توافق إيراني – أمريكي وتفويض سوري لقتال داعش

توافق إيراني – أمريكي وتفويض سوري لقتال داعش

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٢٠ أغسطس ٢٠١٤

تتجه المنطقة إلى شبه حلف يجمع أعداء السياسة و الإستراتيجية، أصدقاء المصالح، شركاء الخطر في المنطقة مرده وأحد أسبابه الرئيسية تقدم تنظيم “داعش” في الميدان.
حسنة واحدة يمكن تسجيلها للتنظيم الإرهابي، هو أنه جمع الأضاد والخصوم تحت مبدأ وهدف محاربته. إستطاع التنظيم في أشهر قليلة أن يرمي بثقله على طاولة الدول الكبرى، ليصبح جزءاً من تسوية لا بل تسويات وتفاهمات مفترضة لا دور له فيها سوى “المصالحة على حثته” التي يسعى الجميع لايقاعها ارضاً، هو الذي كان فتاً مدللاً غربياً، خرجياً من المعتقلات الامريكية، أضحى عدواً لدوداً.
خطر “داعش” في العراق أجبر الأمريكي البعيد أميالاً، على الإندفاع من خلف البحر لحماية مصالحه في كردستان. لم يطلب تفويضاً دولياً هذه المرة كون الجميع منشغلون بإيجاد حلول للمدّ “الداعشي”. وحده الأمريكي إندفع عسكرياً بشكل مباشر، تاركاً ساحات الدبلوماسية من خلفه محاولاً صد هجوم “داعش” عن أربيل، التي يرى فيها ما يراه من مصالح، نفطية، إستراتيجية، إستخباراتية، وسياسية، هي تعتبر “قاعدة التجسس الأكبر أمريكياً في المنطقة”، هكذا يقال.
الإندفاع الأمريكي لقتال “داعش” لاقاه من الجهة الأخرى، إندفاعاً إيرانياً عُبّر عنه من خلال الميدان الذي غرف من نبع فتاوى المرجعية للجهاد، فأضحى “الإيراني” مصدراً أساسياً للتمويل العسكري للفصائل المجاهدة المتنوعة التي قررت قتال “داعش”. المتطوعون بالالاف وزعوا على قطع عسكرية خارج الجيش أسست على شكل تنظيمات لكلٍ منها أسم باتت حليفة للجيش نفسه، وباتوا سياسياً، ورقة إيرانية رابحة ضمن طاولة توزيع القوة والمكاسب بين الدول المقاتلة لـ “داعش”.
الإندفاعة الايرانية لم تكن عسكرية فقط، واكبتها أخرى سياسية، هذا ما يمكن ان ترصده وتحلّله من خلال صفقة الإطاحة بالمالكي سلمياً، الذي عاندها ومن ثم عاد عن عناده مقدماً ورقة إعتماده لاستمرار المشروع، فالقادم أصعب، لا يحتاج للشخصنة. تقول مصادر سياسية مطلعة على الوضع الإقليمي من بيروت لـ “الحدث نيوز”، انّ “الإنقلاب الابيض الذي أطاح بالمالكي من داخل حزبه اتى ضمن صفقة أيرانية – أمريكية في العراق عبر عنها من خلال تسوية تعتمد على إزاحة المالكي المرفوض سنياً وشيعياً، وإيجاد بديل من نفس الفكر السياسي لجمع القوى السياسية حوله والإندفاع لمواجهة “داعش” من خلفية سياسية آمنة”.
المالكي الذي تعنّت أولاً، روّض إيرانياً بعد بيان الترحيب الصادر عن أعلى سلطة في البلاد، كما أنه رأى الإنطباع العسكري المعارض له والقريب من المرجعية والكتل في البلاد، فرأى وحلّل ما يحري وصردت رداراته التفاهم الأمريكي – الإيراني، وإقتنع انّ لا مصلحة له في التعنت لانه سيخسر كثيراً، فعاد لعقله واضعاً نفسه في خدمة البلاد.
التسوية، كما يقول المصدر، هي نتاج “امريكي – إيراني ليس مقتصراً على العراق فقط، بل سينسحب على المنطقة ككل. بنود الصفقة السياسية تمت بعد موافقة طهران على وصول الرئيس العراقي الجديد فؤاد معصوم، الكردي المقرب من الولايات المتحدة بحكم قربه من “طالباني”، والمقبول إيرانياً، يأتي بعده رئيس حكومة جديد غير المالكي الذي بات مرفوض أمريكياً، حيث تمّ تعويم القيادي في حزب الدعوة حيدر عبادي المقرب من إيران، والمقبول أمريكياً، وعليه، تم تشكيل الواجهة السياسية التي إرتضت بها كل الكتل السياسية في العراق”.
التفاهم هذا الذي مهد للاطار العسكري يمكن تأكيده عبر المشاركة الامريكية في قصف قوات “داعش” المتقدمة نحو أربيل، بل تخطتها حتى “الموصل”. هنا تكاد لا تجد معارضة إيرانية لما يحصل، بل أن آخر تصريح صدر عن قيادي إيراني عبر عنه الامين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام في ايران الدكتور “محسن رضائي” عبر قناة المنار حين قال ان “المشاركة العسكرية الامريكية جواً في العراق، تقررها الدوائر السياسية العراقية المخولة تقدير المصلحة من ذلك”. جواب دبلوماسي واضح يظهر بين طياته رضى إيراني عن ما يجري لما فيه من مصلحة إستراتيجية لطهران المتأكدة من انّ التدخل الامريكي سيقتصر على الجانب الجوي دون البري، وهي المدركة للمشاكل الامريكية في هذا الشأن، على الرغم من تلميح القيادي الايراني المستمر بان “داعش” و “امريكا” “عدوان وهما باطل يضربان بعضهما”.
على المقلب الاخر نجد إنعكاساً لحالة التسوية الأيرانية – الأمريكية على جثة “داعش” في المنطقة. ينسحب ذلك على الحال العسكرية في لبنان كما سوريا. لبنانياً سارع الملك السعودي قبيل الوصول للتفاهم إلى دعم الجيش اللبناني بمليار دولار، الهدف منها التسليح. تطبيقها اتى بمسار مغاير للثلاثة مليارات الاولى، هذه كان تطبيقها فورياً على وقع معارك الجيش اللبناني في عرسال، توازياً مع طلب تسريع دعم الجيش اللبناني بالسلاح ضمن الهبة الماضية من فرنسا. الولايات المتحدة لم تجلس تتفرج، فعبر سفيرها في بيروت عن نوايا بلاده تزويد الجيش بأسلحة في اسرع وقت ممكن لكي يتمكن من مواجهة الاخطار. إندفاعت الامريكي لدعم الجيش لها حسابات، هو يدرك ان الجيش اللبناني بات موجوداً في قلب المعركة، وبات ضمن المعادلة المتضمنة حلفاً إقليمياً لمواجه لـ “داعش”.
توازياً مع ذلك، يُعتبر الميدان السوري اساساً في قتال “داعش”. إنعكس التفاهم الايراني – الامريكي سورياً عبر تفويض الجيش السوري توسيع معاركه ضد “داعش”. هذا ما تم، بتنا نرى تعزيزاً لضربات الجيش ضد “داعش” في المنطقة الشرقية. هنا، “سيغض الامريكي الطرف في حال إستخدم الجيش السوري “الكيميائي” الذي بات لا يملكه”، يصرّح المصدر من بيروت، ويتابع: “الاخطار تبيح المحظورات في حروب الكبار”.
يعتبر المصدر انّ “التفاهم الايراني – الامريكي إنعكس تفويضاً بتوسيع معارك الجيش السوري ضد داعش. هذا ما إلتمس في اليومين الماضيين من خلال عمليات القصف الجوي الكثيفة جداً التي وجهها الجيش للتنظيم، تزامناً مع الضربات الامريكية”. ويكشف المصدر انّ “الجيش السوري قرر في اليومين الماضيين تعيين ضابط جديد برتبة لواء كنائب لقائد الفرقة الـ 17 يدعى “محمد الخضور” في الرقة. الفرقة هذه كانت قد شهدت على إرهاب داعش، وسط معلومات حول حشودات عسكرية لقوات الجيش السوري في مناطق قريبة من الرقة يقودها الضابط المعين حديثاً تحت إسم الفرقة الـ 17 للتقدم نحو الرقة”.
يرى المصدر انّ تعيين الضابط المذكور وتكثيف الغارات على اوكار “داعش” في الرقة وأرياف دير الزور، كما علو أصوات القصف الامريكي الجوي على التنظيم عراقياً والدعم العسكري الايراني الواضح للمتطوعين الشيعة لقتال التنظيم كما المتطوعون المسيحيون في أربيل، يدل على نية شاملة من الاطراف المذكورة لقتال “الدولة الاسلامية” وسط حلف غير معلن بينهما مبني على مصالح إستراتيجية وتفاهمات سياسية لحماية المكتسبات وإبعاد الخطر المشترك.
إن ما يجري حالياً في كلاً من العراق وسوريا وما يجري في لبنان نسبياً، هو إنعكاس لتفاهمات ذات بعد إستراتيجي – إقليمي ستنعكس على المنطقة في الحرب ضد “داعش”، وهي تعتبر تفويضاً دولياً لجيوش المنطقة لمقاتلة التنظيم تحت دعم أمريكي مباشر، وعبر مجلس الامن الذي مهد لهذا التدخل عبر إتخاذه قراراً تحت الفصل السابع في الايام الماضية ضد “داعش” و “النصرة”، اي ان المنطقة متجهة لحرب شاملة متعددة الاقطاب ضد “فرقة البغدادي”.