بين «انطباعات» داود أوغلو و«إحباط» أردوغان: حلب تنتظر!

بين «انطباعات» داود أوغلو و«إحباط» أردوغان: حلب تنتظر!

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٢ نوفمبر ٢٠١٤

أشاع رئيس الحكومة التركية احمد داود اوغلو «انطباعا» أن الإدارة الأميركية بصدد تغيير سياستها في سوريا، وباتت لا تقدّم ضرب تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش» على القضاء على الرئيس السوري بشار الأسد، بل إن السياسة الجديدة ستسير بالتوازي من أجل الهدفين معا.
وقال داود اوغلو إن انطباعه، بعد لقائه الرئيس الأميركي باراك اوباما على هامش قمة العشرين التي انعقدت في استراليا، هو ان واشنطن تريد رحيل الأسد. وقال «لا يوجد خلاف بين الدولتين على الموضوع السوري. لقد تحدثنا عن مسألة تدريب المعارضين والضغوط على حلب التي تؤثر في موقف الولايات المتحدة. ولا اختلاف في الرأي بضرورة رحيل الأسد مع داعش. فهو أيضا يريد رحيل الأسد».
وأضاف «هناك إشارات قوية حول تغيير راديكالي في موقف الولايات المتحدة، وواشنطن بدأت ترى أحقية موقف أنقرة، وهي تقترب من الموقف التركي. لكن تغيير السياسات يأخذ وقتا في الولايات المتحدة. لا يوجد خلاف على الثوابت، لكن هناك بعض التباينات لدى الدول والمخاطر في مواجهتها. وهناك الكثير مما يجب فعله على الصعيد التقني».
وقال داود اوغلو إن قضية مدينة عين العرب (كوباني) حجبت رؤية المشهد السوري الكبير. وأضاف «أوباما يريد إخراج داعش من العراق فقط، ورأينا انه يجب العمل على العراق وسوريا معا. لأنه إذا أخرجته من مكان يدخل إلى آخر».
غير أن ما اعتبره داود اوغلو بداية تغيير في الموقف الأميركي سرعان ما رد عليه أوباما شخصيا، خلال مؤتمره الصحافي في استراليا، عندما قال انه ليس هناك من تغيير في إستراتيجية أميركا المعتمدة في سوريا، وأن الأولوية هي لمحاربة «داعش».
وينسجم كلام أوباما مع ما كان وزير دفاعه تشاك هايغل قاله من قبل، من أن الأسد جزء من التوازنات، وان إسقاطه لن يغير من الديناميات القائمة حاليا.
مواقف أوباما وهايغل، ومن قبلهما رئيس الأركان الأميركي مارتن ديمبسي، لا يمكن وصفها إلا بأنها «تكذيب رسمي كبير» لما عكسه رئيس الحكومة التركية من «انطباعات» عن لقاء مباشر مع أوباما سمعه بأذنه مباشرة، وليس عبر تسريبات في وسائل إعلام.
وتعكس هذه التفسيرات أو الاجتهادات التي خرج بها داود اوغلو مدرسة في «التأويل»، اشتهر بها المسؤول التركي، وتذكر بما كان توقعه، بعد زيارة إلى موسكو وبكين، من تغيير في الموقف الروسي والصيني لغير صالح بقاء الأسد في السلطة في بداية العام 2012 ، في حين ازداد الموقفان الروسي والصيني في ما بعد صلابة في كل المحافل والميادين.
وتعكس هذه الانطباعات تمنيات في إحداث موقف أميركي من الوضع في سوريا، وتغطية على فشل أنقرة في إقناع الآخرين بطروحاتها تجاه مجمل مسائل الشرق الأوسط. ووصل هذا الفشل إلى ذروته مع «الصدام» الذي حصل على خط عين العرب بين الدبابة التركية التي حاصرت المدينة والطائرة الأميركية التي أنزلت أسلحة من الجو لمقاتلي «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، شقيق «حزب العمال الكردستاني»، الذي كان ولا يزال يحارب في المدينة عناصر «داعش».
ولم تنطل «الانطباعات» تلك على معظم الإعلام التركي. فأصلي آيدين طاشباش اعتبرت، في صحيفة «ميللييت»، أن تصديق كلام داود اوغلو ليس سوى وهم. وأضافت إن «واشنطن يمكن أن تطلق تصريحات ضد الأسد، لكن مشكلتها الأساسية هي مع داعش والقاعدة، ووضع داعش تحت السيطرة. لذلك كونوا متيقنين أن واشنطن لن تقوم بأي خطوة للإطاحة بالأسد».
أما جنكيز تشاندار فكتب، في «راديكال»، إن الولايات المتحدة بدأت مرحلة جديدة في المنطقة عنوانها التحالف والتعاون مع الأكراد و»هناك فارق كبير جدا بين الكذبة (يقصد كلام داود اوغلو) التي تقال وبين الحقيقة التي ترى بالعين المجردة وتلمس في كوباني».
وما قاله رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، قبل يومين، يعكس الفشل التركي في إقناع الولايات المتحدة بتغيير موقفها من مسألة عدم إعطاء أولوية في المرحلة المقبلة لإسقاط الرئيس الأسد. قال اردوغان إن «الأطراف لم تتخذ حتى الآن خطوات حاسمة في القضايا التالية: فرض منطقة حظر طيران، إقامة منطقة عازلة وتدريب وتجهيز مقاتلي الجيش الحر». وأعرب عن «شعوره بالإحباط من عدم استجابة واشنطن وحلفائها لهذه الشروط وهو ما يجعل تركيا تبقى خارج التحالف».
موقف أردوغان يكذّب أولا «انطباعات» داود اوغلو ويخفي، ثانيا، المطلب التركي الأساسي، وهو العمل على إسقاط الأسد، بل هو أعلن صراحة أن تغيير النظام في سوريا يجب أن يكون جزءا من محاربة «داعش». ويعكس ذلك الموقف، أخيرا، فشلا في السياسات التركية حتى مع أقرب حلفائها في حلف شمال الأطلسي.
وربما يدخل في هذا السياق انسحاب إحدى الأدوات، التي صنعتها تركيا في الأساس، أي «الجيش السوري الحر»، من منطقة حلب وفقا لما أكده مصدر عسكري تركي لصحيفتي «راديكال» و»حرييت»، وقدّر العدد بـ 15 ألفا، وعلى رأسهم القائد جمال معروف. والانسحاب جاء في سياق المخاوف التي تحدث عنها أردوغان وداود اوغلو من سقوط حلب بيد القوات السورية واحتمال تعرض عناصر «الجيش الحر» لتصفية تطال معظم عناصره، ففضل الحفاظ على وجودهم المادي من خلال الهرب إلى تركيا أو مناطق أخرى، مع تعذر أن يحاربوا مع «داعش» نظرا لما سيشكله ذلك من إحراج هائل لأردوغان.
ويعكس مثل هذا الانسحاب ارتباكا كاملا للسياسة التركية، وعدم قدرتها على ممارسة نفوذها وتأثيرها عبر أدواتها التقليدية، واللجوء إلى أدوات بديلة تتمثل في «داعش». وهو ما يفسر حصرا موقف اردوغان المعارض للانضمام إلى التحالف الدولي ضد «الدولة الإسلامية»، بمعزل عن مدى جدية الأطراف أو بعض الأطراف المشاركة فيه في محاربة الإرهاب. وهذا يطرح سؤالا إضافيا عن مدى رغبة أنقرة أو جديتها في فتح صفحة جديدة مع بغداد، بل حتى مع أربيل، عبر زيارة داود اوغلو إليهما، في ظل الموقف التركي الرافض لمحاربة «داعش» بل الداعم له على مختلف الأصعدة.