حقيقة "الخلاف" الأمريكي ـ التركي وما وراء الكواليس!!

حقيقة "الخلاف" الأمريكي ـ التركي وما وراء الكواليس!!

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٢٦ أكتوبر ٢٠١٤

في جوهر موضوع الأزمة السورية لا يوجد أي خلاف بين أمريكا وتركيا حول تدمير الدولة السورية، وإن كانت أمريكا تنظر إلى الحرب على داعش على إنها البوابة التي تدخل منها إلى المنطقة عسكرياً لإتمام تقسيم العراق وسورية، فإن أنقرة لا تمانع ذلك بالمرة، شرط أن تكون الدولة الكردية محدودة وأن يكون لمقاتلي التنظيمات المسلحة الذين تدعمهم أنقرة بالشراكة مع الدول الخليجية هم البديل عن داعش، فضلاً عن ضمان إستمرارية تدفق النفط المنهوب من سورية والعراق عبر ميناء جيهان التركي في خطوة تدر المليارات من الدولارات على الخزينة التركية، وفي إطار سعي الولايات المتحدة الأمريكية للتخلص من الرئيس التركي أردوغان، بعدما أصبح "كارتاً محروقاً" إستنفذته في تحقيق مصالحها بالمنطقة، بدأت إدارة اوباما تضيق ذرعاً بتركيا في موضوع الحرب على تنظيم " داعش" خاصة بعد المعارك في مدينة عين العرب السورية بين داعش ومقاتلي حزب الإتحاد الديمقراطي السوري الذي يعتبر الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، ولم تتأنى  واشنطن في معاقبة تركيا عندما فشلت أنقرة في الحصول على مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي ولم تحصل سوى على ستين صوتاً من أصل 193  في إهانة كبيرة للدبلوماسية التركية، إذ كانت الأصابع الأمريكية واضحة المعالم فيها، ولم تكتف إدارة أوباما بهذه الرسالة المهينة لتركيا بل إنها خطت مرحلة أكبر بإنزال السلاح والمواد الطبية عبر طائراتها لمقاتلي حزب الإتحاد الديمقراطي السوري الذي يدافع عن مدينة عين العرب، وإنطلاقاً من ذلك فجّرت هذه المدينة  الغالية على قلوب السوريين ما في جيبها من حقد على من يتآمر عليها، وباتت ترمي ببذور الخلافات بين الحلفاء "واشنطن وأنقرة" الذين يوجهون المعركة وفقاً لمصالح كلاً منهم ويوجهون بوصلتهم على أساسها، ولا شكّ بأن مراقب الأحداث يلاحظ الإشتباك الأمريكي– التركي الواضح في كوباني الذي لم يرتقي بعد إلى مستوى الإشتباك العسكري ولكن ملامحه الميدانية بدأت تظهر في هذه  المدينة، فالمنطقة العازلة التي حلمت أنقرة بإقامتها في الشمال السوري فجّرت الخلاف بين حليف أنقرة الأول، واشنطن التي تتجه ببوصلة مصالحها بمنحىٍ معاكس لإتجاه تركيا التي همها الوحيد إقصاء الطرف الكردي عن حدودها، وبالمقابل فإن للإدارة الأمريكية مطامع في الوجود الكردي في سورية، لكن أنقرة ترى عكس ذلك فوجود وحدات الحماية الشعبية المنتشرة في مناطق الشمال الشرقي والغربي السوري، يعد خطراً حقيقاً  ومحدقاً من أشخاص مسلحون معتنقون لفكر العمال الكردستاني الإستقلالي الذي يرى بأحفاد أتترك أعداء حقيقيين لهم، بمعنى أخر إن الرئيس الأمريكي بقيامه بتسليح أكراد كوباني يظهر بأنه غير مهتم بالتصريح التركي عن إرهاب حزب الإتحاد الديمقراطي، وغير مهتم بالشرط التركي بالربط بين الحرب على داعش وإسقاط الرئيس السوري،  بالإضافة الى رفضه  للخطة التركية بإقامة منطقة عازلة  ومنطقة حظر جوي في سورية، بل تعاملت واشنطن مع الفكرتين بعدم إكثراث ولامبالاة، ومن الواضح ان سياسة أمريكا حالياً تنصب على حرب داعش أكثر منها على الدخول في عمليات حربية وإستراتيجية  كبيرة وواسعة على غرار ما يريد أردوغان، وفي هذا السياق إتهمت الولايات المتحدة، تركيا بشراء النفط من تنظيم "داعش"، وأن التنظيم حصل على ثروات بوتيرة غير مسبوقة، بعد يوم واحد من تهديدها بفرض عقوبات ضد من يشتري النفط من داعش ، ومن هنا فإن داعش يبيع النفط بأسعار منخفضة جداً للحكومة التركية التي تعيد بيعه إلى الأكراد الذين يعيدون بيعه في تركيا.
كما تحاول تركيا بشتى الطرق والوسائل، المحافظة على قوة "داعش" من جهة والقوى المناوئة له من جهة أخرى حتى يصل التحالف إلى الإقتناع بلزوم التدخل البري ضد داعش في المرحلة الأولى، والنظام السوري في المرحلة الثانية، وبالتالي يتحجم دور الأكراد في سورية الذين يشكلون عمقاً لوجيستياً لأكراد تركيا، كما ينطلق الموقف التركي من مسلمة ضمنية، هي أن هزيمة داعش - دون إعداد بديل على الأرض يمكن الإطمئنان إليه- ستخلق فراغاً سياسياً وأمنياً يقود إلى أحد أمرين أحلاهما مر،إما أن تملأ قواتُ الأسد الفراغ وتتمدد شمالاً إلى الحدود التركية، وهذا سيجعل تركيا في موقف صعب، فوصول قوات الأسد إلى حدودها الجنوبية سيكون هزيمة عسكرية لداعش التي راهنت عليها تركيا لإسقاط النظام السوري، والأمر الثاني هو أن داعش إذا إنهزمت فستحل محلها قوات حزب الإتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري، الذي يسعى إلى إنشاء منطقة حكم ذاتي كردية في شمال سورية، على غرار إقليم كردستان العراق.
من أجل منع حصول ذلك وتحقيق مصالحها وأهدافها بدأت تركيا ترخي بظلالها على معادلة التوافقات في المنطقة، فقد حاولت أنقرة عدم المضي بعيداً في إغضاب واشنطن، حيث سمحت لعدة مئات من مقاتلي البشمركة الأكراد التابعين لمسعود برزاني حليفها الأول بين الأكراد بالدخول الى عين العرب، وفي عملها هذا تعتقد أنقرة انها تصيب عصفورين بحجر واحد فهي تحاول إسترضاء أمريكا بالإشارة إنها تتعاون في حرب داعش وتقوم بإدخال مقاتلين أكراد تابعين لحليفها ما يجعل لها عيوناً وآذاناً في عين العرب، وينزع عن حزب العمال الكردستاني صفة الصامد الوحيد في المدينة، وبالتالي فإن تقدم داعش  في بعض جوانبه يظهر ضاغطاً على الأكراد والأتراك وأمريكا غير أن خلافات الاطراف الثلاثة  تؤخر عملية الحسم ضد التنظيم.
 وأخيراً يمكنني القول إن الخلافات  التركية  - الأمريكية مرشحة  الى  التصعيد  في   ظل  تقدم  داعش على  مختلف جبهات  القتال  وإمتناع  أردوغان عن  التدخل، ورغبة  واشنطن وحلفائها بإضعافه ثم  وإستئصاله وما  يمكن التنبؤ به خلال  أيام  عن مسار  الأزمة  بين  الدولتين قد لا يكون واقعاً  لأن الخلافات  قد  تفضي الى ما هو أسوأ، فالمصالح متضاربة  والمشكلة  تتفاقم, والعنف يتسع, وتنظيم داعش وحده المستفيد من ذلك،  بإختصار شديد إن الإتجاه آخذ بتوسّع الإشتباك بين أنقرة وواشنطن مسرحه عين العرب التي باتت الخريطة الميدانية لتقاسم المصالح بين الدول.