"طويت عليك جناحي" للشاعر صالح هواري..قراءة نقدية في البنية النفسية للقصيدة

"طويت عليك جناحي" للشاعر صالح هواري..قراءة نقدية في البنية النفسية للقصيدة

شاعرات وشعراء

الاثنين، ٧ يوليو ٢٠١٤

محمد خالد الخضر

يقول الشاعر صالح هواري في قصيدة "اعتراني":
قمران في شفتي وناي
لأحبة سكنوا دماي
الله يا طين المخيم
كم عليك توكأت قدماي
أنت حرير أخيلة العتيق.. يوم لا طين سواك..
يوم لا شمس سواي.

لابد لكل نص شعري من دافع مسبب للشاعر في كتابته بعد مجمل الصراعات النفسية التي تعتمل في داخله, وبذلك يبحث الشاعر عن سبيل ليكتب نصه ويعبر عن ما كان سبباً في حضور ما سيكتبه.. إلا أن الإشارة إلى الأساس النفسي تجعلنا نرى بأن الوعي الشعري دفع صالح هواري إلى استخدام مدركاته كونه يعطي البادرة الذهنية التي أشعلت عواطفه دلالة تُكسب القصيدة جمالاً جديداً وتصنفها كحالة إبداعية فنية عبّرت عن رؤية شاعر تألّم لمجتمعه وناسه الذي بالأصل هو سبب المادة الحقيقية لابتكار القصيدة وهذا ما لمسناه في النص الذي ورد قبل ذلك.
وتبدو الحالة الإبداعية برغم حضور العامل النفسي بشكل لافت عند صالح هواري مركبة تتوفر فيها مكونات وشروط العملية الإبداعية التي رفدتها ثقافة واسعة وتدخّل ليس بقليل لعقل تمكّن من صيانة النص والحفاظ عليه من أي خلل يُبطل شيئاً من أسس الإبداع، حيث يخلص الشاعر في بنية النص إلى بعد فلسفي نفسياً أساسه باطن الذات التي عملت على إنشائه المدركات الحقيقية من صور ولواحق ودلالات يراها في الواقع، واشتغل على إعادة بنيتها ثم حولها من تجارب ذاتية إلى عالم يخص الإنسان بأكمله في حال انطبقت عليه مثل الحالة الواردة في قوله:
هي الآن تكتب إلياذة الورد
تتلو على البحر آياتها المورقات.. بماء اليقين
هي الآن تدعو الرصاص إلى حفلة الزيزفون.. فعمَّ إذاً تسألون
دمشق التي لم تجئ بعد جاءت .. معطرة بالبياض الذي لا يهادن

كما تلعب التنشئة الاجتماعية والثقافية دوراً رئيساً في تكوين حركة الإبداع وعوامل نشوئها حيث تدخل المكونات الموجودة في ذهنية الشاعر وخياله في الاتجاه الفلسفي للثقافة التي من شأنها أن تأتي واردة بشكل عفوي في سياق الانسياب العاطفي الذي ينتاب الشاعر لحظة مخاض القصيدة؛ فكثيراً ما تثيره قوى فعالة موجودة في ذاته أو ماثلة في خياله كما فعل في قصيدته بقية الهواري التي استذكر فيها لامية الشنفرى إلا أن الشاعر كان على طرفي نقيض أمام شاعر لامية العرب التي قال فيها:
أقيم بني أمي صدور مطيكم .. فإني إلى قوم سواكم لأميل
فقد حمت الحاجات والليل مقمر .. وشدة لطيات مطايا وأرحل

في حين خالف الهواري شاعر اللامية واعتبر أن قومه هم الأقرب إليه ولا يمكن له أن يتخلى عنهم أو يبتعد عن العيش بينهم وهذا ما عكسته القوى الفعالة الموجودة في عواطف الشاعر والتي نشأت خلال التوتر النفسي والسلوك الإبداعي القائمَين بسبب علاقاته الاجتماعية فقال:
أقيم بني أمي صدور بيوتكم .. فإني إليكم من سواكم الأقرب
أنا الشنفرى لكنني لست مثله .. ألوذ بكم لا منكمو أتهرب
متى كان فرخ الغيم ينكر أمه .. وهل للذي ينأى عن الأهل مذهب

وبذلك يكون العامل النفسي والاجتماعي والبنيوي الذي تكونت منه ثقافة الهواري جعلت من القصيدة حالة مخالفة كلياً لا تتقارب من نص الشنفرى إلا بمعارضة الموضوع ورفضه والتوافق في البحر الخليلي كبنية موسيقية في النصين وهذا ليس شرطاً أن يكون الهواري على حق في ما ذهب إليه وأن الشنفرى على باطل .. وإذا أسقطنا هذا الواقع على حال العرب وما يدور من هموم وقهر ومن خلاف سياسي واجتماعي يجعلنا نسأل ماذا بوسع الشاعر أن يقول؟.