وقائع تنسيق ميداني بين الجيش السوري وفصيل «معتدل»

وقائع تنسيق ميداني بين الجيش السوري وفصيل «معتدل»

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢٨ يوليو ٢٠١٦

ليست وقائع الحرب الجارية في سوريا منذ خمس سنوات ونيف، وحدها ما يتغير. التحالفات والخيارات والقناعات تتغير وتتبدل أيضاً. وقد يكون حدوث مثل هذا التغيير بين الفصائل المسلحة أمراً عادياً، فلطالما عقدت تحالفات بينها ثم نقضت، كما كانت العديد من الفصائل تنتقل من رايةٍ إلى أخرى بحسب الظروف والتحديات. غير أن تقارب أي فصيل مُسّلح، بصرف النظر عن انتمائه أو توجهه، مع الجيش السوري، كان من المحرّمات ومن الخطوط الحمراء التي لا يغفر لمن يتجاوزها. لكن حتى هذا الأمر، نتيجة العديد من التطورات الميدانية والسياسية، لم يعد محاطاً بهالة التحريم السابقة نفسها، خصوصاً بعد بعض الخروقات التي أصابته وأصبحت تمهد في حال تكرارها واستمرارها لإحداث شرخ في بنيته.
في هذا الاطار، علمت «السفير» من مصادر ميدانية كانت مواكبة للحدث، أن الهجوم الذي شنّه تنظيم «داعش» على مطار الضمير في شهر نيسان الماضي، أي قبل أقل من ثلاثة اشهر، شهد بروز حالة غير معهودة سابقاً من التنسيق والتعاون بين الجيش السوري وبين «تجمع أحمد العبدو» بهدف التصدي لهجوم «داعش» ودحره من المنطقة. وهذه هي المرة الأولى التي يُسجل فيها حدوث مثل هذا التنسيق المباشر بين الجيش السوري وبين فصيل مسلح، وخصوصاً أحد الفصائل المدعومة من الغرب. إذ من المعلوم أن فصيل «أحمد العبدو» يعد من الفصائل «المعتدلة» غربياً وهو يتلقى تدريباته في أحد المعسكرات في الأردن بإشراف أميركي وبريطاني.
ومن الصعب حالياً تحديد ما إذا كانت هذه السابقة في التنسيق بين الطرفين جاءت نتيجة الظرف الاستثنائي الذي شكّله هجوم «داعش» المباغت في المنطقة، وبالتالي لا يمكن البناء عليه لاستخلاص اي نتائج مستقبلية، أم بالعكس يمكن اعتبارها مؤشراً على بداية تحولات تشهدها بعض الفصائل وقد تؤدي من حيث المآل إلى إحداث تغييرات في المشهد الميداني لبعض المناطق، لاسيما تلك الفصائل التي تتأثر بالتحولات الاقليمية والدولية نتيجة الدعم المقدم لها.
المؤكد أن هجمات «داعش» على بعض الجبهات في مختلف المناطق السورية، لم تكن من قبل سبباً كافياً لحصول أي تنسيق أو تعاون بين وحدات الجيش وبين بعض الفصائل المتواجدة بالقرب من الجبهة المستهدفة، بل كانت مثل هذه الهجمات تشكل مناسبةً لتبادل الأطراف الاتهامات حول سماح بعضها لمرور الأرتال التي تستهدفها من دون أن يقوم اي طرف آخر بالتعرض لها. هذا باستثناء الهجوم على محافظة الحسكة، في حزيران من العام الماضي، حيث ساعد اتفاق الجيش مع «وحدات حماية الشعب» على التصدي للهجوم ومنع «داعش» من السيطرة على المدينة بعد أن كان قد أحرز تقدماً خطيراً داخلها.
وقالت المصارد السابقة لـ «السفير» إنه في سبيل مواجهة «داعش» ومنعه من السيطرة على الضمير ومطارها، زوّد الجيش السوري مقاتلي «أحمد العبدو» بكميات من الذخائر وبعض الأسلحة التي كانت تصل عبر شاحنات للجيش وبحراسة جنوده ليتم تسليمها في مستودعات «العبدو». كما أشارت إلى أنه في بعض نقاط الاشتباك، كان جنود الجيش السوري يقاتلون مع مقاتلي «أحمد العبدو» جنباً إلى جنب ضد تنظيم «داعش» ويتبادلون الأحاديث وأحياناً الطعام والشراب.
وبحسب المصادر ذاتها، فإنه مع بداية الهجوم المباغت للتنظيم، اضطر العشرات من جنود الجيش السوري، بسبب عنصر المباغتة وحدّة الهجوم، للتراجع من نقاط رباطهم في محيط المطار، واتجهوا بشكل مباشر إلى معاقل «تجمع أحمد العبدو» حيث سُمح لهم بالدخول وهم يحملون اسلحتهم، وأمضوا ساعات طويلة قبل أن يغادروا ليلاً ويلتحقوا بالنقاط التي كان انتشر فيها الجيش السوري. وقد أوصلتهم عربات حديثة تابعة للتجمع إلى أقرب نقطة تابعة للجيش في تلك المنطقة، وتبعد حوالي أربعة كيلومترات. وقد اشارت المصادر إلى أن ذلك لم يكن ليحصل لولا حدوث اتفاق بين قيادة الوحدات المنسحبة وبين قيادة التجمع، مرجحة أن تكون بعض الاتصالات بين الطرفين قد حصلت لتنسيق الانسحاب ومن ثم إعادة القوات.
ويذهب بعض المراقبين في تبرير سابقة التنسيق هذه بين الطرفين المتعاديين، إلى وجود اتفاق تسوية بينهما يشمل مدينتي الضمير وجيرود، ينص على عدم السماح لعناصر التنظيم بالتواجد في المدينتين، وعلى تعهد «التجمع» وفصائل اخرى هناك بعدم شن اي هجمات ضد وحدات الجيش السوري. إلا أن البعض الآخر يعتقد أن الجيش السوري، في إطار سياسة المصالحات والعودة إلى حضن الوطن، يسعى بشكل مستمر إلى جسّ نبض بعض الفصائل ومحاولة تحييدها أو استقطابها متبعاً في ذلك أسلوب العصا والجزرة. وهنا كان من اللافت أن وسائل الإعلام السورية ركّزت بعد تفجير الرقبان في الأردن على إبراز تبعية السيارة المستخدمة في التفجير إلى «تجمع أحمد العبدو».
وقد قتل العقيد المنشق بكور السليم قائد «تجمع أحمد العبدو»، الشهر الماضي، بتفجير انتحاري نفذه تنظيم «داعش».
وفي حلب، اتُّهمت «ألوية النصر» من قبل غالبية الفصائل، بالعمالة لروسيا، ما أدّى إلى اعتقال قائدها أحمد الفتوح ووضعه في سجون «الجبهة الشامية». وقد أكدت الأخيرة آنذاك أنها تملك أدلة على إجراء اتصالات بين قادة «ألوية النصر» وبين روسيا، بهدف التنسيق لبدء معركة فك الحصار عن مدينة مارع، وشددت على تعهد قادة «ألوية النصر» بإعلان تعليق قتالهم العسكري لجيش النظام، مقابل مساندة المقاتلات الروسية لقواتهم على الأرض». وتأسست «ألوية النصر» في حزيران الماضي من تجمع حوالي خمسة عشر فصيلاً أبرزها «لواء أحرار الشمال»، «شهداء إعزاز»، «أحرار منبج»، و «كتيبة شهداء سوريا».
وتبذل موسكو عبر مركز حميميم جهوداً كبيرة في مفاوضة العديد من الفصائل المسلحة لإقناعها للانضمام إلى هدنة وقف الأعمال القتالية، وقد وصل عدد هذه الفصائل لحوالي 61 فصيلاً. غير أن موسكو لا تكتفي بهذه المفاوضات، بل تسعى في بعض الأحيان إلى التدخل بين الجيش السوري وبين بعض الفصائل أو الجهات الأهلية لتوقيع عقد تسوية أو مصالحة بينهما، وكان هذا الجانب بارزاً في مدينة ابطع في محافظة درعا، حيث شارك ضباط روس في عقد المصالحة في آذار الماضي. وذكرت بعض الأنباء أن «لجنة روسية» تفاوض أحد عشر فصيلاً في أرياف حلب وحماة وحمص ودمشق، من دون إيراد أي تفاصيل حول اسماء هذه الفصائل أو مكان سيطرتها.
قد تكون هذه الوقائع مجرد شذرات متفرقة لا تكفي لرسم لوحة متكاملة، غير أنها تشكل دليلاً على أن المشهد السوري في بعض جوانبه عرضة لتغيرات جذرية ليس بإمكان أحد التكهن أين وكيف قد تنتهي. وربما تكون هذه التغيرات مجرد إرهاصات لما يجري في الميدان السياسي من إعادة رسم الخطط وتحديد الأعداء ووضع الأولويات. فهل سيسهم التفاهم الروسي ـ الأميركي الذي سيترتب عليه اعتبار «جبهة النصرة» عدواً مستهدفاً وإجبار الفصائل الأخرى على الانفصال عنها، في تفكيك بعض التحالفات وبناء تحالفات جديدة أو على الأقل في إيجاد مستوى معين من التنسيق بين أطراف كانت حتى الأمس القريب تتقاتل في ما بينها؟.