الأم لدى شعراء العربية.. مدعاة للفخر ونبع من حنان لا ينضب

الأم لدى شعراء العربية.. مدعاة للفخر ونبع من حنان لا ينضب

شاعرات وشعراء

السبت، ٢١ مارس ٢٠١٥

لأنها الوطن الصغير والحبيبة الاولى والاخيرة التي تقف عند عظمتها اجزل الكلمات احتلت الأم مكانة عظيمة في النفس البشرية وتبوأت درجة عالية في ابداعات الأدباء فلم يخل ديوان لشاعر من قصائد تمثل عظمة الأم فكانت قصائد عصماء نسجت لذاك الحب الابدي.. شعرا بعيدا عن التكلف أسرا للقلوب.

والمتأمل في التراث الجاهلي القديم يجد أن حضور الأم في شعره كان قليلا قياسا بشعر ما بعد الإسلام.

وفي العصر الجاهلي يمكن الحديث عن نوعين من النساء.. الحرة والعبدة .. الحرة هي التي يفخر العربي بانتسابه لها فكانت الأم مقياسا للنسب عند العرب قبل الاسلام فها هو الشاعر الجميح يعير بني عامر بأمهم بعد غدرهم ببني أسد قائلا..

أنتم بنو المرأة التي زعم ال ناس عليها في الغي ما زعمو.

وهناك شعراء آخرون اشاروا إلى الأم في قصائدهم متخذين صورا عديدة من حياتها كقول الجليلة..

تحمل العين كما تحمل الأم أذى ما تفتلي.

ومع بزوغ شمس الاسلام ارتفعت مكانة المرأة فتناولوا صورة الأم بطريقة مختلفة عن النظرة السابقة لتصبح صورتها مقرونة بالحنان والطهر فها هو أبو فراس الحمداني الذي بلغه نبأ وفاة أمه وهو أسير عند الروم فأحس بوجع استشرى بكيانه فرثاها باكيا داعيا لها بالسقيا فيقول..

أيا أم الأسير سقاك غيث إلى من بالفدا يأتي البشير

اذا ابنك سار في بر وبحر فمن يدعو له أو يستجير

أما رهين المحبسين الشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعري فكان يوصي بالأم فهي الأحق بالبر والأولى بالإحسان والمحبة وكانه يقتبس من الحديث النبوي أمك ثم أمك ثم أمك..

فيقول المعري..

العيش ماض فأكرم والديك به والأُم أولى بإكرام وإحسان

وحسبها الحمل والإرضاع تدمنه أمران بالفضل نالا كل إنسان.

وكان من أروع الرثائيات في الادب العربي ما قاله الشعراء في رثاء أمهاتهم فتحولت دموع الشعراء إلى مراثي حزينة حروفها الدموع وسفرها قلب مضنى وقافيتها اللوعة والاسى وبحرها فيضانات العبرات فها هو الشاعر ابن الرومي الشاعر المتطير الموسوس والذي فقد اولاده الثلاثة اظهر ولعه بأمه التي فقدها فكتب برثائها ابياتا وصفها بعض النقاد بأبلغ ما قيل في الرثاء قائلا..

هي الأم يا للناس جرعت ثكلها ومن يبكي أما لم تذم قط لا يذم.

ولعل من أبلغ القصائد التي قيلت في رثاء الأم قصيدة الشريف الرضي وهو صاحب الشعر القريب من القلب فيذكر أمه بحرقة مبتدئا بكلمة ابكيك التي تعبر عن أشد حالات الحزن فيقول.

أبكيك لو نقع الغليل بكائي وأقول لو ذهب المقال بدائي

قد كنت امل أن أكون لك الفدا مما الم فكنت انت فدائي

وقافية الرضي التي جاءت بحرف الياء تدل على الانكسار والقهر فلا مكان في النفوس بعد غياب الأم الا للوجع.

أما الشاعر بدر شاكر السياب الذي فقد أمه وهو طفل لم يكمل عامه الأول ولم يعرفها أبدا وترك غيابها اثرا حزينا في مشوار حياته ولم يستطع التخلص منه فقال..

تثاءب المساء.. والغيوم لا تزال تسح .. ما تسح من دموعها الثقال .. كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام .. بأن أمه التي أفاق منذ عام لم يجدها.. ثم حين لج السؤال.. قالوا له.. بعد غد تعود.. لا بد ان تعود.

فالسياب يرفض حقيقة وفاة أمه وظلت في باله فكرة أنها “لا بد أن تعود”.

حتى في الشعر الوطني لم تغب الأم بل كانت من أكثر الشخصيات حضورا لكونها الوطن الصغير الذي يحمل في تفاصيله جزيئات الوطن الأكبر فصورت وهي أم لشهيد أو مناضل فكانت الأكثر عطاء بتقديم فلذات كبدها بتقديم قطعة من روحها ليحيا الوطن وهنا تحضر أبيات لسعاد الصباح وهي تصف أم شهيد بثوبها الأسود وعينين مقروحتين وقلب موجوع فهي لن ترى ابنها مرة أخرى فتقول..

“رأيتها ملتفة بالسواد .. في وجهها ملحمة من حداد مقروحة

الجفن على فلذة من كبدها الحرى طواها الرماد .. تشكو تخلع قلب

الجماد .. في ليلة العيد تهاوى ابنها مستشهدا في غمرات الجهاد”.

وفي غمرة الحديث عن الأم لا بد أن نذكر شاعر الأرض والوطن والمقاومة محمود درويش فصورة الأم عنده ارتبطت بالواقع وهو اسير في سجون الاحتلال يذوق مرارة الظلم ويعلم ان امه قد اتت لزيارته بقلبها المشتاق ومعها قدح من القهوة وقليل من الزاد فرفض الاحتلال ان يدخلوها لرؤيته فأبدع قصيدة آنية قالها في لحظة الوجع..

أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي

وتكبر في الطفولة يوما على صدر أمي ..

وأعشق عمري لأني إذا مت يوما اخجل من دمع أمي.1

ولا ننسى شاعرنا الكبير نزار قباني الذي تربطه بأمه علاقة حميمة فكان الأقرب من أخوته إليها وظل شعور الطفل وهو في السبعين من عمره مسيطرا عليه فهو يحن دائما وابدا لأمه فيقول..

أيا أمي أنا الولد الذي أبحر ولا زالت بخاطره تعيش عروسة

السكر فكيف .. كيف يا أمي غدوت ابا ولم أكبر.

نلاحظ أن عرائس السكر أخذت حيزا في شعر قباني وهذا يدل على شده تعلقه بطفولته وبالتالي أمه التي ذاب قلبه حبا لها ولعل معظم شعره في المرأة لم ينبع لولا حبه العظيم لأمه فكانت ملهمته الأولى وحبه الأبدي.

وهناك قسم من الشعراء اتجه إلى دور الأم في المجتمع وضرورة أن تكون متعلمة ومثقفة ومدى اثر ذلك في بناء جيل واع مثقف كما في قول الشاعر حافظ ابراهيم..

الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق.

وإذا ذكر الأدب المهجري فإن الأم تشغل حيزا واسعا وبقيت صورتها معلقة في أذهان الشعراء المغتربين فالحنين عندهم إلى الوطن والام مشترك فالشاعر الياس فرحات ينسج من الياس قصيدة لأمه التي نعاها متألما لأنها قد رحلت عن هذه الدنيا وهو بعيد عنها فيقول متألما..

قطع البريد علي حلم لقاك ونعى السرور الي حين نعاك

انفقت عمرك ترقبين رجوعنا وتجوس كل سفينة عيناك.

والشاعر رياض معلوف هو وأشقاؤه الثلاثة مغتربون وكانت حالهم ميسورة لكن منغصات الغربة والشوق لرؤية الام تحرق الفؤاد وتسلب الراحة والأمان فيقول مقدسا امه معترفا بفضلها لأنها حملت همه وعاشت حزنه وقامت بتربيته..

قدست اسمك ايه أمي يا من حملت العمر همي

كل العواطف دون عط فك كلها وهم بوهم.

وهكذا كانت الأم عبر كل العصور على اختلافها المحرضة الأكبر لتجود قرائح الشعراء ويبدعوا شعرا يحمل في طياته أبهى الصور لأعظم مخلوق تحنى له الرؤوس.