موالو الغرب في أوكرانيا على خطى تكفيريي سورية

موالو الغرب في أوكرانيا على خطى تكفيريي سورية

أخبار عربية ودولية

السبت، ١٩ أبريل ٢٠١٤

تواجه السياسة الغربية المعادية لروسيا الفشل تلو الفشل في اوكرانيا. فبعد ما يسمى "الثورة البرتقالية" التي تقف وراءها المخابرات الاميركية، ومجيء الرئيس الاسبق الموالي للغرب فيكتور يوشتشينكو في كانون الثاني 2005، والذي دام عهده حتى شباط 2010، فشل يوشتشينكو في جر اوكرانيا للانضمام الى حلف الناتو، الا انه عزز بقوة سياسة الانحياز للغرب. وخلال الحرب الجورجية قصيرة الامد في اب 2008، ارسل يوشتشينكو سرا بعض الوحدات العسكرية الاوكرانية للقتال الى جانب نظام ساكاشفيلي ضد القوات الروسية التي ذهبت لدعم سكان اوسيتيا الجنوبية التي تعرضت للاعتداء من قبل نظام ساكاشفيلي العميل للمخابرات الاميركية.
وحينذاك قاتل جنود روس واوكرانيون ضد بعضهم البعض لاول مرة في التاريخ الحديث. ولكن نظام ساكاشفيلي، ومعه الناتو والاتحاد الاوروبي وكل داعميه بما في ذلك النظام الاوكراني الموالي للناتو، فشلوا فشلا ذريعا في ازمة اب 2008 في جورجيا، وتمخضت الازمة عن استقلال جمهوريتي اوسيتيا الجنوبية وابخازيا وتحالفهما المكشوف مع روسيا. وفي شتاء سنة 2009 تم افتعال ازمة الغاز الاوكرانية ـ الروسية، في الوقت ذاته الذي كانت فيه اسرائيل تشن هجومها الوحشي على الجماهير الفلسطينية المظلومة في قطاع غزة.
وكان الهدف استدراج روسيا الى شكل من "حرب استنزاف" محدودة بينها وبين اوكرانيا. ولكن الموقف الحازم للقيادة الروسية، وقطع الغاز الروسي المورّد الى اوكرانيا والعابر ترانزيت عبر اراضيها الى اوروبا، لبضعة ايام فقط، أفهم الادارة الاميركية والناتو والاتحاد الاوروبي ان المسألة ستتعدى حدود "مناوشات اقليمية" اوكرانية ـ روسية. ووجدت الادارة الاميركية انه ليس بامكانها فتح معركتين معا، في غزة، وفي اوروبا الشرقية، فتدخل حينذاك الاتحاد الاوروبي كوسيط لحل ازمة الغاز الاوكرانية ـ الروسية ضمن الحدود الاقتصادية وحسب. ولكن هذه الازمة زعزعت مواقع الرئيس الموالي للغرب فيكتور يوشتشينكو، وبالنتيجة ادت الى هزيمته في الانتخابات الرئاسية في شباط 2010 امام منافسه فيكتور يانوكوفيتش المؤيد لانتهاج سياسة متوازنة بين الجبهة الغربية وروسيا والمعارض لانضمام اوكرانيا الى حلف الناتو وتحويل اوكرانيا الى قاعدة عسكرية معادية لروسيا. وبعد وصول يانوكوفيتش الى الرئاسة اتجهت الدوائر الغربية الى توريط اوكرانيا في ما سمي اتفاق "الشراكة" او "التعاون" مع الاتحاد الاوروبي اقتصاديا، بحجة دعم الاقتصاد الاوكراني المتداعي، عن طريق فتح الابواب وتخفيض والغاء الرسوم الجمركية على تبادل البضائع بين اوكرانيا والاتحاد الاوروبي.
كما كان الهدف الحقيقي المبطن للاتحاد الاوروبي هدفا تآمريا مزدوجا هو: اولا ـ تحويل اوكرانيا الى تابع للاتحاد الاوروبي، وتخريب الانتاج الاوكراني، وتحويل اوكرانيا الى سوق لتصريف السلع الاوروبية الكاسدة والقريبة من انتهاء الصلاحية. وثانيا ـ استغلال التسهيلات الكبرى التي تقدمها روسيا لاوكرانيا وفتح الحدود الروسية لجميع السلع الآتية من اوكرانيا بدون رسوم جمركية وبدون تدقيق جمركي جدي، لشن حرب اقتصادية حقيقية ضد روسيا عن طريق اغراقها بالسلع الاوروبية الكاسدة تحت اسم مصدرين اوكرانيين. ولكن بالطبع كان من المستحيل ان تمر هذه "النمرة" على القيادة الروسية، فعمدت الى تحذير يانوكوفيتش مما يحاك ضد اوكرانيا، وعبرها ضد روسيا. ولتأكيد يقظتها وعزمها على احباط اي مؤامرة تنعكس سلبا على العلاقات التاريخية الاخوية بين البلدين الشقيقين روسيا واوكرانيا، عمدت المراجع الروسية المختصة الى تنفيذ اجراء تحذيري، تمثل في تطبيق اجراءات التدقيق الجمركي الروتيني على الاليات الاوكرانية المحملة بالسلع والقادمة الى روسيا، والتي "تعودت" ان تمر بمجرد ختم الاوراق، فتكدست الاليات الاوكرانية على الحدود الروسية لمسافة عشرات الكيلومترات.
ودام هذا الاجراء التحذيري لمدة اسبوع واحد فقط، كان كافيا لاصابة الحركة التجارية والقطاع الانتاجي الاوكرانيين بأضرار فادحة. امام هذا الوضع اضطر الرئيس يانوكوفيتش الى اتخاذ قرار صرف النظر عن توقيع اتفاق "الشراكة!" مع الاتحاد الاوروبي في اواخر تشرين الثاني 2013، واقترح بدلا من ذلك تشكيل لجنة ثلاثية من اوكرانيا وروسيا والاتحاد الاوروبي، للبحث في اشكال العلاقات الاقتصادية بين اوكرانيا والاتحاد الاوروبي وانعكاساتها على العلاقات الاقتصادية التاريخية الوثيقة بين اوكرانيا وروسيا. وقد حاز هذا الاقتراح تأييد بعض دول الاتحاد الاوروبي ولا سيما المانيا. وهذا ما اثار الاستياء الشديد لدى الادارة الاميركية التي كان كل همها ينحصر في دفع اوكرانيا للارتماء في احضان الغرب وتحويلها الى قاعدة عسكرية ملاصقة للحدود الروسية. فاندفعت الاجهزة الاميركية والناتوية لتنظيم المظاهرات والاعتصامات الاحتجاجية ضد يانوكوفيتش وحكومته، واخيرا تنظيم الانقلاب المسلح ضده، ما اضطره الى الانتقال مع عائلته الى روسيا، وتم اقتحام البرلمان الاوكراني في كييف، من قبل الجماعات المسلحة الفاشستية. وتحت تهديد السلاح تم اسقاط حكومة يانوكوفيتش وتعيين حكومة انقلابية وتعيين رئيس مجلس النواب الموالي للغرب كرئيس مؤقت للجمهورية، ما يخالف تماما الدستور الاوكراني.
وطرح على جدول الاعمال في البرلمان موضوع انضمام اوكرانيا الى حلف الناتو. كما طرح زعماء الانقلابيين مسألة الغاء الاتفاقات المعقودة مع روسيا حول وجود اسطول البحر الاسود الروسي في مدينة سيباستوبول في القرم. وصدر قرار استفزازي بتقييد استخدام اللغة الروسية، كما ينص الدستور، كلغة رسمية ثانية في المناطق الشرقية والجنوبية وشبه جزيرة القرم، ذات الاكثرية السكانية من الروس والناطقين باللغة الروسية. وتجاه الاحتجاجات المشروعة لسكان تلك المناطق، وبغض النظر وبتشجيع السلطات الانقلابية، اندفعت المجموعات المسلحة الفاشستية بالقطارات والباصات نحو تلك المناطق، واخذت تحتل المباني العامة واتجهت نحو تنظيم استفزازات مسلحة الهدف منها الايقاع بين البحرية العسكرية الاوكرانية والاسطول الروسي في سيباستوبول، لاتخاذ ذلك ذريعة من اجل تدخل الناتو في اوكرانيا. ولكن جماهير السكان في شرقي وجنوبي اوكرانيا وخصوصا في القرم ومدينة سيباستوبول ذات الادارة الذاتية نظمت ما سمي "قوات الدفاع الذاتي" وردت المجموعات الفاشستية الآتية من غرب اوكرانيا على اعقابها. واجتمع مجلس النواب المحلي لشبه جزيرة القرم، ولمدينة سيباستوبول، واتخذ قرارا بتصحيح الخطأ التاريخي المتمثل في ضم القرم الى اوكرانيا سنة 1954 وباعادة شبه الجزيرة الى الوطن الام روسيا، واجراء استفتاء شعبي عام حول ذلك، وهو ما جرى في 16 اذار الماضي، وصوتت اكثرية القرميين (اكثر من 96% من المقترعين) الى جانب الانضمام الى الفيديرالية الروسية. وفي اليوم التالي اصدر الرئيس بوتين مرسوما بالموافقة على اعادة توحيد شبه جزيرة القرم ومدينة سيباستوبول مع روسيا.
وفي الايام القليلة التالية صادق مجلس الدوما (البرلمان) الروسي على المرسوم، وألغيت الاتفاقية الاوكرانية ـ الروسية حول تأجير قاعدة سيباستوبول البحرية لاسطول البحر الاسود الروسي، باعتبار ان المدينة اصبحت بموجب القوانين الدولية مدينة روسية. وصارت اوكرانيا مدينة بأكثر من 11 مليار دولار اضافية لروسيا، وهو ما يعادل بدلات تأجير قاعدة سيباستوبول حتى سنة 2042، التي كانت روسيا قد دفعتها مقدما الى اوكرانيا بتوريدات الغاز التي لم تقبض ثمنها بالرغم من انها توريدات باسعار مخفضة خاصة لاوكرانيا. وقد تقدم الكسيي ميلر رئيس شركة "غازبروم" الروسية بطلب رسمي الى اوكرانيا لاعادة دفع تلك المبالغ.
امام هذه التطورات لم تجد الدوائر الغربية في الخارج، والسلطات الانقلابية والمجموعات الفاشستية العميلة للغرب في الداخل الاوكراني، ـ لم تجد "مخرجا" امامها سوى دفع البلاد نحو الحرب الاهلية، ونحو خلق بؤرة توتر عسكري مع روسيا بتهمة العدوان على اوكرانيا. وهو السيناريو ذاته الذي طبق في لبنان سنة 1975 حينما دفعت البلاد نحو الفتنة الطائفية، ونحو الصدام مع المقاومة الفلسطينية بتهمة الاعتداء على السيادة اللبنانية. وقد بدأت الاستفزازات بكثافة ضد النشطاء المدافعين عن جماهير السكان الناطقين باللغة الروسية، فتزايدت الاعتداءات الفردية والاعتقالات، وتعرض اثنان من المرشحين للانتخابات الرئاسية المعلن عن اجرائها في ايار القادم للضرب بالهراوات على ايدي المجموعات الفاشستية، ومنع الصحفيون الروس من القيام بنشاطهم المهني، واغلقت القنوات الناطقة باللغة الروسية، وشرع في طرد الموظفين الناطقين باللغة الروسية. وصرح غيورغي فيودوروف، الناطق باسم لجنة الرقابة الاجتماعية في البرلمان الروسي بأن المراجع الروسية تلقت سيلا من الشكاوى حول التعديات التي يتعرض لها المواطنون الروس في اوكرانيا، وان روسيا تبحث في التحضير لشكوى الى المحكمة الاوروبية بخصوص هذه التعديات.
كما بدأ حلف الناتو بارسال قوات برية وجوية وبحرية الى البلدان القريبة من المنطقة كرومانيا وبلغاريا وبولونيا وجورجيا، وبدأت جوقة البروباغندا الغربية المعروفة بالزعيق حول الحشود العسكرية الروسية المزعومة على الحدود مع اوكرانيا، وحول تسلل الجنود الروس الى داخل اوكرانيا. ولكن بعثتين استطلاعيتين فرنسية وفنلندية اثبتتا ان الحشود العسكرية الروسية التي كانت قد شاركت في المناورات العسكرية بقرب الحدود الاوكرانية في نهاية شهر شباط الماضي قد عادت الى قواعدها السابقة وانه لم تعد توجد اي حشود روسية على الحدود مع اوكرانيا. ومع ذلك اعلنت السلطة الانقلابية في كييف منع المواطنين الروس من سن 15 حتى 60 من دخول الاراضي الاوكرانية، بحجة منع تسلل الجنود الروس الى اوكرانيا، وطلبت السلطات الروسية المعنية توضيحات حول هذا القرار من الجانب الاوكراني وقالت ان روسيا ستبحث في القيام باجراءات جوابية.
وردا على كل ذلك تحركت جماهير السكان في دونيتسك ولوغانسك وخاركوف وغيرها من مدن شرقي وجنوبي اوكرانيا واخذت تحتل المباني العامة والمطارات والاذاعات المحلية وتشكل ما يسمى "الحرس الوطني" للدفاع الذاتي، وتطالب باجراء استفتاءات للانضمام الى روسيا او تطبيق مبدأ الفيديرالية في اوكرانيا.
وبدلا من ان تتجه السلطات الانقلابية في كييف نحو التجاوب مع نداءات ضبط النفس والتهدئة، والاخذ بالاعتبار مطالب جماهير السكان، والبحث فيها وايجاد المخارج الاصلاحية والدستورية للازمة الاوكرانية العميقة فإنها ـ اي هذه السلطات ـ استقبلت جون برينون رئيس المخابرات المركزية الاميركية وأجرت معه محادثات سرية، وتقول الانباء الصحفية ان المخابرات الاميركية انفقت حتى الان 7.5 مليارات دولار لعملياتها الخاصة في اوكرانيا. ويشرف عملاء المخابرات الاميركية على تنفيذ مخططاتهم ميدانيا، ويظهر رجال المخابرات الاميركية على المكشوف في شوارع كييف وهم يوجهون المجموعات الفاشستية التي قاتلت في الحرب العالمية الثانية مع هتلر وهي تتجند اليوم في خدمة اميركا والناتو.
وفي هذا السياق، ولادراك السلطات الانقلابية لعجز المجموعات الفاشستية وحدها عن السيطرة على الجماهير الغاضبة، جاء قرار هذه السلطات العميلة، وبأوامر اميركية مباشرة، بتوجيه الجيش والقوات المسلحة، بما في ذلك الطيران الحربي والدبابات والمدرعات لمواجهة المحتجين المدنيين والاصطدام معهم، وافادت الانباء عن سقوط قتلى وجرحى واعتقال العشرات من النشطاء في عدة مدن. ولكن اعدادا متزايدة من الجنود اعلنت انشقاقها عن قياداتها وانضمت مع دباباتها الى المحتجين ورفعت العلم الروسي على الآليات. وكل ذلك ينذر بتدهور الاوضاع نحو الاسوأ. وامام هذه التطورات اعلن الرئيس الشرعي المخلوع فيكتور يانوكوفيتش انه سيعود قريبا الى اوكرانيا. ويقول الخبراء ان عودته ستقلب الكثير من الحسابات الاميركية.
وتعليقا على الاحداث الاوكرانية قال دميتريي روغوزين نائب رئيس الوزراء الروسي ان روسيا لن تتخلى عن ابنائها في اوكرانيا او اي مكان اخر، وان عناصر المجموعات الفاشستية يرقصون في "الميدان الاوروبي" في كييف ويهتفون بعنصرية وتحقير للروس "من لا يقفز فهو روسي"، وعلق روغوزين على ذلك بالقول ان لهم رقصتهم، وستكون لنا ايضا رقصتنا!