فترة الـ«توقّف الدولي»..الراحة ممنوعة على اللاعبين في أوروبا!

فترة الـ«توقّف الدولي»..الراحة ممنوعة على اللاعبين في أوروبا!

الأخبار الرياضيــة

السبت، ٨ سبتمبر ٢٠١٨

دائماً ما كانت «فترة التوقّف الدولي» أو «أسبوع الفيفا» كما تسمّى، تحمل معها الأخبار التي لا يحبذّها اللاعبون ولا الفرق الأوروبية التي تنافس على أكثر من لقب محلّي وقاري. الإصابة، كلمة لطالما تعرّفنا عليها أو قرأناها في الصّحف الرياضية. ولعلّ أكثر الأوقات التي نقرأ فيها خبراً عن إصابة هذا اللاعب أو ذاك، هي بعد انتهاء فترة التوقف الدولي. اليوم، مع انطلاق البطولة الأوروبية الرسمية الجديدة والتي عرفت بـ«دوري الأمم الأوروبية»، انتهت مرحلة المباريات التي كانت تخوضها المنتخبات الأوروبية تحت مسمّى «المباريات الوديّة». وهذا يعني أنهّا لم تعد «فترة راحة» للاعبين، بل تحوّل الأمر إلى تحدٍّ جديد يستوجب اللعب بتشكيلات أساسيّة، وبطاقة كاملة.
بضربة اعتبرها حكم مباراة قمّة دوري الأمم الأوروبية يوم الخميس بين فرنسا وألمانيا (على أرضية ملعب آليانز آرينا)، تدخلاً غير متعمّد من الألماني أنطونيو روديغر على الظهير الأيمن الفرنسي بنجامان بافار، كاد مدافع نادي تشيلسي الإنكليزي ومنتخب ألمانيا أن ينهي مسيرة لاعب شتوتغارت الألماني. خلال المباراة بدت آثار التدخّل واضحة على رقبة بافار. الأكيد أن روديغر لم يتعمّد أن يدخل بمثل هذه الطريقة «الخطرة» على بافار، ولكن خلال اللقاء لا يفكر اللاعبون بضرورة توخي الحذر، لأن الهدف يكون تحقيق الانتصار مهما كلّف الأمر، خاصة في المباريات الرسميّة. كما يعلم الجميع، حلّت بطولة «دوري الأمم الأوروبية» مكان المباريات الدولية الودّية. الأخيرة كانت سبباً في كثير من المناسبات لإصابة لاعبين، كما أدّت إلى حرمان الكثيرين من المشاركة مع فرقهم لمدّة طويلة، أو حتّى أكثر من ذلك. على مدى السنوات حُرم لاعبون كبار من دوري أبطال أوروبا، أو نهائيات كأس العام نتيجة إصابات في مباريات وديّة كانوا يخوضونها مع منتخباتهم. على سبيل المثال، ما حدث مع لاعب بروسيا دورتموند الألماني ماركو رويس، ففي مباراة ودّية تحضيرية لمونديال البرازيل 2014، تعرّض رويس لإصابة حرمته من خوض غمار البطولة الأغلى في تاريخ اللعبة، كأس العالم. الأمر عينه حدث مع مواطنه ذي الأصول التركية والذي يلعب حالياً لنادي مانشستر سيتي الإنكليزي إلكاي غوندوغان، الذي حرم هو الآخر من المشاركة في المونديال بسبب إصابة تعرّض لها في إحدى هذه المباريات (حرم كل من رويس وغوندوغان من المشاركة في بطولتين قارييتن: المونديال في 2014 والتي فازت به ألمانيا على المنتخب الأرجنتيني، إضافة إلى بطولة اليورو في 2016 التي فازت بها البرتغال).
يوماً بعد يوم، تتحوّل أقدام اللاعبين المحترفين في أكبر وأقوى الدوريات الأوروبية (نقصد هنا الدوريات الأوروبية الخمس الكبرى) إلى «ماكينات» لا تتوقّف عن العمل ولا تأخذ الفترة اللازمة من الرّاحة التي تحتاجها. يلعب أبرز اللاعبين على غرار ليونيل ميسّي الأرجنتيني نجم برشلونة الإسباني بمعدّل يتراوح بين الـ50 إلى 55 مباراة في الموسم، وذلك بسبب الاعتماد الكبير على النجم الأرجنتيني في برشلونة (ما بين دوري وكأس ودوري أبطال أوروبا إضافة إلى بعض المباريات الودّية للمنتخب الوطني). رقم ليس من السّهل تقبّله من قبل شخص في النهاية يعتبر «بشراً»، والبشر يختلفون عن الآلة التي لا تتوقّف مهما زاد الثقل عليها. البشر بحاجة إلى الرّاحة. هذه الرّاحة سيفتقدها لاعبو المنتخبات الأوروبية خلال فترة التوقّف الدولي، فلم يعد الأمر متوقّفاً على مدرّب يقوم بتجربة اللاعبين الشباب على حساب أصحاب الخبرة (التشكيلة الأساسية). بل بات المعادلة «رسميّة»، كغيرها من البطولات القارية الأخرى التي تحتاج فيها المنتخبات إلى وجود أبرز وأهم العناصر لديها. من الطبيعي جداً بأن هذه الخطوة التي أقدم عليها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «UEFA» ستؤثّر سلباً على أداء اللاعبين بعد العودة من معسكرات منتخباتهم، ليكملوا الموسم الطويل مع الأندية. عامل الإرهاق والتعب سيصبح عاملاً أساسياً في مراحل هبوط وصعود مستويات اللاعبين الأبرز في العالم، والتي تنتظر الجماهير دائماً منها الأفضل. أضف إلى ذلك، السّفر والتنقّل لساعات من بلد لآخر ممّا يزيد من عامل الإرهاق أكثر فأكثر. وفي هذا الإطار يمكن أن يوجّه اللوم أيضاً للمدربين الذين لا يعتمدون في أغلب الأحيان نظام المداورة بين اللاعبين، بل يصممون على إشراك التشكيلة ذاتها في أغلب الأحيان. كل هذه الأمور ستؤدي إلى إصابات أكثر بحسب العديد من المراقبين.
العدد الكبير من المباريات، واعتماد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بطولة جديدة يعزز فكرة أن كرة القدم تحوّلت إلى منتج، وأن أحد أهداف هذه البطولات هو زيادة الأرباح من الإعلانات والتنظيم والسياحة، والكثير غيرها من الأمور. اللاعبون يساعدون على إنتاج هذه الأمور رغم التكلفة الكبيرة التي تُدفع، والتهديدات بالإصابة. يُستغّل اللاعبون لإمتاع المشاهدين بأفضل نسخة من المباريات والبطولات. وإذا كنّا نريد إعطاء مثل على هذا العالم الاستهلاكي الذي شئنا أم أبينا أصبح واقعاً ملموساً، فلن نبتعد كثيراً، «دوري الأمم الأوروبية» أكبر دليل على ذلك، ما الهدف منها وما الهدف من إعطائها «الصّورة الرسميّة»، سوى مزيد من المباريات والبطولات. وهنا يمكن العودة إلى كلام القيصر الألماني فرانتس بيكنباور الذي وصف كأس العالم بأنها باتت تظاهرة ثقافية ـ رياضية ـ سياحية، فيما كرة القدم الحقيقية هي الدوريات المحليّة ودوري أبطال أوروبا، واليوم تنضم بطولة دوري الأمم الأوروبية إلى بطولة كأس العالم.