تركيا في جنيف 2: بحث عن فرصة لن تأتي

تركيا في جنيف 2: بحث عن فرصة لن تأتي

مؤتمر جنيف 2

الجمعة، ٢٤ يناير ٢٠١٤

مشاركة تركيا في مؤتمر «جنيف 2» لا تعني أبداً أنها كانت تؤيده، إذ ان الدعوة إلى المؤتمر مباشرة كنتيجة للاتفاق الكيميائي السوري بين روسيا والولايات المتحدة أزعجت تركيا على اعتبار أن الاتفاق الكيميائي أبطل أكبر فرصة كانت تلوح لتركيا للتخلص من الرئيس السوري بشار الأسد عبر الضربة العسكرية التي كان يعد لها. وبالتالي، فإن «تعويم» النظام بموجب ذلك الاتفاق قد ينسحب على نتائج مؤتمر جنيف.
لم تكن تريد تركيا ولا السعودية الذهاب إلى جنيف، لأنهما تذهبان إليه ضعيفتين. المعارضة التي يدعمانهما باتت هباء منثورا ومعمدة بدم الأخوة، والاتفاق النووي بين ايران والغرب فتح الطريق امام تغيير موازين القوى. وفي ظل المسارين الكيميائي والنووي لا يمكن للمسار التسووي للأزمة السورية ان يبقى مغلقا وإن استغرق ذلك وقتا.
لذلك، تذهب تركيا وقوى المعارضة ومَن وراءها مرغمة إلى جنيف، مدركة أنها ليست في موقف قوي أيضا على الساحة الدولية.
السعودية تتباين مع واشنطن في اكثر من ملف، بينما العلاقات بين أنقرة وواشنطن شبه مقطوعة، بعد اتهام رئيس حكومة تركيا رجب طيب اردوغان الولايات المتحدة بالوقوف هي وإسرائيل وراء فضيحة الفساد التي لم تكتمل فصولاً، بل تهديده بطرد السفير الأميركي من تركيا.
تركيا منذ الربيع الماضي، ورفض اردوغان مبادلة تحية اعتذار رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب حادثة «مرمرة» بأحسن منها، خرجت من الحسابات الأميركية الكبيرة في المنطقة.
بلد لا يريد التطبيع مع اسرائيل، وللتوضيح لأسباب تتعلق بقاعدته الانتخابية المتدينة على عتبة الانتخابات البلدية والرئاسية، وبلد معزول اقليميا مع الجميع، وبلد مستمر فقط بإرسال شاحنات الموت المسلحة الى سوريا ودعم تنظيم «القاعدة» والمنظمات الارهابية الأخرى، هو بلد عاجز عن التأثير وعن خدمة السياسات الأميركية كما كان عليه قبل سنوات.
تركيا في جنيف ليست ذلك الشريك للأميركيين ولا للأوروبيين خصوصا بعد «المذبحة» التي نفذها اردوغان بحق مبدأ الفصل بين السلطات، وزيارته الفاشلة لبروكسل لإقناع المفوضية الأوروبية بأنه «جدي» في حماية المكتسبات الأوروبية.
تذهب تركيا الى جنيف ليس بأمل الوصول الى حل موضوعي وعقلاني للأزمة في سوريا، بل من أجل التحريض على النظام في سوريا ومنع الوصول الى حل إلا اذا كان يشمل تنحي الأسد عن الرئاسة.
وتجلى ذلك في دعوة اردوغان الى منع بقاء النظام السوري لحظة واحدة في مكانه، بعد التقرير الذي أعدته جهات خليجية تعرض فيه لما سمي بمجازر وتعذيب لآلاف المعتقلين في سوريا.
وتجلى ذلك أيضاً في كلمة رئيس الوفد التركي إلى «جنيف 2» وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، الذي ذرف «دموع التماسيح» على اللاجئين السوريين في تركيا وعلى المآسي في سوريا، بدلاً من أن يسحب يده كما تدعوه غالبية المجتمع التركي من الدم السوري.
الرغبة التركية في الذهاب إلى «جنيف 2» من أجل إفشاله واضحة، أولاً في السقف العالي لكلمة داود أوغلو، وفي منع تشكيل وفد من المعارضة السورية يشمل كل أطيافها، ولا سيما من «هيئة التنسيق الوطنية» و«حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي».
إن وصول مؤتمر جنيف إلى نتائج ملموسة مرضية للطرفين السوريين سواء في المدى المنظور أو المتوسط مرتبط بشكل أساسي بمدى جدية الولايات المتحدة من أجل ذلك. ولا شك في أن تركيا بلد مجاور جغرافيا لسوريا وله ارتباطات وتورطات مباشرة في الأزمة، وإذا كان من دور لتركيا في حده الأعلى، فهو الالتزام بما قد يتم التوصل إليه في جنيف.
لقد أصبحت سلطة «حزب العدالة والتنمية» في تركيا خطراً على الاستقرار في المنطقة وعبئاً على أي تسوية سلمية قد تحصل، وتعاطيها مع فشلها بالمزيد من الهروب إلى الأمام وبالمزيد من الأخطاء والعناد في عدم أخذ العبر والدروس من التحولات الإقليمية والعالمية، لن يخدمها لا هي ولا تركيا.