عندما تفوح «رائحة الياسمين» في باكورة الشعر

عندما تفوح «رائحة الياسمين» في باكورة الشعر

شاعرات وشعراء

الأربعاء، ٢٥ ديسمبر ٢٠١٣

عناوين (رائحة الياسمين) الذي وقعته الشاعرة مؤخراً في معرض بيروت الدولي، تبدو أقرب إلى ما يمكن تسميته المقطوعة النثرية أكثر منها شعراً، فهي بوح يكتنفه الإحساس العالي المنتقى للتعبير عنه مفردات رقيقة سهلة سلسة وناعمة كالياسمين، وإن كان ذلك لا ينسحب على كل محتوى الديوان
 الأمر الذي تعترض عليه الشاعرة فترى أن قصائدها أقرب ما تكون للشعر الحر أو شعر التفعيلة، معللة ذلك بعدة أسباب «أهمها أن التركيز على المضمون الشعري في كتابتي كان أساسياً قبل القافية، إضافة إلى أنني لم أستخدم الشطرين في الكتابة بل الشطر الواحد، والذي لم ألتزم فيه بطول ثابت، كما أنني آثرت إبراز شخصيتي وأسلوبي والتركيز على النواحي الإنسانية بشكل واضح وبعيد نسبياً عن التخيل من جهة وبسيط وعفوي وفيه من الرمزية والصور ما يجعله شعراً من جهة أخرى، واعتمدت فيه وحدة للوزن الموسيقي دون الالتزام بعدد ثابت لتلك الوحدات، الأمر الذي أبعد تصنيف كتابتي عن المقطوعات النثرية أو الخواطر».
 
ما قد يلحظه القارئ أن بعض القصائد تمتاز بانسيابية غاية السلاسة وتدفق عفوي ممتع، بمقابل التكلف البياني المفتقر للإحساس العالي في مقطوعات أخرى، ففي قصائد عدة، منها مثالاً قصيدة «موعد» تنساب الكلمات متكاتفة في لحن موسيقي جميل تخلو منه قصائد أخرى، والقارئ أمام تدفق هو جل ما يحتاجه الشعر ليمسك بقارئه حتى آخر مفردة من القصيدة، إذ تتدرج العبارات المحملة بالأفكار والمشاعر من وصف لهفة الانتظار، إلى الشوق، إلى فرح اللقاء عبر مفردات تتراقص على وتر أحاسيس الشاعرة الثائرة بالشوق حيناً والمستكينة إلى دفء اللقاء حينا آخر..
«إنه شعور أشبه بانتفاضة العشاق على الحب
والمحرومين على الفقر
أشبه بحقد العبيد على الملوك
والسبايا على الوحوش»
وفي موضع آخر، تحنو الكلمات على بعضها، فتتهادى على كتف الإحساس بروعة اللقاء، لتجعل حناوي من الأشياء حية ملموسة فترسم في مخيلة القارئ مكان اللقاء بكل تفاصيله الجميلة ومشاعر شخوصه..
«يوم مخيف تصعد فيه (أدرينالات) الجسد
وتتوج الفنون والإبداعات على عرش الوقت
يوم تكتب فيه القصيدة بسلاسة
وتتحقق كل الطلبات
الأوامر مجابة.. والشموس برداً وسلاماً
الأطعمة تتوافق مع الحليمات
والأماكن هدفها منتهى اللذة»
أما في قصائد أخرى، فيجد القارئ نفسه أمام وصف مجرد للأشياء يجعلها حيادية خالية من الروح، وتبدو كما لو كانت تسمية للأشياء بمسمياتها، فتغيب الاستعارات البهية، والألحان المغرية بالانجذاب، والأحاسيس المفعمة بالدفء، فتحضر في الذهن أسئلة عن الحالة النفسية التي كتبت فيها الشاعرة قصيدتها مترعة بالحيادية حد اليأس والتبلد أمام الأشياء كما في قصيدتها «هل من جديد؟»..
«أصابع تتحرك باحثة عن شيء
أو ربما لا شيء
وعيون تأبى النوم
ذهن متعب
وجسد تكسرت معظم أعضائه.. »
وحسب تفسير حناوي فإن «تفاوت الإحساس بين القصائد يعود بالدرجة الأولى إلى ثلاثة عوامل؛ أولها تفاوت الفترة الزمنية التي كتبت فيها ما أدى إلى اختلاف وقعها على القارئ لأنني من المؤمنين أن الإحساس والقدرة على التعبير تنضج مع الإنسان كلما توالت عليه التجارب ومضى به الزمن، وثانيها اختلاف الطبائع البشرية بين الأشخاص واختلاف انسجامهم مع الموضوعات الحياتية، فمن تؤثر فيه قصيدة تتحدث عن الصداقة قد لا تؤثر فيه أخرى موضوعها قصة حب فاشلة على سبيل المثال، والسبب الثالث يعود إلى الحالة النفسية للشاعر إذ لا يوجد قانون ثابت في الحياة يحكم الوضع النفسي لأحدهم، وتلك التقلبات النفسية تؤثر حتماً على جودة المحتوى الشعري من جهة وعلى كمية الإحساس فيه من جهة أخرى».
عناوين أخرى، بعضها تكتنفه الغرابة المغرية بالقراءة، وهي أفكار وظفتها حناوي لخدمة هدفها الواضح في التركيز على الأنوثة ومحوريتها، حال (فيزيائية) التي تبدو كلغز محير محاولة حلّه تقود نحو الأنثى المتحكمة بفيزياء الكون..
«كان نيوتن صديقها الوفي..
علمها سر المهنة،
واشتكى لها من استعباد الوحوش لنظرياته
طلب منها حمل الراية
وافقت
وقررت أن تحيي قوانين الحركة الأنثوية»
تبني حناوي مسألة الدفاع عن بنات جنسها ليس أمراً تركز فيه على استعراض القدرة الأنثوية وطاقاتها، فهي أيضاً تعري المجتمع الذي يظلمها أحياناً ويتعدى على أنوثتها ويقمعها.. ففي «بحيرة الدماء» تبدأ حناوي بسؤال «هل تعرفون الأنثى التي تجلد في اليوم ألف مرة؟!!» لتغوص في تفاصيل تستعرض فيها اضطهاداً يمارسه الرجل على المرأة، وهو أمر ربما يكون لإقامة الشاعرة في المجتمع السعودي علاقة به، حيث المشكلات العميقة التي تعاني منها المرأة هناك، والتي تأتي في مقدمتها هضم حقها في المساواة، وعلى لسان رجل هو رمز لكل مجتمع يقمع المرأة تقول حناوي:
«النساء وراء أسوارنا غبيات متذاكيات
يدعين النبوة
ويزعمن تأليف الأسطورات
يرتددن عن الدين
ويفعلن الفواحش والمنكرات
يطالبن بالعمل والعلم والمساواة
والرجال عندنا أقوياء لا يخافون المهابات»
لكنه مجتمع لم يستطع إلا أن يرخي بظلاله على الشاعرة، فأمام تعمد ملحوظ لاستعارة دور الرجل من أجل مخاطبة الأنثى كهروب صريح من مخاطبة الرجل، وتكرار واضح في اختيار موضوعات تخص الأنثى في عناوين مثل (تساؤلات شهرزادية، إلى ملهمة، صديقتي والقمر) يبدو أن حناوي لم تستطع فكاكا من هذه السيطرة، والخوف من إسقاطات تعود المجتمع الشرقي اعتمادها وهو يقرأ المنتوج الأدبي الأنثوي، لكن السبب في ذلك كما توضحه حناوي من وجهة نظرها أن تلك القصائد كتبت لحالات خاصة الأنثى أساسها، ولا علاقة للرجل بها، في حين استعارة دوره جاءت في قصائد أخرى منها (على لسان شاب)، و(حبيبتي ساحرة) وسبب ذلك: «الإحساس بمشاعر الذكر عندما يُطعَن من الأنثى ومشاعره أيضاً عندما يحبها ويعشقها، ونقل تلك المشاعر المعاشة واقعياً بصورة كلمات شعرية تسرد قصصاً ذكورية في تأكيد على أن الشاعرة الأنثى قادرة على الإحساس بآدم واختلاجاته».
وعن شعورها حيال توقيعها أول دواوينها تقول الشاعرة: «شعور فيه من الرهبة والقلق والتوتر الشيء الكثير للوهلة الأولى إلا أنني - والحمد لله - لم تنتبني كل تلك المشاعر إذ كان إحساسي خليطاً من التفاؤل والفرح والسعادة والترقب والانتظار والثقة، لأنني من المقتنعين أننا بتحدياتنا وإيماننا بما تصنعه أيدينا يمكننا إحالة الخيال لحقيقة والمستحيل لواقع، وبعد أن أصبح ديوان (رائحة الياسمين) بين يدي القارئ وبعد التعليقات التي وردتني عليه أصبحت أرى مستواه جيداً جداً كتجربة أدبية أولى، فمهما كان الكاتب على دراية بقدراته فتقييمه لنفسه لن يكون دقيقاً إلا مع نزول الكتاب للأسواق وقراءته من مختلف الأطياف الاجتماعية والاستماع إلى كل الآراء».