حرب العالم.. بقلم: حياة الحويك عطية

حرب العالم.. بقلم: حياة الحويك عطية

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٦ أكتوبر ٢٠١٥

هي حرب العالم، لأن واقع الأمور منذ اندلاعها كان كذلك. ففي العام 1990 كان العالم كله يتهيأ للدخول إلى نظام عالمي جديد، لكن قرقعة جدار برلين لم تكن كافية لو لم تكتمل بسقوط العراق. الذي ربح العراق ربح المنطقة وتربع على عرش العالم. لم يكن هناك من منافس، بل إن الأشطر هو من التحق بالقطار تحت مسمى التحالف الدولي آنذاك. رفض وزير الدفاع الفرنسي جان بيير شفينمان يومها تحالف ميتران مع الأمريكيين فكانت حجة أنصار الالتحاق: الحاجة إلى حفظ مقعد على طاولة مدريد. اليوم يتهيأ العالم للدخول في نظام عالمي جديد آخر، لكن مقاومة التحول أشد، والنظام المرتقب لا تتوّجه قوة واحدة بل تعددية قوى. مرة أخرى يتأرجح الفرنسيون- كنموذج أوروبي - بين الالتحاق بواشنطن الأطلسية أو الدخول في شراكة مع الروسي والصيني والبريكس وشنغهاي. فيكتب فرانسوا هولاند مرتين خطابه في الأمم المتحدة: الأولى في الإليزيه، وفيها يعترف بالرئيس السوري كطرف في الحل، والثانية على الطائرة حيث يعود عن ذلك ويشن هجوماً حاداً، فاجأ الروس، من على منبر الأمم المتحدة. المحللون قالوا إن الخطاب الثاني هو خطاب ال«كي دورسيه» (وزارة الخارجية). هو الصراع القائم بين الشركات والأجهزة من جهة، وأصدقاء «إسرائيل» من جهة ثانية. الخضوع لضغط مالي يتمثل في حق الروس في المطالبة بتعويض مليار يورو عن إلغاء «الميسترال»، وإغراء قوى أخرى بتعويض يبلغ خمسين ضعفاً على شكل استثمارات. 32 شركة صناعية فرنسية أعلنت إفلاسها خلال الأشهر الستة الأخيرة. أما ميركل فتدخل في أزمة سياسية - اقتصادية مع الكشف بالأرقام عن تراجع كبير في شعبيتها وبين فضيحة فولكس فاغن.

أردوغان هو الآخر في مازق قد يتفاقم خلال الأشهر القادمة، وبوتين أعلن التراجع عن خط الغاز مع تركيا بدلاً من السيل الجنوبي. الحلم العثماني، المعبر عنه بدلالة تسمية «جيش الفتح»، «جبهة النصرة» ونشرة «مرج دابق»، بدت على مدى اليد، لكنه الآن يتراجع أمام التدخل الروسي.
الخلاف في الظاهر بين القوى الكبرى يبدو على مسألة الاقتصار على ضرب «داعش» أو العبور إلى التنظيمات الإرهابية الأخرى. والحقيقة أن المسألة هي بين القضاء على «داعش» أو في مجرد تحجيمه وعدم خروجه عن السيطرة. تحجيمه كي تعطى التنظيمات الإرهابية الأخرى فرصتها في التمدد، وبالتالي في تأكيد حضور الدول التي تدعمها على الساحة العسكرية، ومن ثم على طاولة التفاوض، وعدم خروجها عن السيطرة كي لا تلعب أكثر مما خطط لها.
الروسي هنا أراد ضرب التنظيمات الأخرى في الوقت الذي يضرب فيه «داعش» - وهذا ما تدل عليه قائمة الضربات حتى الآن - وهدفه واضح: ألا يعطى أي منها فرصة النمو على حساب الآخر، وعلى حساب الجيش السوري.

عشية الضربات عرض التلفزيون السوري مرافقاً لخالد مشعل تحدث عن سيرته مع التنظيمات، فعدد نحو عشرين منها كان يشملها التدريب بتخطيط واحد، وعلى ما يبدو تتوزع تسمياتها حسب المناطق: أحرار الشام، لواء التوحيد، صقور إدلب، فيلق الشام، الجيش الحر، كتائب الصحابة، كتائب الهدى، الحبيب المصطفى، أكاديمية أكناف بيت المقدس، أبو هارون، مشروع أمة، ابن تيمية، الأجناد، درع الغوطة، كتيبة الأنصار، الجمعية الإسلامية في عكار، مقاتلو حمص، فيلق الشام، وأعدوا، التدخل السريع في الجيش الحر، كتيبة عبد الله عزام، الخ.. مسؤول كبير في المعارضة قال: للأسف هناك 69 فصيلاً. فهل يمكن أن يجلس سبعون ممثلاً إلى طاولة التفاوض، أو أن يتشاركوا في الحل؟ مؤسسة دراسات الحرب تنشر خريطة موضوعية لتوزع القوى العسكرية على الأرض السورية، عشية التدخل الروسي تؤكد ما يقوله المحلل معها إن سيطرة «داعش» هي على مناطق صحراوية، أخطرها مداخل القلمون ودير الزور، في حين أن سيطرة القوى الأخرى هي على مناطق مدنية وتتداخل تداخلاً صعباً مع الجيش السوري. فترد عليها جهات عربية بخريطة تقسيم سوريا - وبخطوط شبه مستقيمة لا تداخل فيها.

روسيا حسمت أمرها، وقالت أنا هنا، وأنا من يحضر الحل خلال أربعة أشهر لا خلال ثلاثين سنة، كما قال رئيس الأركان الأمريكي، أو سنوات كما قال الرئيس أوباما. وتوماس فريدمان يكتب في «النيويورك تايمز»: إن الرئيسين يتفقان ويختلفان، ويذكر بليبيا والعراق، في إشارة إلى أن روسيا لن تلدغ من الجحر مرة ثالثة. وربما تكون المسألة مسألة اقتدار وتوازنات دولية. وفي اليوم الثاني تنقل الأنباء خبر وصول طائرة «توبوليف» البالغ مداها 3800 كلم إلى سوريا واستعادة مطار النيرب في الشمال.
«الغارديان» تتحدث عن تبديل قواعد اللعبة وتسأل: هل سيترك أوباما بوتين يلتهم سوريا؟

لكن الحل الأوكراني يرتسم بهدوء في اللقاء الأوروبي الثلاثي في حين أنه من المفترض أن يكون ورقة ضغط.

ووليد المعلم كان للمرة الأولى في الأمم المتحدة وتحدث مستبقاً التفاوض: لن تأخذوا منا بالتفاوض ما لم تأخذوه بالحرب.
المعارض السوري هيثم مناع يقول منذ شهرين: هناك ما هو تحت الطاولة وهناك ما هو فوق الطاولة. فماذا بقي تحتها لما بعد أربعة أشهر؟