شاعرتان من مرّة.. عفيفة وحرّة...قبيلة وشاعرتان ومجموعتان شعريتان

شاعرتان من مرّة.. عفيفة وحرّة...قبيلة وشاعرتان ومجموعتان شعريتان

شاعرات وشعراء

الخميس، ٩ أبريل ٢٠١٥

قطوف تراثية، قراءة في إسهام المرأة الشعري العربي في الجاهلية، تحقيق لشعر شاعرتين من مرّة، بيان لدور المرأة في القبيلة، دراسة للواقع القبلي الجاهلي، وما ينتج عن الحروب من مآس.. هذه وأشياء أخرى تأتي إلى الخاطر وأنت تطالع كتاب (شاعرتان من مرة- عفيفة وحرة) والكتاب يحمل شعر شاعرتين من مرة، ويغلّب الصفة عليهما ليخرج العنوان جاذباً مسجوعاً، إنه مجموع شعري يضاف إلى الدواوين المجموعة عن شعراء الجاهلية.
 
 
الكتاب والمحقق
لا أستطيع تحديد مدى سعادتي عندما قدم لي الصديق أحمد العكيدي هذا الكتاب، فقد كنت أظن أن رحيل الأستاذ حسن محمد أنهى علاقتنا به وبعمله، فإذا به يخاطبنا بعد عشرين عاماً على آخر لقاء كان لنا معه، وحسن الودود المكافح صورته لا تفارق الخيال، وهو الذي فتح قلبه وعقله لأصدقائه، وعندما التقيته في تلك الأمسية من عام 1991 مكان موعدنا الثاني في الصباح الباكر لنقصد بيروت وهناك عرفني وقدمني كما يفعل الأصدقاء المخلصون لأستاذنا الدكتور أسعد ذبيان، وبمعية حسن وافق الدكتور أسعد أن يشرف على رسالة الماجستير، وتفرقنا، ولم نلتق إلا لماماً، وحين سألت عنه بعد مدة عرفت أنه رحل عن دنيانا، وها هو كتابه يظهر بعد عشرين عاماً ليمنحني فرصة وضع زهرة على ذكرى هذا الوفي العزيز بعد اثني عشر عاماً على رحيله. عمل حسن في التراث وتحقيقه، وكانت له ملاحظات على المنهج الذي يعمل به في مكتب للتحقيق، وتناقشنا في ذلك مرات، إذ ما جدوى أن يتم العمل على تحقيق عمل سبق أن حقق، وهذا العمل اسم المكتب وصاحبه؟ لكن حسن كان يملك المسوغات الحياتية، والعلمية، ويبدو أنه كان يستشعر سباقه مع الزمن قبل الرحيل. وهذا العمل في التراث أهّله للبحث والاستقصاء في الشعر الجاهلي القديم، فكان هذا الكتاب الذي صدر عن الهيئة السورية العامة للكتاب، في سلسلة قطوف تراثية، والذي يقرأ الكتاب يجد أن شعر الشاعرتين لا يحتمل هذا الكتاب، ويكفي أن تتم الإشارة إليهما في مقالتين أو دراستين، لكن روح الباحث المدقق عند حسن جعلته يتابع ويقرأ ويناقش ويستقصي ليصل إلى دراسة فنية، إضافة إلى الدراسة التاريخية والأدبية ليقدم كتاباً متكاملاً يغني في الشاعرتين وقبيلتهما ورجال القبيلة وشعرائها.
 
العفيفة والحرة
لم يختر لعنوان الكتاب اسم الشاعرتين ليلى وجليلة، وإنما اختار لقب الأولى الذي عرفت به بين العرب (العفيفة) ولقب الثانية (الحرة)، وعند حديثه عن ليلى أشار إلى أنه لم يعثر على ترجمة لها في المصادر ما قبل لويس شيخو لذلك عجبت في إصراره على تتبع أخبارها وأشعارها، وإن كانت الإشارات إليها قليلة، والخلاف حول اسمها وتاريخ وفاتها وولادتها غير معروفين، وربما كان حديث لويس شيخو عنها في كتابه (شعراء النصرانية) نابعاً من حشد أكبر عدد من الشعراء والشاعرات، ولكن حسن في كتابه تجاوز ذلك الحد، وحاول تحديد مؤشرات لحياة ليلى، ووضع إطاراً حياتياً واجتماعياً للمقطعات التي عثر عليها في المصادر الحديثة نوعاً ما. وعند الحديث عن جليلة كان المجال عنده أكثر رحابة، فهي زوج كليب، وهي صاحبة سيرة معروفة في قومها، وقصتها مؤثرة في سيرة الزير سالم، والحرب التي دارت بسبب مقتل زوجها، والاعتناء بها وبقصتها وشعرها أعلى من الاعتناء بليلى، مع أن الأسطرة والغموض يلف هاتين الشخصيتين كما هو حال كل الشخصيات الجاهلية، وشخصيات السيرة الشعبية، والأهم في الموضوع هو تلك الدراسة الفنية التي قدمها في شعر الشاعرتين، ومن ثم حديثه عن وقائع حرب البسوس وقد أفدت أيما فائدة في قراءة الكتاب، فهو وإن حمل اسم العفيفة والحرة، إلا أنه أعطى القارئ معلومات عن أعلام القبيلة، فذكر القادة والشعراء، وترجم لهم ولحياتهم ولدور كل منهم، ومن ثم ذكر أيامهم، وارتباط كل يوم بمناسبة أو شخص أو حادثة، وذكر كذلك الأحلاف التي كانت تعقد خاصة لدرء الأخطار عن القبائل، هذه الأحلاف التي قد تجعل حروب القبائل كبيرة وذات مسافة زمنية طويلة لوجود اجتماع قبائل.
الفائدة والغاية
 
يذكر صديقنا حسن حمد الشاعرتين وأخبارهما، ويبذل جهداً كبيراً في دراسة الشعر دراسة فنية، تصل حد دراسة كل بيت بلاغة وصورة، وإن كان رحمه الله غير مطمئن اطمئناناً كاملاً إلى الشعر والخبر، لكنه كان سعيداً بعثوره على الشعر، فأناخ رحاله وبدأ دراسة، وهو الذي عندما أشار إلى الحرة قال: - وكل العربيات حرائر- فالغاية عنده هي أن يثبت وجود الشاعرتين، وأن يحدد مسار شعرهما، وأن يربط ذلك بالحدث والأيام.. وقد أنهى كتابه بحديث مسهب عن حرب البسوس، سببه وسبب إثباته يتعلق بدور الجليلة الزوج المنكوبة والمبعدة عن زوجها وعن مضاربه، والواقعة بين تناقضات كبيرة بسبب زوجها وأخيها، والحرب التي دارت رحاها فاستهلكت عمرها وعمر القبيلة. ولابد من الوقوف عند نموذج من شعر كل من الشاعرتين مع ربطه بالحدث التاريخي لفهم غاية صنع هذا الديوان والكتاب.
فها هي ليلى العفيفة تودع زوجها البراق في إحدى غزواته:
تزود بنا زاداً فليس براجع
إلينا وصال بعد هذا التقاطع
وكفكف بأطراف الوداع تمتعاً
جفونك من فيض الدموع الهوامع
ومن السجن ترسل وقد أسرها ابن كسرى شعراً تستنجد قومها وتدلل على احتفاظها بعفتها:
ليت للبراق عيناً فترى 
 ما أقاسي من بلاء وعنا
عذبت أختكم يا ويلكم
بعذاب النكر صبحاً ومسا
 
ومن شعر جليلة قولها:
إذا الخيل سارت بعد صلح صدورها
وخوّف ابنا وائل وعشيرها
تقطعت الأرحام منهم وبدّلت
ضغائن حقد بعد ودّ صدورها
 
ومن لاميتها تذكر كليباً:
خصني قتل كليب بلظى 
 من ورائي ولظى مستقبلي
يا كليب كنت لي ذخر المنى
كنت عزبي وردائي المسبل
 
أشير إلى أن الراحل حسن حمد في دراسته عارض في مواضع عدة الأب لويس شيخو ومصادره، وصوّب بتهذيب عال مراجعه، ومع ذلك سار وراء شغفه ليخص هاتين الشاعرتين بدراسة وديوان، ربما للقيام بواجب تجاه التراث الذي أحبه وخدمه وربما لأشياء أخرى نجهلها، وأزعم أن صديقنا لو أمهله القدر لغيّر الكثير، خاصة في ألفاظ وردت في الشعر لا يستعملها الجاهليون، ولكنها جاءت ولم تتم مراجعتها بسبب يد القدر.
أحسنت الهيئة السورية بطبعها لهذا الأثر تكريماً لباحث مجتهد، وقدّم للكتاب بغياب كاتبه الصديق منهال الغضبان الذي قدم صورة عن قرب لحسن حمد وحياته، تضع الباحث الراحل في موضعه الحقيقي، وتقدم وفاء صديق لصديقه.. ولكم أعادني الأستاذ منهال إلى تلك الوقائع اليومية التي كان يعانيها حسن ونعانيها معه.
الرحمة لك يا صديقنا الغالي، ولتهنأ بعفيفتك وحرتك بين أيدي القراء وفاء من بلدك لك.