السعودية ومواجهة «قانون جاستا»: الحاجة إلى وقف «إدمان حب أميركا»!

السعودية ومواجهة «قانون جاستا»: الحاجة إلى وقف «إدمان حب أميركا»!

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٣٠ سبتمبر ٢٠١٦

يؤكد تصويت الكونغرس الأميركي بجناحيه، مجلس الشيوخ ومجلس النواب، بغالبية كبيرة لتجاوز «فيتو» الرئيس باراك أوباما على قانون «جاستا» (العدالة ضد رعاة الإرهاب) الذي سيسمح لضحايا هجمات 11 أيلول بملاحقة السعودية قضائياً حقيقتَين مهمتَين هما:
أولا: أن الولايات المتحدة لا يمكن أن يراهن عليها أي حليف قريب أو بعيد، فخلال السنوات الأربع الأخيرة خذلت الولايات المتحدة السعودية في العديد من المواقف السياسية التي كانت الرياض بحاجة فيها إلى دعم، وأولها في سوريا حيث ما زالت واشنطن ـ كما ترى الرياض ـ مترددة وضعيفة في مواقفها تجاه الأزمة السورية، وتتحفظ واشنطن على دعوات الرياض لها بالتدخل العسكري المباشر لمصلحة فصائل المعارضة السورية لتحقيق هدف إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، والكل يذكر الأزمة التي مرت بها العلاقات السعودية الأميركية عندما رفض الرئيس أوباما دعوة الرياض لضرب النظام السوري في أيلول العام 2013 بعد اتهام النظام باستخدام الأسلحة الكيميائية.
وقبل ذلك كانت الرياض تلوم واشنطن على تأييدها لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي المعادي للسعودية.
بالإضافة إلى ذلك، ما زالت السعودية تشعر بـ «غصة» من الإدارة الأميركية بسبب الاتفاق النووي الغربي مع إيران، والذي دعمته واشنطن، حيث ترى الرياض أن هذا الاتفاق يفك العزلة والحصار الاقتصادي اللذين كانا مفروضين على إيران.
ثانيا: إن إصرار مجلسَي الكونغرس الأميركي على التصويت على قانون «جاستا» رغم فيتو الرئيس يشير إلى أن السعودية رغم «العلاقات الإستراتيجية «التي تربط الرياض وواشنطن منذ نحو سبعة عقود من الزمن، لم تنجح في أن توجد لها «لوبي» أو جماعة ضغط في الكونغرس الأميركي أو عند مراكز صنع القرار في واشنطن.
وفي الحقيقة، إن إدارة السعودية لعلاقاتها مع الولايات المتحدة كانت تركز على إقامة أفضل العلاقات مع الإدارات الأميركية - الرؤساء بالذات - المختلفة: جمهورية كانت أم ديموقراطية، من دون الاهتمام بشكل أكبر بالرأي العام وبالإعلام، إلا من خلال حملات للعلاقات العامة تقوم بها شركات متخصصة وهي في العادة لا تحقق النجاحات والأهداف المطلوبة.

وبدأت الرياض منذ شهورالتحرك على صعيد إيجاد نفوذ إعلامي وسياسي لها في الولايات المتحدة عن طريق شركات للعلاقات العامة.
وصعَّدت الرياض من تحركها السياسي هذا بزيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للولايات المتحدة في شهر حزيران الماضي، والتي استغرقت ثلاثة أسابيع، والتقى خلالها بعدد كبير من أعضاء الكونغرس وزعماء سياسيين ورؤساء شركات، بالإضافة إلى المسؤولين الأميركيين على مختلف مستوياتهم.
واتبعت ذلك بتجنيد عدد من الخبراء السياسيين والمستشارين، منهم من كان مسؤولا في إدارات أميركية سابقة مثل المساعد الأسبق لوزير الخارجية الأميركية ديفيد روس والمعروف أنه أحد نشطاء اللوبي اليهودي في واشنطن.
ولكن يبدو أن تصويت مجلسَي الكونغرس على قرار «جاستا» يشير إلى أن الرياض لن تتدارك الوقت، واعتقدت أن تطمينات الرئيس أوباما لها بأنه سيستخدم «الفيتو» ضد القرار ستسقطه.
ولا شك أن الرياض لم تحسب حسابها لإصرار الكونغرس على القرار وإسقاط «فيتو» الرئيس عليه.
ولا شك ايضا أن هذا يثير غضبها ويجعلها الآن في حيرة شديدة حول ما هو المطلوب للرد على مثل هذا القانون؟ وما هي الأدوات التي تملكها لإجهاض هذا القانون؟
الرياض بدأت تتحدث عن أن إقرار هذا القانون يحتاج إلى سنوات، والمراقبون يرون أن هذا يجعل السيف مسلطا على رقبة المملكة ويجعلها تحت الابتزاز الأميركي الدائم.
ولمواجهة مثل هذا القانون تمتلك السعودية مجموعة من أدوات الضغط الاقتصادي وحتى السياسي، التي من الممكن ان تؤثر، إن لم نقل تهدد، المصالح الأميركية ليس في العالم العربي والإسلامي فقط، بل أيضا داخل الولايات المتحدة.
فعلى الصعيد الاقتصادي، من الممكن أن توقف الرياض صفقات شراء الأسلحة من الولايات المتحدة، وآخرها صفقة يجري التحضير لها حاليا وتبلغ قيمتها 115 مليار دولار، وهذه من السهل التعويض عنها عند دول أخرى تتسابق للحصول على مثل هذه الصفقات، وأيضا من الممكن أن تخفف من حجم وارداتها من الأسواق الأميركية (الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأول للسعودية)، ومن الممكن أن تبدأ بسحب استثماراتها: مالية وغير مالية، من هناك (وتقدر بنحو 760 مليار دولار)، بالإضافة إلى سحب نحو 115 مليارا من احتياطياتها المالية في الولايات المتحدة (وهي تشكل واحدا في المئة من مجموع الاحتياطي الأميركي). وهناك الكثير من مثل هذه الخطوات الاقتصادية التي من الممكن أن تحرم الولايات المتحدة امتيازات وتسهيلات اقتصادية ومالية عديدة.
وعلى الصعيد السياسي، لا تستطيع الرياض كثيراً، لأن النفوذ الأميركي واسع والهيمنة الأميركية على المنطقة قوية، ولكن تستطيع الرياض أن تخفف من ذلك لا سيما إذا تعاونت معها حليفاتها دول الخليج.
على صعيد التعاون الأمني، ليس من مصلحة الرياض وقف تنسيقها الأمني مع واشنطن، لأن هناك مصلحة مشتركة في ملاحقة الإرهاب وتنظيماته لا سيما «داعش» و «القاعدة».
ولكن الرياض تستطيع أن تبحث عن مواطنين عراقيين ممن تضرروا من الاحتلال الأميركي للعراق وسقط لهم ضحايا خلال فترة الاحتلال واعترفت واشنطن أنهم قُتلوا بنيران أميركية عن طريق الخطأ، لتدفعهم إلى رفع قضايا مماثلة، وذلك لإشعار الأميركيين أن هذا القانون «جاستا» سيف بحدَّين.
قبل كل هذا، تحتاج الرياض الى إرادة سياسية وقرار سياسي للرد على هذا «العداء» الاميركي لها، وأول ما تحتاجه وقف «إدمان حب أميركا» الذي يشاركها فيه العديد من دول العرب.
الخارجية السعودية
أكد مصدر في وزارة الخارجية السعودية، أمس، «أن اعتماد قانون «جاستا» يشكل مصدرا كبيرا لقلق الدول التي تعترض على مبدأ إضعاف الحصانة السيادية، باعتباره المبدأ الذي يحكم العلاقات الدولية منذ مئات السنين».
ونقلت وكالة «واس» عن المصدر قوله، إن «من شأن إضعاف الحصانة السيادية التأثير سلباً على جميع الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة»، مشيراً إلى «موقف الإدارة الأميركية التي أعربت عن معارضتها لقانون «جاستا» بصيغته، وذلك على لسان الرئيس الأميركي ( باراك اوباما)، ووزير الدفاع (آشتون كارتر)، ورئيس هيئة الأركان المشتركة (جوزيف دانفورد)، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية (جون برينان)».
وأوضح المصدر أن «قانون جاستا» حظي أيضاً بمعارضة العديد من الدول، إضافة إلى العشرات من خبراء الأمن القومي الأميركيين، في ظل استشعارهم للمخاطر التي يشكلها هذا القانون في العلاقات الدولية»، معرباً عن أمله «في أن تسود الحكمة، وأن يتخذ الكونغرس الأميركي الخطوات اللازمة من أجل تجنب العواقب الوخيمة والخطيرة التي قد تترتب على سن قانون جاستا».