كم بقي قبل إعلان التطبيع السعودي الإسرائيلي..؟

كم بقي قبل إعلان التطبيع السعودي الإسرائيلي..؟

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢٩ يوليو ٢٠١٦

باسل أبو شاش - بيروت برس -

وفدٌ سعوديٌ يلتقي بمسؤولين إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة... للوهلة الأولى قد يبدو هذا العنوان صادمًا للبعض، أما بالنسبة لمتابعي الملف السعودي الإسرائيلي، فإنهم يجدون هذه الزيارة أمرًا متوقعًا، لاسيما عندما يتم إدراجها في سياق ملامح التحالف الذي يتم التأسيس له بين الجانبين.
وفي ظل هذا الواقع، ليس من المستغرب أيضًا أن يتولى رئاسة وفد الرياض إلى كيان الاحتلال، مهندس العلاقات السعودية الإسرائيلية الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي.

صحيفة "هآرتس" العبرية كانت أول الكاشفين عن الزيارة التي قام بها عشقي إلى كيان الاحتلال، مؤكدةً أنه لم يكن وحيدًا، وإنما كان على رأس وفدٍ من الأكاديميين ورجال الأعمال السعوديين. وأشارت الصحيفة إلى أنّ وفد الرياض التقى خلال زيارته التي وصفتها "بالحميمة" عددًا من أعضاء الكنيست الإسرائيلي، ومدير عام وزارة الخارجية "دوري غولد" ومسؤول التنسيق الأمني في الضفة الغربية المحتلة "يوآف مردخاي" بفندق "الملك داود" في مدينة القدس المحتلّة.

هل الزيارة شخصية؟
منذ اللحظة الأولى للكشف عن الزيارة، واظبت القنوات السعودية والمحللون السياسيون السعوديون، على وصف زيارة عشقي إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي بالشخصية، وأنّ الزيارة كان الهدف منها فقط إجراء لقاءاتٍ مع مسؤولين فلسطينيين.. وهو ما يطرح هنا سؤالًا مفاده هل حقًا لم يكن النظام السعودي الحاكم على علم بهذه الزيارة..؟

في الواقع، أن تكون هذه الزيارة بعيدة عن معرفة ومباركة النظام السعودي لها، هو أمرٌ مستبعد، سيما عندما نعلم بأنّ طبيعة القبضة الأمنية التي تمارسها السلطات السعودية على مواطنيها، تمنعهم حتى من التعبير بحرية عن آرائهم، فلا رأي داخل المملكة، إلّا لرأي الأسرة الحاكمة. ونذكر هنا عشرات السعوديين الذين تم اعتقالهم فقط لمعارضتهم سياسة المملكة الخارجية، أو تأييدهم بعض التيارات والأحزاب المقاومة في المنطقة التي تجمعها مع السعودية أجواء من التوتر، ومنها المقاومة اللبنانية المصنفة من قبل الرياض بالإرهابية.

وبالتالي يمكن لنا القول هنا بأنّ هذه الزيارة وما سبقها وسيليها من خطوات تتم بمباركة مطلقة من الأسرة الحاكمة، ولا أستبعد هنا أن نشهد قريبًا جدًا زياراتٍ لوفود "إسرائيلية" إلى المملكة، وهو ما كان أشار إليه عضو الكنيست عيساوي في تصريح للإذاعة الإسرائيلية حول استعدادات تتم حاليًا بهدف ترتيب زيارةٍ لنواب من أحزاب المعارضة الإسرائيلية إلى السعودية.

أبرز اللقاءات السعودية الإسرائيلية

 لماذا الآن..؟
في الواقع هناك عوامل عديدة قد تجمع المملكة السعودية وكيان الاحتلال، وتدفع بهما إلى خطوة تطبيع العلاقات الثنائية خلال المرحلة الحالية، ويمكن إيجاز هذه العوامل فيما يلي:

1- حالة الفوضى والأزمات والحروب التي تعيشها المنطقة العربية، فلن تجد السعودية واقعًا أفضل من الحالي لتمرير خطوتها السابقة، بصمت ودون ضجيج، نتيجةً لانشغال الأقطار العربية حاليًا بأزماتها الداخلية، وبالتالي فإنّ حجم المعارضة سيكون أقل.

2- نقاط التوافق والانسجام التي تتزايد يومًا بعد آخر بين السعودية وكيان الاحتلال، سيما فيما يتعلق بقائمة الأعداء المشتركين، فكلا الجانبين متفق على تصنيف إيران وحزب الله وسورية ضمن قائمة الأعداء، ويسعى إلى إضعافهم وإخضاعهم، ولن نبالغ إذا قلنا بأنّ هذا العامل هو الأهم، وهو ما سرّع من وتيرة التطبيع بين الجانبين.

3- الشعور بضعف الحلفاء الرئيسين والخوف من المستقبل، فالسعودية بدأت تشعر بضعف أمريكا، بالإضافة إلى خشيتها من فك رباط التحالف الذي يجمعها بها في حال وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض قد لا يولي العلاقة مع السعودية أهمية كبيرة، ولهذا تسعى الرياض إلى إيجاد بدائل أخرى وإقامة تحالفات جديدة داخل المنطقة، بدءًا من تركيا وصولًا إلى كيان الإحتلال، بالإضافة إلى توطيد العلاقة مع روسيا من خلال إقامة علاقات اقتصادية جيدة معها.

المبادرة العربية..!!
صحيفة هآرتس أرجعت زيارة عشقي إلى محاولة تشجيع الخطاب في "إسرائيل" حول مبادرة السلام العربية.. لكنها تجاهلت في حديثها أن زيارة عشقي حاليًا لكيان الإحتلال ومحاولة التطبيع بين الرياض و"تل أبيب" يخالف بالمطلق مضمون المبادرة العربية التي تنص بوضوح كامل على أن أي تطبيع مع كيان الإحتلال ينبغي أن يأتي بعد:
1    انسحاب "إسرائيل" من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من حزيران 1967.
2    التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
3     قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من حزيران في الضفة الغربية وقطاع غزة وتكون عاصمتها القدس الشرقية.

وبالتالي، فإنّ محاولة التطبيع حاليًا لا يمكن إدراجها إلّا في سياق إدارة المملكة لظهرها للمبادرة العربية، وقد لا نستبعد أيضًا أن تقوم السعودية بإدخال تعديلات على المبادرة تهدف لتقديم تنازلات جديدة للاحتلال، على حساب الدول العربية وفي مقدمتها فلسطين المحتلة وسورية.

ما هو مصير القضية الفلسطينية..؟
ما يحدث اليوم هو محاولة مباشرة بمباركة سعودية لتصفية القضية الفلسطينية والقضاء على ما تبقى من فكر وقوى مقاومة للاحتلال، عبر بوابة التطبيع مع المحتل، ولا أعتقد بأنّ خطوة الرياض تجاه "تل أبيب" ستكون منفردة بل ستتبعها خطوات مشابهة لعدد من الأنظمة الخليجية والعربية، التي ستجد في الخطوة السعودية مبررًا لها لتطبيع لاحق.

وبالتالي يمكن أن نفهم بأنّ السعودية أرادت القول وبالفم الملآن بأنها باتت جاهزة حاليًا للانتقال من مرحلة الاتصالات السرية إلى مرحلة العلاقات العلنية والتطبيع على قاعدة المصالح المشتركة ومواجهة العدو المشترك (إيران)، وفقًا للمنظور الثنائي، وبأن القضية الفلسطينية لم تعد تعني الدول الخليجية وأنه ينبغي على الفلسطينيين أن يدافعوا عن قضيتهم بمفردهم دون انتظار مساندة من الأشقاء العرب.

لكن ومهما كان حجم المؤامرة السعودية على القضية، ستبقى فلسطين صخرة في وجه المحتل، وسيبقى هناك دولٌ وشعوب تعتبر فلسطين هي بوصلة الأمة حتى الوصول إلى النصر والتحرر من المحتل.