شهريار الانتهازي وشهرزاد المتطلّبة: سنوات مملّة من الحياة الزوجية!

شهريار الانتهازي وشهرزاد المتطلّبة: سنوات مملّة من الحياة الزوجية!

آدم وحواء

الثلاثاء، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٤

تتميز العلاقة الزوجية في بدايتها بالاهتمام بين الشريكين، فتكثر كلمات الحب وتتفاعل الرغبة، وتكون العلاقة الحميمة في أوجها... وبمرور السنوات ينشغل الزوج في تأمين مستقبل عائلته، ويضطر للتغيب عن منزله والعمل لساعات إضافية أو السفر لتوفير معيشة كريمة لزوجته واولاده. ويتداخل ذلك مع مُطالبة الزوجة له بالاهتمام بها مجدداً ومنحها العاطفة والحب اللذين أصبحا شبه غائبين عن العلاقة. وعندما يكبر الأولاد وينشغل كل منهم بتكوين أسرته، يدخل الملل إلى العلاقة ويرافقه الروتين "المميت". وتصبح طباع الشريكين مختلفة أو تتكشف حقيقتها بعد نفاد صبرهما على تحمل بعضهما جراء ضغوط الحياة التي تراكمت على مرِّ السنين

اقتحم الملل والروتين حياة سناء، وها هي تفصح اليوم عن مكنونات قلبها بعد مرور 30 عاماً على زواجها: "لم أشعر في بداية حياتي بهذا الروتين، خصوصاً أنني سيدة عاملة ووالدة. ففي المراحل الأولى ونتيجة ضغوط العمل والاهتمام بالأولاد والمناسبات الاجتماعية لم يكن لدي أي وقت أو حتى مجال للشعور بالملل، بل على العكس كنت أبحث عن ساعة راحة بعيداً من التفكير بأي أمر آخر، ولم أكن أحصل عليها في معظم الأوقات". وتضيف: "لكن بعد مرور نحو ربع قرن على زواجي واهتمام الأولاد بأعمالهم وانتقالهم لتأسيس حياتهم الخاصة، أصبحت أشعر بأنني وحيدة في المنزل، وزادت الرتابة وصار الروتين طاغياً على حياتي. ومع الوقت أشعر بأنني بتُّ أرى الأشياء على حقيقتها، أصبحت شخصية زوجي واضحة أمامي، إذ صرت أعرف مسبقاً تصرفاته وردّات فعله. وبعد هذه السنوات يمكنني رؤية التفاصيل المزعجة التي لا أحبها في شخصيته، هذه التفاصيل التي لم أتنبَّه لها في بداية اعوام الارتباط ثم الزواج".

بدورها، تقول جومانة أنَّ "الروتين يدخل أيضاً الحياة الجنسية، أشعر أحياناً أنَّ زوجي لا يعي أنه تخطى مرحلة عمرية معينة، بل يعتبر أنه لا يزال شاباً يرغب في عيش حياته، طالباً مني مجاراته في ذلك. فهو غير مدرك أنَّه بمرور الوقت خفَّت اهتماماتي بهذا الموضوع، وفي معظم الأيام أطلب منه النوم في غرفة الأولاد التي أصبحت شاغرة بعدما تزوجوا وانتقلوا للسكن في منازلهم، خصوصاً أنَّ شخيره خلال الليل يزعجني، لم أعُد أستطيع تحمُّله بعد كل هذه السنوات".

من جهتها، ترى سارة أن "التوتر النفسي وتردي الأوضاع الأمنية في البلد، وعدم إمكان الانتقال من منطقة إلى أخرى براحة وسهولة، تزيد الشعور بالإحباط. كما تحول دون تنشيط الحياة الزوجية، عبر ارتياد المسارح والسينما، لاسيَّما وأننا من جيل الحرب الذي عانى مآسي جمّة. نخاف مع كل خبر أو اضطراب أمني، ونحاول ان نقضي معظم أوقاتنا في المنزل. هذا إضافة إلى أزمة المعيشة وتراجع الوضع المالي اللذين يسهمان في الحدّ من قيامنا بنشاطات تكسر ملل الحياة وروتينها. فبسبب الوضع المالي لا يفاجئني زوجي بدعوة إلى العشاء خارج المنزل، أو حضور حفلة موسيقية، وينسى غالباً عيد ميلادي فلا يجلب لي هدية تشعرني بأني ما زلت "موجودة" ضمن أولوياته".

ترهل الجسد وتأجج المشاعر

"يسود العلاقة في الاعوام الثلاثة الأولى شغف، يخف بمرور الوقت ليحل مكانه عامل مشترك وهو في غالبية الوقت الأولاد والاهتمام بهم وبمستقبلهم، وصولاً إلى اختلاف العلاقة وارتكازها على التفاهم والاحترام"، بحسب ما يلفت الدكتور بيارو كرم في حديثه لـ"النهار". ويضيف: "إذا مرَّت السنوات العشر الأولى واستمر الثنائي معاً ومرّ بنقاط مشتركة وصمد، لا يعود الزمن يشكِّل أي خطر على علاقتهما إلاّ أن نمطها يصبح مختلفاً. ومتى صارا في السنوات العشرين لا يبقى لهما ما يكتشفانه أو يبررانه للشريك الآخر". ويتابع: "الأمور تختلف بالطبع بين السنة الأولى وبعد 20 سنة إذا ما انتقلنا إلى الشق الجسدي، فيرى الرجل أن جسد زوجته تغيّر وباتت التجاعيد تشوهه، وما لا ينتبه إليه في معظم الوقت أنه هو أيضاً تغيَّر، وأن جسده أصبح مترهلاً، بل يعتبر أنه لا يزال "ابن عشرين".

ويلفت كرم إلى أنَّ "مجتمعنا يحدد علاقاتنا خصوصاً تلك المرتبطة بموضوع الزواج والتي تكون أحادية، أي الزواج بشريك واحد، ولكن رغم ذلك تختلف نوعية العلاقة بين المرأة والرجل، فالأخير يفكر برغباته دوماً في حين أن المرأة وبحكم التربية تعلمت كبت وضبط أحاسيسها ومشاعرها وحاجاتها، فكيف إذا ما وصل الأمر الى العلاقة الحميمة فهي لن تتجرأ على البوح لا لنفسها ولا للآخر بحاجاتها. وما لا يعرفه الناس أنهم يكبرون بيولوجياً إلاَّ أنَّ أحاسيسهم تبقى هي نفسها رغم التقدم في العمر". ويعتبر كرم أنه من الضروري "تغذية العلاقة بشكل مستمر إما عبر جلب الورود مثلاً، أو دعوة الزوج لزوجته إلى العشاء، أو إلى حضور حفل موسيقي. والأهم من كل ذلك محاولته لكسبها كما كان يفعل عندما رآها للمرة الاولى وأمضى أشهراً يتقرّب منها كي يتكلم معها أو يمسك يدها أو يقبلها. فالمرأة تبحث دوماً عن الاهتمام والدلال".

ويشير إلى نقطة أساسية ترتبط بنظرة المرأة إلى نفسها قائلاً: "إنَّ المرأة في مجتمعنا الشرقي بعد الحمل وانجاب الأولاد تنسى أنها امرأة، فتطغى عليها الأمومة. لذا، عليها أن تتساءل "كيف ترى نفسها هل هي امرأة أو أُم؟"، ثم عليها أن تدرك أنَّ زوجها يبحث في العلاقة عن زوجة وليس عن أم".

اليوميات تعاكس الأحلام

ماذا يقول التحليل النفسي عن الموضوع، تجيب الأستاذة الجامعية والمحلّلة النفسية رندا شليطا أنَّ "الإنسان لا يبقى كما هو بل يتطور مع تقدم العمر، ولكن الاختلاف ينشأ من اختيار خاطىء للشريك الذي يكون من بيئة اجتماعية وثقافية لا تناسب الشريك الآخر، ولو كان الارتباط نابعاً من حب، إلا أن الاختلاف يبقى سيّد الموقف".

وتلفت الى أنَّه من الضروري ان تدرك المرأة أن "العريس اللقطة غير موجود، فغالبية النساء يدخلن الحياة الزوجية بكثير من الأوهام، ثم يجدن أن اليوميات تعاكس الأحلام، وتأتي الحياة الجنسية أيضاً لتكمل على ما تبقى، إذ إن تراكم صور السعادة على شاشة التلفزيون يجعل من الحياة صورة مغايرة للواقع. فكل إنسان ينازع من الداخل لعدم وجود رضا حول العلاقة فتبدأ الخلافات، التي تكون قد أسست لها التربية الخاطئة. فالمرأة تربي ابنتها على فكرة أنَّ "الرجال كلهم متل بعض"، وعلى تربية الرجل "لازم تتزوج بنت مش بايس تمّها غير إمها"، ما يجعل المرأة حاقدة على الرجل وخائفة منه، ويجعل الرجل ساخراً بالمرأة وبوجودها ودورها. وتتحول رجولته إلى أن يصبح إما Macho (دونجوان) أو Homosexual (مثلي)".

وتضيف شليطا: "مع التقدم في العمر تتغير أولويات الشريكين، إلا أن بعضاً منهم يتغلّب على التجديد. فالزواج عَقدٌ لمدى الحياة، ونجاحه مرتبط بذهنية الشريكين المقبلين على الزواج ومعرفتهما بأن الزواج مشاركة بحاجة إلى أن تكون ناجحة عندما يعرف كل واحد ما يريده في الحياة".

جدار مودَّة

تحتاج العلاقة الزوجية من وقت الى آخر لشحن عاطفي يعيد لها نكهتها وطعمها، بعيداً من الاستسلام للروتين الزوجي، لأنه يعطي شعوراً بعدم الاهتمام والرتابة التي تهدد استقرار العلاقة على مر السنين. كما أن الحوار والتواصل بين الزوجين يساعدان في بناء جدار من المودة، يجعل الشريكين يشعران بالسعادة أكثر. وغالباً ما يشعر الزوجان بعدم ضرورة الكلام معتقدين أنهما ليسا في حاجة للحديث معاً لفهم بعضهما البعض، إلاّ أن التواصل يبقى أمراً ضرورياً كي يعبر كل منهما عن نفسه للآخر من دون لوم أو عنف. ولكي تتحسن العلاقة الزوجية أكثر، يجب أن يتناقش الشريكان حول المسائل العالقة، أو التخطيط لقضاء إجازة معا، أو اللجوء لاستشارة متخصص في العلاقات الزوجية. وأياً يكن الأمر لا يجب أن يقفا مكتوفي الأيدي.