الإمارات الإسلامية .. خطوات سريعة نحو الشرق الأوسط الجديد

الإمارات الإسلامية .. خطوات سريعة نحو الشرق الأوسط الجديد

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١ أغسطس ٢٠١٤

يقول بعض التاريخ أن مصطلح الشرق الأوسط  ظهر أول مرة  على لسان زعيم الحركة الصهيونية تيودر هيرتزل، أول من روّج للمصطلح في المؤتمر اليهودي الأول الذي عُقد في مدينة بازل السويسرية في عام 1897.
في حين أن مصادر أخرى تشير إلى أن ضابط البحرية البريطاني  ألفريد ماهان هو أول من كتب عنه فى تقرير نشره فى الأول من سبتمبر عام 1902 ثم استخدمه من بعده مراسل صحيفة «التايمز» البريطانية فالنتاين شيرول في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 1902 ثم في سلسلة مقالات تحت عنوان "المسألة الشرق أوسطية" فى عام 1903.
بعد ذلك أصدر وزير المستعمرات البريطاني كامبل بنرمان تقريراً في العام 1907 أطلق فيه المصطلح على المنطقة العربية التي تتميز بوحدة اللغة والثقافة والدين والتاريخ والتراث.
و يشير تاريخ ما بعد الحرب العالمية الأولى إلى أن  الأمريكيين استخدموا هذا المصطلح بعد الحرب العالمية الثانية حينما ورثوا مواقع أقدام الإمبراطورية البريطانية.
وبعد النكبة العربية التي كانت خيانة الحكومات العربية أهم أسباب خسارة جيش الإنقاذ بقيادة السوري فوزي القوقجي للحرب مع العصابات الصهيونية، و من معها ما أسفر عن تشكل الكيان الإسرائيلي في العام 1948 بعد اغتصاب أرض فلسطين، اعتبر بن جوريون أن "إسرائيل" تقع في محيط من العرب السنة، فركزت إسرائيل على مفهوم الشرق الأوسط، للتدليل الحضاري على أن المنطقة ليست ذات أغلبية عربية، وإنما هي أقليات دينية وعرقية، ولذلك اهتمت وسائل الإعلام الإسرائيلية والدوائر الحكومية فيها بالترويج لمفهوم الشرق الأوسط وقضية الشرق الأوسط لتمييع القضية الفلسطينية والشخصية الإقليمية العربية.
 بعد ذلك، تطور المصطلح حتى عرفته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في العام 1989 بأنه المنطقة الواقعة من ليبيا غرباً وحتى إيران شرقاً ومن سوريا شمالاً إلى اليمن جنوباً.
 بعدها ظهر مصطلح الشرق الأوسط الجديد و ذلك بعدما وقعت إسرائيل معاهدات للتسوية مع بعض الأنظمة العربية  وإصدار الرئيس الإسرائيلي آنذاك شيمون بيريز كتاباً حمل عنوان "الشرق الأوسط الجديد" وذلك في العام 1990، وضع فيه جملة تخيلاته للشكل الجديد للشرق الأوسط الذي افترض أن تقوده إسرائيل باعتبارها -على حد زعمه- أقدم الديمقراطيات في المنطقة.
ليكون الصهيوني بيريز مهندس نظرية معقدة للمنطقة الأكثر إرباكاً في حسابات السياسية العالمية، و ليبدأ عهد جديد من مراحل الصراع للسيطرة على المنطقة رقم واحد في معادلة القوة في العالم أجمع.
و بهذا تحوّل إدراك المخابرات العالمية لقوة اللعب بـمفهوم "التبعية الدينية" عند العرب و خاصة المسلمين منهم، و الذين قبلوا بوجود الاحتلال العثماني لأنه جاء باسم إعادة الدولة الإسلامية إلى سابق عهدها، و بأن العثمانين سلاطين برتبة خلفاء للمسلمين.
و لـ نتفق هنا على أن الوجود الأمريكي في المنطقة العربية جاء نتيجة اشتغال الإدارة و المخابرات الأمريكية على شعبوية الدين الإسلامي، ومن ثم على خلق الأعداء الدينيين للمسلمين وعلى رأسهم الشيوعية، فكان تنظيم القاعدة، ومن بعدها تيارات إسلامية متشددة، و أساس هذه الفكرة يبدء من محمد بن عبد الوهاب الذي وظفته وزارة المستعمرات البريطانية ليكون اليد القوية لضرب السلطة الدينية للعثمانين.. بالمحصلة لا شيء يتغير على ما يبدو سوى تحول الطريقة التنفيذية لهذه الفكرة.
و هنا لـ نتفق أيضاً  بأن توافق ظهور الإمارات الإسلامية في العالم العربي على يد تنظيم القاعدة بفروعه المتعددة مع خارطة الشرق الأوسط الجديد ليس من قبيل الصدفة.
و لـ نتفق على أن مشروع إنشاء هذا الشرق الأوسط لا يأتي دون أن يكون ثمة مصلحة كبرى لمخططي المشروع.
و بالتالي فإن تحويل الإخوان المسلمين إلى قوة حاضرة في الواقع السياسي للمنطقة كان لابد منه، و كذا كان دور نجم الدين أربكان رئيس حكومة تركيا الأسبق، وزعيم حزب الرفاه الإسلامي المحلول في تركيا، والذي خرج منه تلامذة أربكان من قبيل أردوغان و أغلو ليتمموا الحلم لزعيمهم الروحي.
حيث كان لـ أربكان حلم يقوم على إنشاء قوة من الدول الإسلامية الكبرى تواجه قوة الدول الغربية السبع الكبرى وأطلق أربكان على منظومته مصطلح D8، وحينما تولى رئاسة الحكومة بالفعل في العام 1997 سعى لتحقيق هذا الحلم الذي وضعه في كتاب كبير باللغة الإنجليزية، إذ دعا أربكان كلاً من مصر وإيران وباكستان والسعودية ونيجيريا وإندونيسيا وماليزيا، علاوة على تركيا، لتشكل القوة الإسلامية للدول الثماني الكبرى، لكن ارتباط معظم هذه الدول بالسياسة الخارجية الأمريكية آنذاك جعلها تعرقل المشروع والفكرة ولم يعقد سوى اجتماعين، لينتهي زمن أربكان السياسي بوقوع الانقلاب الذي أطاح بحكم وحظر حزب الرفاه الإسلامي،  لتبقى فكرة الدول الإسلامية الثماني الكبرى حلماً بين دفتي الكتاب الذي وضعه أربكان مع الخبراء الاقتصاديين من حزبه آنذاك.
وإن كان مشروع الشرق الأوسط الجديد قد انطلق بصورته الحالية على يد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في العام 2004 مرة أخرى لـ يكون الحجر الذي يستند عليها صراع المحاور في عملية إعادة اقتسام السيطرة على موارد و طرق نقل الطاقة الذي بدأه الأمريكيون من أفغانستان واحتلال العراق، معيداً السيرة الأولى لأول عقدين في القرن العشرين والذين أفرزا وعد بلفور وما تلاه لاحقاً من نشوء الكيان الإسرائيلي.
إن الحاجة لخلق طبيعية إسرائيل في المنطقة كجزء من مجموعة دول مبنية على أساس قومي يستند إلى التمييز العنصري على أساس الدين أو العرق، يجعل من إنشاء الإمارات الإسلامية من قبل ميليشيات القاعدة في كل من سوريا و العراق و ليبيا أمرا ملحا لتحقيق هذا الغرض، وهنا تحضر الدعوات الإنفصالية في إقليم شمال العراق "كردستان"، و بصيغة أخرى تقرأ دعوات الحراك الجنوبي في اليمن الداعية إلى إعادة البلاد إلى واقع ما قبل الوحدة، وعلى ذات الأساس قسم السودان إلى شمالي فيه نزاع بين القبائل في مناطقه الغربية و الحكومة و تطالب بالإنفصال، و سودان آخر جنوبي فيه صراع بين قبيلتي الرئيس و نائبه، وكل منهما تريد الدولة لها أو دولة لها.
فـ مع انطلاق ما يعرف اليوم بـ الربيع العربي من تونس، تحركت المخابرات الأمريكية و الإسرائيلية لتحويل هذه الريح وفق ما تشتهيه سفنها، وعملت على تفعيل وجود الإخوان المسلمين في الساحات العربية ، فمن تونس التي بدأت الثورة فيها على أسس صحيحة لـ يسرقها الإخوان المسلمين، وذات الأمر حدث في مصر ليصبح الإخواني محمد مرسي رئيساً لها.
هذا ما جعل تطور الأحداث يصبح أكثر سرعة مع إشعال سوريا، و جرّها إلى معركة طويلة مع التنظيمات القاعدة التي ظهرت أول الأمر تحت مسمى "الثوار" لكن تسميات الميليشيات المتسندة إلى الذاكرة المسلمة، لم يستر عورة المخابرات الأمريكية و أدواتها الداعمة للإرهاب، فكان الإنتقال إلى صورة القاعدة المباشرة سريعاً، ومن خلال جبهة النصرة أعلن التنظيم عن وجوده، ومن بعدها بدأت صورة مشروع الإمارات الإسلامية تأخذ صورتها الجلية في رغبة الطرف الآخر من العالم بتقسيم المنطقة على أساس مذهبية وعرقية.
و لا ينسى هنا أن يكون لهذا المشروع دعمه السياسي، واللوجستي من دول مجاورة هي بالأساس مرتبطة بـ أمريكا بطبيعة أن حكوماتها من الإخوان أو يميل ميلهم، ولهولاء أحلامهم أيضاً التي يريدون أن يحققوها، فـ لحزب العدالة و التمنية الراغب بالبقاء متحكما ً بالسلطة في تركيا رأيه، أو لنقل بشكل أدق أطماعه التي وعد بها من قبل الأميريكيين في حال لعب دوره بشكل صحيح، وعلى هذا الأساس يمكن قراءة ما قاله أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركي عن ولادة «"شرق أوسط جديد" بملامح تركية مصرية هذه المرة، وكان من المقرر أن يضم دول الربيع العربي وحتى المغرب وكذلك دول الخليج العربي، وهو شرق أوسط يكون بأغلبته من الدول المحكومة من قبل الإخوان المسلمين وفق ما يفهم من كلامه، فمصر حين حديثه هذا أي في تشرين الأول /أكتوبر من العام 2012، كانت برئاسة محمد مرسي.
بهذا التمهيد غير المحسوس من قبل البعض، كان العمل جارٍ لتقوم القاعدة بمهمة جديدة كلفت بها من قبل الأمريكيين، فبعد محاربة الإتحاد السوفيتي في أفغانستان، و إيجاد المبرر لبدء ما أسماه جورج بوش "الحرب على الإرهاب" والتي أوصلت المارينز الأمريكي إلى بغداد، يجيء دور القاعدة في تقسيم المنطقة العربية، و على هذا نجد أن  مشروع الإمارات الإسلامية قد وصل مرحلة الأوج، فبعد مشروع فاشل في حلب السورية، حضرت الرقة بكيان يتبع لـ داعش لكن لم يعلن كـ إمارة، حتى ظهور مصطلح "دولة الخلافة" التي أطلقها أبو بكر البغدادي منهياً زمن ما أسماها الدولة الإسلامية في العراق و الشام، ليكون حلمه التوسعي أكبر من الدولتين الجارتين"سوريا و العراق"، وهي دعوة لم تلق قبول جماعة جبهة النصرة، فلزعيمها أبو محمد الجولاني أحلامه السلطوية أيضاً، و المستغرب في صراع كل من داعش و النصرة أن زعيم تنظيم القاعدة "أيمن الظواهري"، لم يستطع السيطرة على هذا الصراع، و إنهائه.
مشروع الإمارات الإسلامية الذي أمتد إلى ليبيا، ليعلن محمد الزهاوي و الذي يشغل منصب "أمير تنظيم أنصار الشريعة" في ليبيا أن بنغازي إمارة إسلامية محققاً بذلك الخطوة الأولى باتجاه مشروع تقسيم ليبيا التي قسمّها الأمريكيون في مشروع الشرق الأوسط الجديد إلى ثلاث دول هي طرابلس في الغرب، وبرقة في الشرق و فزان في الجنوب الغربي.
و في هذا السياق يمكن أن تقرأ محاولة إفراغ المنطقة من المكون المسيحي، والهدف من ذلك عدم الصدام مع المرجعية الدينية المسيحية الممثلة بـ بابا الفاتيكان، بكون المسيحية خارج هذا المشروع و على أساس ذلك فإن جرّهم إلى أوروبا من خلال الترهيب على يد داعش و أخواتها، ومن ثم صهرهم في المجتمع الأوروبي يذوّب حقّهم في الوجود على أرض المسيحية الأولى، فحقوقهم هذه تصطدم مع مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يضمن طبيعية إسرائيل في المنطقة من جهة كما يضمن أن تبقى مصادر الطاقة وطرق نقلها، تحت سلطة القوى الغربية و على رأسها أمريكا، ما يضمن أيضاً أن تبقى قوة السياسة العالمية في يد قطب واحد، و يضمن تمويل الحروب الأمريكية من خارج الخزينة الأمريكية.
وفي المحصلة لا يمكن الفصل بين الإدارة الأمريكية و إسرائيل من جهة، وتنظيم القاعدة و من يتبعه من ميليشيات منتشرة في العالم، فـ القاعدة البسيطة في علم التحقيق الجنائي تقول فتش عن المستفيد، و هذا ما يدعو للتبصر في كل ما تقوم به القاعدة و بناتها غير الشرعيات، من أفعال باسم الدين الإسلامي الحنيف.