من الذي أفشل الأنقلاب التركي وهل أردوغان الآن أقوى؟

من الذي أفشل الأنقلاب التركي وهل أردوغان الآن أقوى؟

أخبار عربية ودولية

السبت، ١٦ يوليو ٢٠١٦

تطرح المحاولة الإنقلابية التي جرت في تركيا العديد من الأسئلة الهامة لما لها من تأثير ،حتى في خانة الفشل التي سقطت فيها،على مستقبل المنطقة وشعوبها.

هذه بعض الملاحظات التي يمكن وصفها بمحاولة الفهم بناء على ما تسنى لنا الحصول عليه من مراسلي وكالة أنباء اسيا في اسطنبول وأنقرة.

أولا: لم يحصل أي تصادم ليل أمس بين قوى متناقضة من الجيش التركي ولم تحاول أي قوة عسكرية برية أو بحرية مواجهة الإنقلاب والمواجهة الجوية لم تحصل إلا بعدما فشلت القوى البرية في الثبات داخل الساحات الكبرى للمدن الرئيسية.

وما أفشل الإنقلاب في المقام الأول هو إنقطاع الإتصالات بين الانقلابيين والوحدات التي نشروها في طول البلاد وعرضها. وهو الأمر الذي يفسر عدم قيام الانقلابيين في الشوارع والمقرات الحكومية بأي ردة فعل عسكرية على اقتراب قوات الشرطة منهم إلا في اسطنبول ولأسباب ترتبط بقرار ضابط الميدان المسؤول.

ويفسر مصدر تركي لمراسلنا هذا الأمر " بالسر الأكبر" لأن شبكة الاتصالات العسكرية مرتبطة بشبكات الحلف الاطلسي ولها بدائل عدة وقد توقف اغلبها بعد قصف طائرة لمقر إدارة عمليات شبكة الاقمار الصناعية العسكرية التركية.

ولم يُعرف حتى الآن من قصف تلك المحطة وهل كان من الانقلابيين أو معاديا لهم علماً أن سلاح الطيران لم يكن أبدا تحت سيطرة الموالين لأردوغان فهل قصفت ذاك المقر طائرة تركية أم أميركية إنطلقت من أنجرليك يا ترى؟؟ ولماذا لم يستخدم الانقلابيون شبكة حلف الاطلسي البديلة للتواصل مع وحداتهم على الأرض؟

ثانيا:
الجيش لم يواجه الجيش وهذا يعني لا ثقة لحزب العدالة والتنمية بضباط الجيش حتى المحسوبين عليه فهو لم يلجأ إليهم لضرب الإنقلاب بل لجأ للسيطرة على المقرات الحكومية عبر قوى الشرطة والجندرمة والقوات خاصة التابعة لجهازي الإستخبارات وجهاز مكافحة الارهاب.

ثالثاً:
القوى الإنقلابية تصرفت وكأنها تنتظر أمراً ما ميدانيا وسياسيا وهو لم يحصل وهنا تزعم مصادر تركية في حيدث لمراسلنا في اسطنبول بأن القوى الانقلابية جرى خداعها من قبل الإستخبارات التي إخترقتهم أثناء عملية التحضير لعمليتهم لكنها لم تعرف توقيت تنفيذ الإنقلاب. وهي لم تتفأجيء به بل بموعده وهي لم تسيطر عليه لكن مشاركين فيه عملوا على إفشال المخطط من خلال الفصل بين القوى الانقلابية فنزل بعضها إلى الميادين وتخلفت قوى أخرى ظن صغار ضباطها أن أوامرهم تقضي بالبقاء في الثكنات.

رابعا:
كان من الواضح أن الإنقلابيين لا يزعجون واشنطن في حركتهم بداية وهذا الأمر ظهر في تصريح بارد للوزير جون كيري وفي كلام الأوروبيين عن " إنقلاب كبير في تركيا"
لكن قاعدة أنجرليك التي تضم شبكة للتشويش الالكتروني تابعة للأطلسي إستخدمت لفصل قيادة القوة الجوية عن مطاراتها وطائراتها ما افقدها الفاعلية فنزل أردوغان في مطار أتاتورك بأمان.

خامسا:
القوى الجوية بالاجمال ساندت الإنقلابيين فطائراتهم لم تتعرض لأي مواجهة إلا بعد فشل الانقلاب على الأرض. ما يعني أن هناك جهات في القوة الجوية لم تدافع عن حكم أردوغان إلا بعدما أثبت أنه لم ولن يسقط في ليل أمس.

سادسا:
أي حركة إنقلابية في بلاد يمثل جيشها الشرعية التأسيسية فيها لا يمكن أن تنجح دون دعم شعبي وتقبل من أطراف سياسية لهم إمتداد شعبي، وكون الجيش التركي وثيق الصلة بالأميركيين وبحلف الأطلسي فإن الإنقلابيين ولا شك إما أتصلوا بالأميركيين قبل الإنقلاب أو بعد وقوعه والأمر نفسه ينسحب على المعارضة وشخصياتها وهي لم تتبنى الإنقلاب ولكنها وقفت في وجهه أيضا بنصيحة أميركية وهذه المعلومات دائما على ذمة مراسلي وكالتنا في تركيا.

مراسل وكالة أنباء أسيا في أسطنبول ينقل عن نائب في حزب الشعب الجمهوري إستياء القواعد وكوادر الحزب من موقف قيادته ويصف ما حصل بأنه خيانة للجيش من قبل المعارضين بسبب نصيحة أميركية وجهت لأحزاب المعارضة خلال الساعة الأولى للحركة العسكرية غير المكتملة.

النائب التركي يقول بأن الإنقلابيين لم يتعرضوا للخيانة من المعارضة السياسية فقط بل إن ضباطا مشاركين في التخطيط للحركة العسكرية لم ينفذوا المهمات المنوطة بهم من إقفال للمدن وإعتقال للسياسيين في الحكومة والبرلمان بمن فيهم الرئيس وقطع للإتصالات التي تربط الشرطة والجندرمة وجهاز الإستخبارات بمقراتها الفرعية.

ويروي النائب أن الإنقلابيين ليسوا من جماعة فتح الله غولن وإن جماعة الأخير في الجيش ليسوا فاعلين سوى في الدعاية الاعلامية التي يبثها حزب العدالة والتنمية ضدهم وإنما واقعا هم أقل الجهات تأثيراً على ضباط الجيش ولكن مخاوف أردوغان من فتح الله غولن تدفعه لشيطنته لأنه ينافسه على الشريحة الشعبية ذاتها.
فألمواطنين ذوي الميول العلمانية لن يقفوا مع أردوغان ولم يقفوا معه خصوصا في الانتخابات الأخيرة


هل أصبح أردوغان أقوى في تركيا وفي المنطقة ؟؟

يتعلق الأمر بردود الفعل المتوقعة على تغوله المفترض تنفيذه ضد معارضيه. الأكيد هو أ،ه صياد فرص ماهر. والإنقلاب أعطاه شرعية مطلقة لتنفيذ مخططه في الوصول إلى الحكم الرئاسي المنفرد، سواء عبر الاإستفتاء أو عبر فرض الأمر من خلال تشريعات يقرها مجلس النواب . علما بأنه يمارس هذا الحكم حاليا بفرض الأمر الواقع.

من الأكيد أن فشل الإنقلاب أو نجاحه لن يؤثرا على السياسات التركية في المنطقة إلا بهامش لا يخرج عن الإرادة الأميركية ولن يعاديها لا من موقع التبعية للحلف الأطلسي فقط بل من موقع المصالح الكبرى للدولة التركية أيا يكن من يحكمها ويحرص على علاقة بلاده بالأميركيين.

إنتهى الإنقلاب الفاشل في تركيا لكن مفاعيله لن تنتهي، الرئيس التركي أثبت أنه قوي شعبيا وله أنصار وحزب ناجح تنظيميا لكن هذا النجاح سيتحول حافز لتوحيد المعارضة السياسية والعسكرية ضده.
بالنتيجة من نزلوا إلى الشوارع هم أنصار حزب أردوغان ولا يمثلون كل الشعب التركي. ولو ظهرت للإنقلابيين إمتدادات سياسية علنية لوجدنا أن عدد من ساندوهم في الشوارع مماثل لمن ساندوا أردوغان.

السلبيات على الوضع الداخلي في تركيا أكبر بكثير من الإيجابيات التي سيكسبها أردوغان، ولو كان في الجيش التركي طامحين غير منكشفين ولا نشاط فعلي حالي لهم فإن تحول أردوغان إلى ديكتاتور مطلق الصلاحية ودفعه لمعارضيه إلى زاوية الإنقراض السياسي أو مواجهته ستجعل هؤلاء أكثر خبرة في طرق تنفيذ الانقلابات ومنع أحباطها شعبيا عبر إستقاء الدروس مما حصل يوم أمس.

مقياس إنتصار الرئيس التركي هو نفسه يحسب عليه فشلا ولن يظهر أي من الأمرين إلا بعد وقت يحدد خلاله تفاعل الشعب التركي وقواه الحية مستقبل تركيا الاردوغانية.

البلاد التي يتجرأ فيها ضباط وعناصر من الجيش على إصدار بيان رقم واحد ليست منيعة على الفوضى ولا يبشر مستقبلها ومستقبل حكامها بالخير.

الشعب التركي منقسم ولديه تناقضاته الحادة المخيفة وطريقة تعامل الرئيس التركي مع معارضيه في المستقبل ستحدد هل سيكون الانقلاب عامل تفجير لتركيا أم عامل توحيد لتياراتها المتصارعة وتفادي السلبيات أمر يحتاج لحكيم يسيطر على مقاليد الحكم.....

رجب طيب أردوغان أثبت أنه داهية في السياسة والخطابة وفي التعامل مع أنصار التيار الاسلامي في تركيا والعالم العربي لكنه ليس حكيما بتاتاً.