لا يأتي مصادفة!! التفوق .. خطوة متقدمة للنجاح وقدرات ذاتية تبحث عن الرعاية والتحفيز

لا يأتي مصادفة!! التفوق .. خطوة متقدمة للنجاح وقدرات ذاتية تبحث عن الرعاية والتحفيز

شعوب وعادات

الجمعة، ١٢ أغسطس ٢٠١٦

لا يتحقق النجاح إلّا بتكاتف الجميع، وتكامل الأدوار بين الطالب والمعلم والأسرة والمجتمع، وإن كان المعلم والطالب هما لب العملية التعليمية، وفي خضم هذه المعطيات يبقى المعلم العنصر الأهم والأكثر تأثيراً في قيادة دفة التعليم، والنتائج كلها معقودة على شخصه وأسلوبه وطريقة تفكيره وتعامله مع الطلبة، وهذه أول لبنات التفوق.

عمود فقري
في هذا الإطار يقول الدكتور آصف يوسف “كلية تربية دمشق”: إن المعلم هو العمود الفقري في العملية التعليمية نظراً لما يتمتع به من أدوار لجذب الطالب إلى ميدان العلم، فالعلاقة بين المعلم والطالب، قد تتميز وتتأطر أكثر متجاوزة الأعراف التي يؤمن بها بعض المعلمين، وذلك حين يبدأ بعضهم ببناء جسور الصداقات والعلاقات الأخوية مع الطالب وفق منطق يعينه على تجاوز الصعوبات التي تعتري طريقه، وتجسيد الثقة بين المعلم والطالب بما يغني الطالب عن البحث عن أمور أخرى، فحينما يشعر الطالب بحرص واهتمام المعلم الذي يكون له يد العون والمساندة في مختلف الظروف، ستجد النتائج أكثر إشراقاً وتفاؤلاً، لافتاً إلى أن قدرة المعلم على جذب الطالب، وتمسكه بالدراسة، هي مفتاح التفوق الأول، فالعلاقة الودية بين الطرفين تظل أكبر محفز للطالب.

تحفيز
أما الدكتور فواز العبد الله “كلية تربية دمشق”،  فيؤكد أن الطالب إذا وجد من يحفزه، ويأخذ بيده في الميدان التربوي، فإنه ومن دون شك سيسلك طريق النجاح والتفوق، ويتحقق ذلك من خلال قيام المعلم بإزالة الحواجز بينه وبين الطلبة، وتفعيل دور الطلبة في قاعة الصف دون تهميش لأحدهم، إضافة إلى الابتعاد عن استخدام كلمات التثبيط والهدم للطلبة تحت كل الظروف، منوهاً بأهمية التشجيع، واعتماد كلمات الإطراء بين الحين والآخر، كونها تشعر الطالب بالفخر والإقدام، وتدفعه إلى بذل المزيد من الجهد.

اكتشاف
لا يبتعد الدكتور مأمون افليس ” كلية التربية” عما أجاد  به زملاء الاختصاص، معتبراً أن هنــــاك نماذج كثيرة لطلبة كانوا متأخــــرين دراسياً، ولا يبالون بالمدرســة وقــوانينها، لكن تعامل بعض المعـــلمين مع هــؤلاء الطلبة بأساليب محفزة وفق منطــــق تربوي مبتكر، غيّر من السلوكيات التي كانوا يتبعونها، وأجبرهم على السير في طريق الصواب، لافتاً إلى أن الطالب في بعض الأحـــيان، قد يفــتقد ذاته، وبمجرد أن توكل إليه بعض المسؤوليات، أو الواجبات خصوصاً في العمل الجماعي، يبدأ في إعادة حساباته، ويصرف النظر عن السلوكيات التي كان يتبعها ليفتتح لنفسه فصلاً جديداً من فصول التفوق.

لمسة سحرية
وفي السياق ذاته يشـــير الدكتور إبراهيم زعرور” قسم التاريخ في جامعة دمشق” إلى أن المعلم يمتـــلك لمسة سحرية، قد تغيّر العديد من المفاهيم التي يتشبث بها الطالب، وذلك من خلال تكريم الطالب المتميز والوقوف على أسباب إخفاق الآخر، وإشراكه في العملية التعليمية، مؤكداً أن الأسلوب الذي يتبعه المعلم، ومدى إلمامه بأساليب التدريس من أبرز المقومات التي تجذب الطالب إلى التفوق والتميز في المدرسة.

تجربة شخصية
وبعيداً عن الأكاديمية، والكلام النظري التربوي، تقول أم جابر: أنا لست حاصلة على شهادة عالية، أو حتى متوسطة، لكن مستوى تعلمي متواضع، فعناية الأم بأبنائها هي سمة فطرية خلقت لها لتكون مربية، فأنا أحاول دائماً أن أتابع بناتي في المدرسة محاولة وجاهدة مساعدة المدرّسات على حل أية مشكلة، لأنها في النهاية ستعود بالنفع على بناتي، ففي المنزل أقلل الزيارات الاجتماعية، أو أؤجلها، وخصوصاً في فترة الامتحانات، والصداقة بيني وبين بناتي تجعلني على علم دائماً بما يحدث لهن، وما يطرأ عليهن من تغيرات.

بين العملي والنظري
عن تفوق ابنه أحمد على أقرانه في مدرسة المتفوقين، يقول سامر الحميد: ربينا أبناءنا منذ نعومة أظفارهم على روح التحدي، وشجعناهم على بذل كل ما في وسعهم من جهد حتى تتحقق أهدافهم التي رسموها لأنفسهم منذ بداية مشوارهم التعليمي، كما ساعدناهم على تنظيم أوقاتهم حتى تعوّدوا على تخصيص أوقات للدراسة، وأخرى للترفيه، وممارسة ما يفضلونه من أنشطة، ويضيف: ليس صحيحاً أن الطلاب المتفوقين محبوسون في غرف مغلقة، ومنكفئون طوال الوقت على الكتب، وليست لهم برامجهم الترفيهية، أو الرياضية، لكن ذلك يتم في حدود الجدول الزمني المتفق عليه منذ سنوات، ففي العطلات نخرج جميعاً إلى أحد المتنزهات، أو لنزور العائلة، وهناك أيام معروفة لممارسة الرياضة، كما هناك ساعات مخصصة لمتابعة ما هو مفيد في التلفاز من برامج.

صناعة
وبالعودة إلى رأي علم النفس، فإن صناعة التفوق الدراسي هي عملية صناعة طالب متفوق يملك مهارات المذاكرة بأدواتها، واستراتيجياتها بطرق علمية حديثة، حسب تعبير الدكتور محمد الشيخ، أستاذ علم الصحة النفسية في كلية التربية، جامعة دمشق، معللاً ذلك بأن نسبة كبيرة من الطلاب ليسوا بحاجة للوقت لإتمام المذاكرة مثل حاجتهم للمذاكرة بذكاء، يترتب عليها توزيع الجهد حفاظاً للوقت، عطفاً على ما وهبه الله للبعض من استعدادات فطرية، وقدرات دماغية جعلته متفوقاً، مع إيمانه بأنه توجد طرق تسهم في صناعة الطالب المتفوق دراسياً، كما أن أساسيات النجاح متفق عليها في العالم كله، بل في جميع الحضارات، فالنجاح يبدأ من داخل الإنسان أولاً، ومن ثم تأتي عملية إكمال النجاح الذي أؤكد عليه بامتلاك المهارات والأدوات اللازمة، وهذا لن يتم إلا بإدارة صحيحة وجيدة للوقت.
ملكة الحفظ
والتفوق الدراسي لدى أغلب أبنائنا يعتمد في أغلب الأحوال على ملكة الحفظ،  وهذه سمة ليست جيدة في علم النفس التربوي، غير أن لدينا في الوقت ذاته أبناء أذكياء، ويستطيعون التفوق بشكل حقيقي لو كانت هناك مقررات تحاكي العقول قبل الألسنة.

الطالب ثم الطالب
الأستاذ أحمد جهيم، مدرس لغة عربية، يلقي على كاهل الطالب النسبة  الأكبر لتحقيق التفوق، فالنجاح نور يشعّ في الأفق، ونهر يرتوي منه المتفوقون، وزهرة يتنسم شذاها المتميزون، وبحر تتلاطم أمواجه لا تقاومها إلا جدية الطالب ومثابرته على التفوق العلمي وطموحه نحو المعالي والرفعة، فيَتخطّى بذلك ظلمة الموج بحرصه واستعداده التام ليوم الامتحان، ويجتاز الأمواج العارمة بنفسية واثقة وعقل مدرك ليصل إلى شاطئ التفوق وبرّه، ولا بد أن ندرك أنّ استعداد الطالب للامتحان فن وذوق وخبرة عملية، وهذا من أهم الركائز لتحقيق التفوق الدائم والنجاح في كل مرحلة من مراحله الدراسية.

الإرادة طريق النجاح
ويضيف جهيم: إن رسم طريق النجاح من أهم الأهداف لدى الطالب الطموح، ولن يسعى للتفوق من لا يملك طموحاً وحلماً واقعياً وينظر إلى القمم العالية والدرجات الرفيعة، فمن جدّ وجد، ومن زرع حصد، ولا يصل إلى قمم التفوق ومنتهاه إلا أصحاب الهمم والنفوس الجادة. فالتفوق شعور يبدأ من حالتك النفسية فعليك أن تدرك أنّ طلب العلم عبادة وتؤمن بقلب واثق بأنك ستنجح، فابذل الأسباب، ولا تخش الفشل واملأ نفسك بالإيمان والأمل، فالإيمان بالنجاح أساس كل تفوق وهو الوقود الذي يمنحك القوة ويدفعك نحو النجاح والتفوق، والأمل هو الحلم الذي يصنع لك النجاح، فرحلة النجاح تبدأ أملاً ثم مع الجهد يتحقق الأمل، فالناجح يثق دائماً في قدرته على التفوق، فالثقة تعني مسابقة النجاح مسلحاً بهمة عالية، والذي لا يملك الثقة بالنفس يفشل وييئس.

تهيئة الأبناء
وتحمل الدكتورة سميرة القاضي “كلية تربية دمشق” الأسرة الدَور الأكبر في تحضير الطالب وتهيئته نفسيّاً، من خلال خلق جوٍّ هادئٍ بعيد عن التوتر والنزاعات، ورفع الصوت والمشاجرات بين الأب والأم والإخوة، وأن يتدخَّل لحلِّ مشاكله مع إخوانه بحكمة، فتوفِّر له بيئة غير متوترة أو دافعة للتوتر. وعلى الأسرة ألا تُحمِّل الطالب العناء وتضغط عليه بسبب المذاكرة، ولا تُوقع عليه اللوم الشديد، ولكن في أوقات تقصيره لا بد أن يذكِّروه بنجاحاته ولحظات تفوقه السابقة، لنؤكِّد له أنه ناجح وقادر على تحقيق النجاح دائماً، ويجب غرس فقه الأخذ بالأسباب والمسؤولية في الطالب، وأن تعلِّمه ألا يعطي للامتحانات أكبر من حجمها وأن تبُثَّ فيه الطمأنينة، وأن تزيل من نفسه الجزع، وعلى الأسرة كذلك أن تحيط الطالب بجوٍّ من الود والحب والحنان والاهتمام، وكذلك على الأسرة أن توفِّر للطالب الطعام والشراب الذي يحقِّق له التركيز والنشاط، وكذلك العصائر التي تنعشه وتشعل نشاطه.

تكامل الأدوار
إذاً كما هو واضح، التفوق لا يأتي مصادفة، فالبيئة المحيطة بالمتميزين دراسياً التي حالما توافرت تؤدي حتماً إلى التفوق في نهاية الطريق،  وعلى المعلمين تطويع وتبسيط الكتب والمناهج للتلاميذ، فالتقريب بين التلميذ وكتبه ومواده الدراسية في أسرة متحابة متماسكة من شأنه أن يحفز الطالب على العطاء والتفوق في أي مجال.
عارف العلي