الاستخبارات الأوروبية تستنفر: كل دقيقة بطء يستغلها الإرهابيون!

الاستخبارات الأوروبية تستنفر: كل دقيقة بطء يستغلها الإرهابيون!

أخبار عربية ودولية

السبت، ٣١ يناير ٢٠١٥

إذا صدقت النيات المعلنة، كان سيناريو أمس، كالتالي: أجهزة هواتف 28 رئيس استخبارات ترن على نحو مستعجل. المتصلون هم وزراء داخلية التكتل الأوروبي، بعدما عادوا للتو من اجتماع مكثف حول مراجعة استراتيجية مكافحة الإرهاب المشتركة.
كان الاجتماع غير الرسمي مفتوحاً للتشاور والعصف الذهني، استضافته على مدار يومين مدينة ريغا، وهي عاصمة لاتفيا التي تتولى الآن الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي. أما المطلوب من رؤساء أجهزة الاستخبارات فهو التخلي عن عقلية الشك وانعدام الثقة المستحكمين، والهدف هو السماح بضخ المعلومات حول «الجهاديين»، وكل ما يتصل بالتهديد الإرهابي، إلى وكالة الشرطة الأوروبية «يوروبول».
بدأت القضية مع الاستعجال الذي طرحته هجمات باريس، وقبل ذلك أوجه القصور التي كشفتها بعدما فشلت الأجهزة الفرنسية في إيقاف اعتداء كانت على معرفة بمنفذيه وبالهدف الذي تلقى تهديدات مسبقة. بناءً على ذلك، صمم المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دو كيرشوف، مقترحاً مفصلاً، الغاية منه إنشاء «المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب».
هذه الهيئة الجديدة يفترض أن تأتي لتتوج الاستنفار الأوروبي بالنسبة إلى التهديد الإرهابي، على أن يكون في صلب عملها تخزين وتحليل المعلومات المتصلة بـ «الجهاديين» الأوروبيين. لكن التحدي الرئيس هو «عدم وجود الثقة» اللازمة لضخ المعلومات الاستخبارية، من الدول الأوروبية إلى «يوروبول». كل ذلك طبعاً يغلفه تمسك تلك الأجهزة بعقلية لا تتساهل أبداً مع تشارك المعلومات، خصوصاً مع أجهزة من خارج بيئة الاستخبارات. القضية اختبار للثقة بالتعاون الأوروبي المشترك، فتعاون كهذا سيعني تقليصاً للصلاحيات، ووضعه سلطة القرار الحساس في يد جهاز فوق وطني.
نتيجة مداولات وزراء الداخلية حققت تقدماً في هذا الإطار، كما أكد منسق مكافحة الإرهاب الذي بدا مرتاحاً للأصداء التي تركها مقترحه. قال دو كيرشوف إن «هناك إجماعاً متزايداً أكثر من أي وقت مضى حول جعل يوروبول مركزاً لتبادل المعلومات، فهذه فكرة ممتازة». وبين أن ما تبقى الآن هو ترجمة العزيمة التي رآها إلى أفعال، لافتاً إلى أن «الوزراء عبّروا عن إرادة قوية»، قبل أن يضيف «هذا أمر لا يقرر جماعياً، بل يرجع إلى كل وزير حينما يعود إلى بلده كي يعطي التعليمات الضرورية للاستخبارات ولوكالات تطبيق القانون كي تفعل ذلك».
جرى كل هذا من دون أن يكشف أحد، لا منسق مكافحة الإرهاب ولا الوزراء، أن كل ذلك يتمحور حول إنشاء مركز مكافحة الإرهاب. فالحديث عن الهيئة الجديدة، وتفصيلات المقترح، لا يزال غير متاح للنشر، بل ورد في تقرير داخلي تسلمه الوزراء من منسق مكافحة الإرهاب، وكانت «السفير» قد اطلعت عليه ونشرت أبرز خلاصاته قبل أيام.
وزير الداخلية الألماني توماس دو مايزر كان من بين المتحمسين لذلك. قال متحدثاً عن التحديات الحالية إن «المشكلة أننا لا نعرف إلا قبل فترة وجيزة أن شخصاً ما هو إرهابي»، مشدداً على أنه «علينا إلقاء الضوء على الشبكات، وكذلك مسارات الاتصالات وهياكل التمويل».
المقترحات التي قدمها دو كيرشوف تعطي أيضا «يوروبول» دوراً أساسياً في جمع وتخزين المعلومات حول «الجهاديين»، خصوصاً أنه أنشأ قبل أشهر «نقطة اتصال» خاصة لذلك. أكثر التعليقات التي رددها المسؤولون الأوروبيون هي أن الحلول تكمن في استخدام «الأدوات الموجودة» إلى الحد الأقصى. كلامهم هذا له مناسبته طبعاً، إذ جاء بعدما قرأوا في التقرير الذي وصلهم كيف يستفظع منسق مكافحة الإرهاب التقصير الأوروبي. أخبرهم أن 2 في المئة فقط من السجلات التي أرسلتها العواصم الأوروبية إلى «يوروبول» متصلة بالإرهاب.
واقع التقصير أقرّ به وزراء دول أوروبية تقول إنها الأكثر تعرّضاً للتهديد الإرهابي. هذا ما اعترف به الوزير الفرنسي برنار كازنوف قائلاً: «كان تحركنا بطيئاً للغاية»، قبل أن يبين أن «التهديد قويّ، وكل دقيقة ضائعة هي فرصة يمكن أن يستغلها الإرهابيون للتحرك».
نظيره البلجيكي يان يامبون لا يمكنه أن يكون أقل اكتراثاً. عدد «الجهاديين» البلجيكيين يتجاوز 400 شخص، وهو ما يجعلها الدولة الأوروبية الأكثر عرضة للظاهرة نسبة لعدد سكانها، وفي شوارعها تنتشر فرق من الجيش لمساعدة الشرطة في حماية الأماكن الحساسة.
قال يانبون معلقاً على ما يحصل: «أعتقد أن علينا الإسراع»، لافتاً إلى أن «السؤال لم يعد حول إن كان هناك شيء ما سيحدث، بل متى وأين». تكثيف العمل المطلوب يحتاج برأيه إلى كلمة رددها كثيرون، وهي «الإرادة»، في إشارة مكررة الى الحاجة لقرارات سياسية حول عمل الاستخبارات.
كل هذا فرض حالة من الاستعجال لبلورة مقترحات دائرة مكافحة الإرهاب. تسريع ذلك يحتاجه أيضاً زعماء دول الاتحاد الأوروبي، فهم أعلنوا مسبقاً أن قمتهم بعد أسبوعين ستناقش الرد على التهديد الإرهابي. هنا سيكون الزعماء أمام تحدي تحويل صورة تكاتفهم في باريس، في تظاهرة التضامن مع فرنسا، إلى تلك المشاريع الجريئة التي يقترحها منسق مكافحة الإرهاب.
المدافعون عن فكرة إنشاء المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب لفتوا إلى تجربة الولايات المتحدة، التي أنشأت مركزاً شبيهاً عقب هجمات 11 أيلول. طمأنوا بأن موظفي الجهاز سيتم اختيارهم اختياراً «ملائماً»، من أجهزة الاستخبارات والشرطة في دول الاتحاد. هؤلاء سيقودون عمل شبكة أوروبية من نقاط مكافحة الإرهاب، مبتدئين بالعمل على حالات «أقل حساسية» بهدف بناء الثقة مع أجهزة الاستخبارات الأوروبية.
أحد المشاريع اللافتة التي يقترحها التقرير الداخلي الأوروبي أيضاً هو «إنشاء شبكة أوروبية لمكافحة الجرائم الالكترونية»، على أن تشمل «إنشاء منصة للمدعين العامين للإرهاب الإلكتروني».
الهدف من ذلك وضع حداً للجدل والثغرات التي ظهرت من ملاحقة «الجهاديين» قضائياً. فبرغم وجود نحو خمسة آلاف جهادي، الادعاء التقليدي لم يتمكن سوى من تحريك دعاوى ضد 700 شخص. المشكلة الجوهرية هي في انعدام الأدلة، وبالتالي الحاجة إلى إدخال مقاطع الفيديو، ومحتوى مواقع التواصل الاجتماعي، لتكون بمثابة «أدلة جنائية» تساق ضد المشتبه فيهم.
سبق للمعنيين أن لفتوا مراراً إلى واقع أن الحرب السورية هي «أول حرب يوتيوب»، وكذلك أول حرب «تويتر»، في إشارة إلى كثافة استخدام هذه الوسائل فيها.
وفي تأكيده هذه النقطة، قال دو كيرشوف إن «الأمر ليس كما في أفغانستان، حيث كانت لدينا قوات على الأرض»، قبل أن يضيف: «نحن لسنا حاضرين في سوريا، ولا نتعاون بالطبع مع (الرئيس السوري بشار) الأسد».