أوروبا بين الإرهاب والعجز الأمني..

أوروبا بين الإرهاب والعجز الأمني..

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٢٤ يوليو ٢٠١٦

عمر معربوني - بيروت برس -
يبدو أنّ القارّة العجوز دخلت في دوّامة الإرهاب، وهو أمر لم يفاجئنا وكنّا نعلم انه حاصل لا محالة فمن يزرع الريح لا بدّ له ان يحصد العاصفة، وما العمليات الإرهابية التي تحصل في أوروبا إلّا مقدمات الزلزال الذي ستكون له ترددات خطيرة ستترك آثارها على المجتمعات الأوروبية ولا يعلم أحد الى ماذا ستؤول النتيجة النهائية. فاستمرار العمليات الإرهابية قد يودي بالأمور الى واقع مختلف، إن كان بالنتائج او الإنفعال الذي سيكون سيد الموقف في لحظة الذروة الناتجة عن الإرهاب، وسبب الخشية هو وجود الكثير من العوامل التي قد تدفع بالأمور الى نتائج غير محمودة العواقب.

حاليًا تسود حالة من الخوف تتصاعد يوميًا وصلت حدّ الرهاب من الإسلام "الإسلاموفوبيا"، ويتم استثمارها تدريجيًا من اليمين الأوروبي الذي يمتلك ما يكفي من الكره ليدفع بسلوكه يومًا ما الى اقصى درجات التطرف التي لا تقل خطورة عن تطرف التكفيريين.

في وقت مبكر من اطلاق "ثورات الربيع العربي"، كان واضحًا وعلنيًا الدور الذي لعبته حكومات الدول الأوروبية في دعم هذه "الثورات" بكل اشكال الدعم. ففي اواخر العام 2011، تم ضبط اجهزة اتصال متطورة بيد الجماعات المسلحة في دمشق وحمص بشكل اساسي وهي اجهزة فرنسية وألمانية موجودة حصرًا بيد الجيوش، ما يدل على التورط الإستخباراتي لهذه الدول وغيرها.

الأمر الأكثر حدّة تمثّل في التسهيلات التي منحتها دول اوروبا للقادمين الى سوريا والعراق عبر لبنان وتركيا والأردن، وكنا يومها من ضمن الذين حذروا أنّ موجة ارتدادية ستصيب اوروبا والغرب وكل داعم لهذه الجماعات انطلاقًا من فهمنا لطبيعة الهجمة اولًا وتركيبة الجماعات الإرهابية ثانيًا. وعندما نتكلم عن تركيبة الجماعات الإرهابية، فإننا نعني بشكل اساسي الأساس الفكري والعقائدي لهذه الجماعات، والذي استفاد كثيرًا من مساحة الحرية في اوروبا وقام على مدار الـ30 سنة الأخيرة ببناء وإقامة آلاف المساجد والمعاهد التي تدرس الفكرالوهابي، والتي استطاعت ان تؤثر في عقول الكثير من الشباب وتدفعهم باتجاه سلوك طريق الموت الإختياري.

وان كنا سنصل الى نتيجة ايجابية في موضوع مكافحة الإرهاب الذي يضرب اوروبا، فلا بد بداية من توصيف الأسباب التي ادّت الى تصاعده وهي اسباب داخلية وخارجية.
-    في الأسباب الداخلية:
1-    ازدواجية المعايير في التعاطي مع ظاهرة الإرهاب، فهو ثورة عندما يضرب في منطقتنا وارهاب عندما يضرب في اوروبا، وهو امر ينطبق على الفلسطينيين الذين يقاومون الإحتلال الصهيوني، وهنا تكمن المشكلة الكبرى والتي ستساهم في انتشار الإرهاب وتعاظم دوره ما لم تتم اعادة النظر في النظرة الى الإرهاب وتوحيد التعريف بخصوصه.
2-    السماح ببناء آلاف المساجد والمعاهد التي تدرس وتنشر الفكر التكفيري في صفوف الشباب المسلم الوافد من كل انحاء العالم الإسلامي، وغض النظر عن تشكل ابعاد تنظيمية لهؤلاء طالما انهم سيساهمون في ضرب وهز وتدمير الدول التي تتعارض سياساتها مع اوروبا والغرب وتسهيل خروجهم الى ساحات "الجهاد".
3-    تنامي النظرة العنصرية في المجتمعات الأوروبية والتي يساهم اليمين الأوروبي فيها بشكل كبير ما يشكل دافعًا للكره المتبادل ويساعد في اذكاء نار الإنتقام.

في الأسباب الخارجية:
1-    تسهيل نقل وتدريب وتسليح عشرات الآلاف من الإرهابيين عبر الحدود البرية لسوريا والعراق بهدف اسقاط الأنظمة وتعميم الفوضى، على أمل ان يستوطن هؤلاء نهائيًا في اماكن الفوضى وعلى ان يتبعهم الكثيرون من مسلمي اوروبا بما يشبه الترانسفير اليهودي الى فلسطين المحتلة قبل وبعد نشوء الكيان الصهيوني.
2-    الأعداد الكبيرة للنازحين من مناطق الصراع في سوريا والعراق واليمن وافغانستان وليبيا وغيرها اضافة الى المواطنين السابقين من اصول عربية واسلامية، ما يساعد في تجنيد ارهابيين جدد بسبب المعاناة الكبيرة والمعاملة السيئة لهم من قبل السلطات.

وامام الوضع الأمني الهش وشبه العاجز عن تنظيم مواجهة حقيقية للعمليات الإرهابية، وهي حقائق نتبينها بعد كل عملية ارهابية، يبدو الوضع صعبًا ومعقدًا ولا يمكن مواجهته إلّا بـ:
1-    وضع تصور واقعي لطبيعة التحديات الأمنية وتحديد مكامن الخطر والشروع بإجراءات امنية وقائية عبر مراقبة المساجد والمدارس الدينية، من خلال تشجيع مساهمة المسلمين العقلاء على القيام بدور اكبر في التجمعات الإسلامية وتنشيط الإستعلام داخل هذه التجمعات، ومراقبة تشكل البيئات الحاضنة التي يمكن ان تقدم الدعم بكل اشكاله للعناصر الإرهابية التنفيذية، كما حصل في بلجيكا حيث قدم البعض المساعدة لعدد من الإرهابيين من خلال تأمين ملاذات آمنة لهم.
2-    الذهاب بإتجاه قرار شجاع واضح المعالم واعادة العلاقات مع سوريا بشكل اساسي، ونسج علاقات امنية مع اجهزة الإستخبارات السورية التي تملك اكبر بنك معلومات حول نشاط الحركات الإرهابية، وهي معلومات لن تُقدم لأحد دون اثمان سياسية سيدرك الأوروبيون عاجلًا او آجلًا انه عليهم تقديمها للمساهمة في حماية بلدانهم.
وان كانت هجمة البارحة في ميونيخ قد نفذها مختل عقلي بحسب تقرير شرطة ميونيخ، فإنّ عمليات اخرى نُفذّت سابقًا وستنفذ في المستقبل كانت واضحة الأب والأم والنسب، ولا بد من وضع حد لها بكل الوسائل للتخفيف من وطأة الهجمات ونتائجها في المستقبل.