التربية بالضرب.. مثل الملح والسكر القليل منهما مفيد والإكثار منهما قاتل؟!

التربية بالضرب.. مثل الملح والسكر القليل منهما مفيد والإكثار منهما قاتل؟!

شعوب وعادات

الجمعة، ١٨ ديسمبر ٢٠١٥

من منا لم يضربه والده، ومن منا لم تؤدبه والدته، ومن منا لم يضربه أساتذته، وها نحن اليوم نتعرف أنه لولا الضرب منهم لما وصلنا إلى ما وصلنا  إليه، ولا نضمر في داخلنا إلا المحبة الممزوجة  بالرهبة والخوف، والدعاء لهم، ويقال، والعهدة على الراوي، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ربوا أولادكم غير تربيتكم، لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم، وفي حديث آخر: وأمر بتعليق السوط في البيت، وكأنه إشعار للأبناء بإمكانية العقوبة، ولكن مع تطور العلم، وأساليب التربية، واختلاف الأجيال، تُرى ما رأي  الأهل، والعامة، وعلم النفس التربوي، والصحة النفسية بالضرب، وشروطه؟ ومتى يباح؟ ومتى يكون غير مستباح قبل أن نشرع في العقوبة البدنية؟!.

اعتراف مبطن
أجمع من حاورناهم من طلبة شباب، وأصدقاء، وزملاء، وأمهات، وآباء  على  ضرورة مبدأ العقاب والثواب، ومثلما هو الثواب ضروري، يجب أن يوازيه العقاب، لأنهما وجهان لعملة واحدة، كما هو الطائر لا يطير إلا بجناحين، فالدلال والغنج للطفل في أول عمره يفسده، وكذلك التعنيف، والمنع، والعزل، والقسوة دون سبب، أو لأسباب تافهة تعقده، وتجعل منه مجرماً افتراضياً في المستقبل القريب أو البعيد، وأجمعوا أيضاً على أن التعامل مع الطفل كما التعامل مع المتفجرة  المفخخة، الخطأ الأول هو الأخير، ويجب التعامل معه بهدوء وروية، وليس بتشنج وانفعال، معترفين ولو بشكل مبطن أنهم تعرضوا للضرب، وأنهم يمارسون الضرب أحياناً مجبرين عليه، وأنه شر لابد منه، لأن هناك سلوكيات خاطئة، ومكررة، وتحتاج للضرب للتقويم والإصلاح للمحافظة على المجتمع، والعقاب المدروس مثل السكر، القليل منه مقبول ومعقول، والكثير منه مضر وفق تعبيرهم.

أساليب تربوية
وأجمع من حاورناهم على ضرورة التوفيق بين العقاب والثواب، وعفوية الطرح للأساليب العلمية التربوية في التربية، حيث تقول الدكتورة سميرة القاضي، “كلية التربية، جامعة دمشق”: ينبغي التغافل عن خطأ الطفل الأول، فإن أعاده مرة ثانية فينبغي أن نعاقبه سراً، ونعظّم الأمر فيه، ونقول: له إياك أن تعود لمثل هذا الخطأ، وعلينا كأولياء أمور ألا نكثر بالملامة على الطفل في كل وقت وفي كل حين، وعلينا أن نؤدب أبناءنا قدر المستطاع دون حاجة إلى العقاب، فالعقاب ليس الوسيلة الوحيدة لمنع الطفل من أن يتصرف تصرفاً مزعجاً، أو خارجاً عن حدود الآداب العامة، ونلجأ للعقاب عندما نستنفد كل الأساليب الأخرى من نصح، وإغراء، وعدم المبالغة بالضرب، أو التكبيل، أو العزل لفترة طويلة، على أن يكون الهدف القريب والبعيد من العقوبة هو التقويم والإصلاح لإعادة دمج الطفل من جديد في مجتمعه.

تدرّج العقوبات
يوافق الدكتور مأمون أفليس، “كلية التربية، جامعة دمشق” رأي الدكتورة القاضي، ويضيف: على الآباء التدرّج بالعقوبات، على أن يتم البدء بالعقوبة الأدنى، وهي إظهار عدم استحسان السلوك الصادر من الطفل المخطىء برمقه بنظرة حادة، وهذه النظرة تردع الأطفال، بل إن بعضهم يبكون منها أحياناً، وهناك عقوبة الهمهمة، وهي صوت يخرج من الحنجرة يدل على عدم الرضى على التصرف، ثم مدح غيره أمامه بشرط أن يكون للعقاب فقط، وليس في كل الأحوال، كما ينبغي عدم الإكثار من هذا الأسلوب في العقاب، لأن في تكراره أثراً سيئاً على نفسية الطفل، ومن ثم يأتي دور الإهمال، كأن يدخل الأب ويسلم على الجميع، ولا يخص الطفل المذنب  بالسلام، ولا يسأله عما فعله، كما هي العادة، ثم الابتعاد عن الحديث معه، وإن حاول الطفل المحادثة فيجب على ولي الأمر إدارة وجهه للجانب الآخر، وهكذا حتى يشعر الطفل بخطئه، وحينئذ على الأب أن يبادر ببيان خطئه، وعلى ولي الأمر عدم المبالغة في إهمال الطفل المذنب وتجاهله فترة طويلة، لأن دور ولي الأمر التعليم والتربية والتوجيه والتحصين  وليس التعنيف القاسي، وفق أفليس، بعدها يلجأ الأب أو المربي أو ولي الأمر إلى العقوبة الأشد، وهي الحرمان من شيء محبوب له مثل   المصروف أو النزهة  أو الدراجة  أو الأتاري  أو التلفزيون، وهذه  العقوبات المحبوبة أثبتت جدواها  على سلوك الأطفال المشاغبين عكس اللجوء إلى  الضرب في كل صغيرة وكبيرة، وهذا قد يدفع الطفل لأن يتسلل بالخفاء لكي يحقق الخطأ بعيداً عن أعين الرقابة الأسرية، ويوجه افليس المربين إلى تربية  الأبناء والأطفال على أهمية  التأكيد على الرقابة الذاتية  لأنها هي التي تحصنه وتحميه في المستقبل  ثم يلجأ الأب إلى العقوبة الأشد وهي الهجران والخصام، على ألا تزيد عن ثلاثة أيام، فإن عاد الطفل عن خطئه واعترف به وبعدم العودة إلى ذات الخطأ على المربي مسامحته، ثم يلجأ المربي للعقوبة الأعلى، وهي التهديد شرط أن ينفذ المربي ماهدد  به إذا تهاون الطفل، ويوجه الدكتور افليس المربين  إلى نوع مفيد جداً من العقاب لا يستخدمه كثير من الآباء، وهو الحجز المؤقت  كأن يطلب من الولد الجلوس على كرسي محدد في جانب الغرفة أو أن يقف في ركن من أركان الغرفة لبعض الوقت  ومن الوسائل الناجحة جداً وفق افليس المشارطة  باختيار العقوبة وقد أثبتت نجاعتها  كأن يقول الأب أو ولي الأمر للطفل  إن فعلت كذا  فما هي عقوبتك؟  وعلى المربي  أن ينتظر أن  يختار الطفل لنفسه العقوبة عندها سيراقب نفسه جيداً ولا يعود للخطأ البسيط  ومع التكرار.

شروط الضرب
الضرب للتأديب كالملح للطعام (أي القليل يكفي والكثير يفسد) حسب وجهة نظر الدكتور محمد الشيخ ” كلية التربية – جامعة دمشق ” وتوصية الآباء بعدم الضرب بعد وعد الطفل بعدم ضربه إن قال الحقيقة، لئلا يفقد الثقة به مستقبلاً، ومراعاة حالة الطفل المخطئ وسبب الخطأ ولا يضرب الطفل على أمر صعب التحقيق، ويعطى الفرصة إذا كان الخطأ للمرة الأولى ولا يضرب أمام من يحب والتوقف عن الضرب فوراً إن أصر الطفل على خطئه وعدم الضرب أثناء الغضب الشديد وعدم الانفعال أثناء  الضرب ونسيان الذنب بعد الضرب وعدم تذكير الطفل به، وعدم أمر الطفل بعدم البكاء أثناء الضرب، ولا يرغم الطفل على الاعتذار بعد الضرب، قبل أن يهدأ، لأن في ذلك إذلالاً ومهانة،  وإشعاره أن عاقبته لمصلحته والابتسام في وجهه بعد تنفيذ العقوبة، ومحاولة نسيانه الضرب وعدم الضرب على الأماكن الحساسة مثل الوجه، وأن يتولى المربي الضرب بنفسه،  وحبذا لو كان الأب هو الضارب، وتنفذ العقوبات وتصرف المكافآت في ساعاتها، والمبالغة في الضرب وفق الشيخ له مضاره الكارثية كأن يألفه الطفل، ويصبح بليداً، ويلجأ لتحقيق ذاته بأساليب منحرفة، وزيادة احتمالية تولد الشخصية العدائية عنده في المستقبل.

التربية بالعقوبة
من لا يستجيب لوسائل التأديب ولا ينفع معه الرفق ينبغي استعمال آخر الأدوات وهو الضرب، ولكن الضرب الخفيف المنضبط عند الحاجة، وعدا ذلك فهو يضر أكثر مما ينفع، الثواب والعقاب مبدأ إلهي، ومثلما الثواب متدرج، العقاب متدرج، فالتربية بالعقوبة أمر طبيعي بالنسبة للبشر عامة والطفل خاصة فلا ينبغي أن نستنكر ذلك من باب التظاهر بالعطف على الطفل، فالعطف الحقيقي على الطفولة هو الذي يرعى مصالحها في مستقبلها لا الذي يدمر كيانها، ويفسد مستقبلها، فالتجربة العلمية تقول: إن الأجيال التي نشأت في ظل تحريم العقوبة ونبذ استخدامها أجيال مائعة لاتصلح لجديات الحياة ومهامها، ولكن علينا الحذرمن المبالغة والتفاخر بالعقاب والشدة والتعنيف والتضييق لأن نتائجه عكسية ومدمرة لمستقبل الأطفال.

عارف العلي