المارد الكردي يخرج من قمقمه التركي

المارد الكردي يخرج من قمقمه التركي

أخبار عربية ودولية

الأحد، ١٢ أكتوبر ٢٠١٤

يبدو رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في وضع لا يُحسد عليه، وقد استهل تجربته الاولى في رئاسة الوزراء باختبار شائك غير مسبوق. ولا يبدو أن الرجل ينجح في عالم السياسة أفضل من نجاحاته الديبلوماسية سابقاً. فالمارد الكردي خرج من قمقمه مجدداً وظهرت شكوك جدية في أن عبدالله أوجلان، الذي يفترض أن بيده مصباح المارد، لم يعد قادراً على لجمه أو التحكم فيه، خصوصاً بعد تجاهل المتظاهرين الاكراد والجناح العسكري لـ "حزب العمال الكردستاني" دعوات أوجلان الى التهدئة وعدم النزول الى الشارع وإفساح المجال للحوار بين قياداتهم السياسية والحكومة.
وكان أكثر من 31 متظاهراً سقطوا في اشتباكات شعبية بين الاكراد المحتجين على موقف أنقرة الرافض دعم أكراد عين العرب (كوباني) وبين حزب الحرية الكردي الإسلامي المعروف سابقاً بـ "حزب الله" الكردي الذي فاجأ الجميع باستعادة قوته على الأرض بدعم من الحكومة هذه المرة، ليتحول الصراع كردياً - كردياً في تركيا، لا سيما أن حزب العمال الكردستاني أيضاً بات قوياً تنظيمياً بعد الإفراج عن نحو ألفين من عناصره المدنية في اطار الحل السلمي الذي بدأته الحكومة مع أوجلان قبل عام ونصف العام.
بدا المشهد مروّعاً أمام داود أوغلو خلال القمة الأمنية التي ترأسها في مكتبه وهو يسمع لوم بعض القيادات الأمنية والعسكرية بسبب الافراج عن عناصر "الكردستاني" قبل التوصل الى الحل النهائي.
وبدا أن هذه العناصر استفادت من ذلك في تأجيج الاحتجاجات وتحويلها الى دامية مع حرق المحلات والمنشآت، بل وقتل ضباط شرطة في محافظة بنغول.
ووجد داود أوغلو نفسه مضطراً لفرض حظر التجوال في خمس مدن ذات غالبية كردية والى إنزال الجيش الى دياربكر على رغم رفضه الفكرة في البداية، لكنه ما لبث أن اضطر أيضاً الى سحب قراره بعد يومين ثبت خلالهما فشل هذا التدبير إلا في صب الزيت على النار التي لم تهدأ منذ خمسة أيام.
ومع تزايد احتمالات سقوط كوباني بيد "داعش"، يبقى القلق سيد الموقف من الأسوأ داخل تركيا مع وصول معلومات استخباراتية للحكومة عن مخطط للحزب الكردستاني برفع وتيرة التظاهر والتخريب، ومعلومات أخرى تتحدث عن عودة مسلحي الحزب الى داخل تركيا بعد عام ونصف العام على وقف اطلاق النار وانسحاب الجزء الأكبر منهم الى الخارج.
وبينما كان داود أوغلو يسعى الى مد جسور الحوار مع القيادات الكردية، فوجئ بجولات الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي انتهز الازمة، ليثبت أنه لن يكون رئيساً محايداً وسيكون هو والحكومة والحزب الحاكم طرفاً سياسياً واحداً موحداً، ليزور المدن القريبة من خط التوتر والتماس ويلقي خطبه النارية المعهودة التي تزيد من غضب الاكراد.
فكما سمّى أردوغان متظاهري حديقة غيزي قبل عامين بالرعاع، وصف أخيراً المتظاهرين الاكراد باللصوص والمخربين، قائلاً: "ان سياسة تركيا الخارجية لا يمكن ان يرسمها لصوص ومشاغبون". والأخطر ان حديث أردوغان وسّع دائرة الاستقطاب لتتجاوز الاكراد الى الاتراك بين من هو مع الحكومة ويعتبر أن "داعش" لقن الاكراد في سورية درساً يستحقونه، وبين من هو ضد الحكومة ومتهماً إياها بدعم "داعش" والإرهاب.
وتتكاثر صور المؤيدين لـ "الدولة الاسلامية" في تركيا بين طلاب الجامعة وتظاهرات في إسطنبول، بل وحتى بين رجال الشرطة الذين صرخ أحدهم وهو ينهال ضرباً على المتظاهرين الاكراد "تحيا داعش". ويدرك داود أوغلو اليوم أن السياسة عامل آخر غير الديبلوماسية وأن السياسة لا يمكن تعلمها في الكتب والجامعات انما بالاختبارات العملية على الأرض، فيما استاذه في السياسة وزعيمه السابق لا يساعده كثيراً لالتقاط أنفاسه أو تجربة أسلوبه الخاص في حل المشاكل، انما يزيد من صعوبة اختباراته ومسؤولياته.