تغيب عن ذاكرة بوتين تلك الليلة الرهيبة التي شاهد فيها بأمّ العين هجوم حشود الألمان على مركز البوليس السري لألمانيا الشرقية Stasi في مدينة درسدن، بعد شهر من هدم جدار برلين. كان بوتين وقتها ضابطا شابا يخدم في مركز للمخابرات السوفياتية على بعد مئات الأقدام فقط من موقع الحدث، الذي، ورغم سلميته، استقرّ في ذاكرة بوتين سلوكا خطيرا و «مسعورا» لم يتمكن من نسيانه طيلة حياته. وقد تكرّر المشهد أمامه في الاحتجاجات التي سرّعت انهيار الاتحاد السوفياتي والفراغ الرهيب الذي أعقبه.
محللون آخرون قالوا إن أهداف القيصر الجديد أبعد من الذكريات والمواقف الشخصية، فهو يسترجع الحلم الامبراطوري الروسي بالوصول إلى المياه الدافئة.
حساسية بوتين المرهفة ضد الثورات الشعبية، والفوضى، ليست كافية لحدث بحجم التدخل الجاري في سوريا، وما استتبعه من قلب لمعادلات دولية في المنطقة راسخة منذ ربع قرن. أما حلم الوصول إلى البحر المتوسّط فليس هذا أوانه على الإطلاق. لأن هذا التوسّع، الذي عجزت عنه روسيا القيصرية في أفضل أيامها، لا يمكن أن تقوم به إلا دولة غنية ومقتدرة، فيما تعيش روسيا اليوم أسوأ الظروف الاقتصادية ويقترب اقتصادها من الاختناق.
الاقتصاد الروسي هو في عين العاصفة، وقد دخل مرحلة الركود. إنه ضحيّة العقوبات الغربية والانخفاض السريع في سعر النفط، انخفاضا مفهوما ومشبوها في آن معا. إن الاعتماد الكبير على النفط هو من أبرز العيوب الهيكلية في الاقتصاد الروسي، حيث يمثل قطاع النفط 25% من الناتج المحلي و70% من الصادرات ونصف إيرادات الدولة الاتحادية.
التراجع مستمرّ والمؤشرات إلى مزيد من التدهور، مما يعني أن الاقتصاد الروسي لم يصل إلى قعر الأزمة حتى الآن. إنه يعيش أسوأ أوضاعه منذ خمس عشرة سنة، تاريخ وصول فلاديمير بوتين إلى رأس السلطة في الكرملين. توقعت المؤسّسات المالية الدولية انكماش الناتج المحلي القائم بحدود 3.5% سنة 2015، بعد نموّ ضعيف في العام الذي سبق، بسبب انخفاض القوّة الشرائية وارتفاع كلفة التمويل وضعف الثقة بالاقتصاد، وهروب رؤوس الأموال.
المؤسّسة الفدرالية الروسية للإحصاء Rosstat نشرت في آب الماضي أرقاما مخيفة عن نتائج الفصل الثاني من العام الجاري، حيث أظهرت أن الناتج المحلي الاتحادي كان بين شهري نيسان وحزيران أقل بنسبة 4.6% من مستواه في الفترة المماثلة من العام الماضي.
خسر الروبل خلال عام 43% من سعره في سوق القطع تجاه الدولار الأميركي وتجاوز اليورو سقف 75 روبلا، مما أشعل أسعار المواد المستوردة ووجّه ضربة قوية إلى القدرة الشرائية والاستهلاك. يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ التضخم في العام الحالي 18%.
وتأثرت المؤسّسات الخاصّة سلبا بتشديد شروط الإقراض، منذ نهاية العام الماضي، من قبل المصرف المركزي الروسي، بقصد لجم التدهور في سوق القطع وحماية سعر صرف الروبل. ألحقت الأزمة أضرارا فادحة بالقطاع المصرفي الروسي وتسببت بخسائر كبيرة لمؤسّساته، مما أجبر الدولة على وضع برنامج لدعم المصارف.
خطوة فلاديمير بوتين باتجاه سوريا هي مبادرة جريئة وخطوة موفقة على رقعة الشطرنج. لقد فرض على الغرب حقائق جديدة بأسلوب يتميّز بالكبرياء والاعتداد بالنفس، ولكنها خطوة دفاعية بقالب هجومي.
فهو يريد تفاوضا مع الغرب يزيح عن كاهل روسيا الحصار الاقتصادي الذي يهدّدها بالاختناق، ولا تستطيع الخروج منه إلا بقرار غربي. وهو يريد أن يجبر الغرب على الاعتراف بدور بلاده وحصتها في السياسة الدولية، بديلا من الإهمال والتجاهل وأساليب الخداع، التي أخرجتها من ليبيا والعراق. ويهدف بوتين، أيضا، إلى فتح معركة استباقية مع تنظيمات إسلامية متشدّدة لا يشك لحظة أن معركتها المقبلة هي في قلب الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد الروسي.
وحتى يحقق الرئيس الروسي أهدافه هذه لا بدّ من نجاح مغامرته السورية، عن طريق شدّ أزر النظام ومساعدة جيشه على استعادة المبادرة في الجبهات الحساسة، فيتمكن من المشاركة في مفاوضات الحلّ السياسي طرفا قويا وكامل الشرعية. وبذلك، يكون لروسيا حليف سياسي وقاعدة عسكرية شرق البحر المتوسّط.
إنها مغامرة. فقد يقبل الغرب بالتفاوض لحل على قاعدة التصوّر الروسي ويعترف لروسيا بمكاسب مهمّة، أو يعرقل خطة بوتين، فيطول أمد الصراع ويستمرّ تدمير سوريا، ومعها المشرق العربي، تماما كما ترغب اسرائيل.