طريق بغداد - دمشق معركة خط الإمداد الإستراتيجي..

طريق بغداد - دمشق معركة خط الإمداد الإستراتيجي..

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢ يوليو ٢٠١٦

عمر معربوني - بيروت برس -
عبر التاريخ، شكّلت خطوط الإمداد عصب المعركة لجهة تأمين حاجيات القوات العسكرية، خصوصًا عندما تكون المعركة على مساحات شاسعة من الأرض، ما يعني وجود أعباء إضافية في السيطرة على طرقات الإمداد وحمايتها.
وفي توصيف سريع لطبيعة الحرب الدائرة في المنطقة، فإنّنا أمام حرب طويلة لا نمطية تتعدد فيها انماط القتال وتتغير خرائط السيطرة الميدانية بشكل كبير، وتميل في المناطق المفتوحة بشكل أكبر لمصلحة الجماعات المسلّحة التي تعتمد وضع نقاط مراقبة وقنص وتقوم بزرع الألغام والمفخخات ما يشكّل صعوبة في السيطرة على المناطق الواسعة التي تشكل بأغلبيتها في سوريا والعراق مناطق صحراوية وذات تضاريس صعبة ومناخ قاسٍ.
وفي مرحلة مبكرة من هذه الحرب، استطاعت الجماعات المسلّحة ان تسيطر على المناطق الحدودية وتحديدًا في سوريا حيث شكّلت هذه السيطرة اعباء حقيقية على الجيش السوري وسمحت للجماعات المسلّحة عبر الحدود اللبنانية السورية والحدود التركية السورية والحدود الأردنية السورية بإدخال كل ما يلزمها من عتاد وسلاح وعديد بشري ضمن تسهيلات غير عادية، وخصوصًا من الجانبين التركي والأردني. اما الحدود السورية مع العراق فهي شبه مقفلة بسبب سيطرة تنظيم داعش على جانبي الحدود، ما يصعّب عملية العبور بين البلدين رغم ان حلولًا تم العمل عليها لربط البلدين لكنها لم تؤدِّ الغرض المطلوب منها وخصوصًا بعد سيطرة داعش منذ سنة على معبر الوليد – التنف وسيطرته السابقة على معبر القائم – البو كمال، وهنا نذكر أنً عبورًا جزئيًا تمت المباشرة به بعد خوض الجيش السوري معارك بمواجهة داعش في منطقة الضمير وتوسيع سيطرته في منطقتي السين وابو الشامات.
ورغم ان الجيش السوري وحزب الله استعادا السيطرة على الحدود اللبنانية السورية بشكل شبه كامل، وأمّنا حماية عالية للعاصمة دمشق ومحيطها واجزاء كبيرة من المنطقة الوسطى، واقفلا طريق امداد هام للجماعات المسلّحة، إلّا ان لبنان لا يمكن ان يكون خط امداد للجيش السوري لمجموعة من الأسباب اهمها الإنقسام السياسي بين القوى السياسية اللبنانية، مع الإشارة الى ان اقفال الحدود اللبنانية السورية نقل زخم المعركة الى الشمال السوري حيث تشكّل تركيا حاليًا الطرف الأكبر الذي من خلاله يتم تزويد الجماعات المسلّحة بالعديد البشري والسلاح.
امر مهم يجب ذكره، وهو أنّ خطوط الإمداد للجيش السوري تتم حاليًا وبشكل كبير عبر البحر والجو من روسيا وايران، وهو خط امداد لا يفي بالحاجات المطلوبة للمعركة ما يعني خوض المعركة ببطء.
مسألة أخرى لا بد من قولها، وهي ان المشكلة الرئيسية في سوريا هي النقص في العديد البشري للجيش بسبب الحرب المستمرة منذ خمس سنوات ونصف، والتي استنزفت القدرات البشرية من خلال العدد الكبير من الشهداء والجرحى ما ألزم الجيش بتحديد اولوياته واللجوء الى اعادة التموضع وتخفيف عبء السيطرة الجغرافية على مناطق تتطلب اعداد كبيرة من الجنود للحفاظ عليها، ناهيك ان الجيش السوري يستهلك جزءًا كبيرًا من قواته في حماية الطرقات بين المدن الكبرى والمطارات والقواعد الحساسة والإستراتيجية اضافة الى حاميات المدن الكبرى ومنها العاصمة دمشق، ما يعني ان عديد القوات الميدانية المقاتلة هو دون الحد المطلوب بكثير.
وقد يقول البعض ولماذا لا تزيد ايران وحزب الله قواتهما العاملة في سوريا طالما ان الحرب هي حرب تطال الجميع؟ والجواب لمن يعرفون قواعد العلم العسكري وخوض الحروب بسيط وسهل، حيث لا يمكن لحزب الله الذي يوجد على عاتقه مهمات كبيرة في مواجهة الكيان الصهيوني ان يشارك بأكبر من العدد الذي يشارك به، ولا يمكن لإيران دون وجود خط إمداد سريع برّي على وجه التحديد ان تشارك باكثر مما تشارك به ايضًا، حيث لا يمكن لعدد محدود من طائرات النقل أن يؤمن حاجيات عدد يتجاوز آلاف الجنود بينما المطلوب لخوض المعركة وحسمها عشرات الألوف من الجنود، علمًا بأن روسيا حليف سوريا وايران لا يمكنها لمجموعة من الإعتبارات ان تشارك بقوات برية لأسباب عديدة بإستثناء القيام بأدوار تتعلق بالتدريب والإستشارة.
وحتى اللحظة، فإنّ الجماعات المسلحة تتفوق على الجيش السوري بالعديد البشري وبوفرة وقصر خطوط الإمداد عبر تركيا والأردن، وهو ما يفرض هذه الوتيرة من البطء في القتال وفي استعادة السيطرة على المناطق والثبات فيها.
ولأن أميركا تدرك تمامًا النتائج التي ستنتج عن حسم الجيش العراقي لمعركة الفلوجة ومحافظة الأنبار في اعادة ربط بغداد بدمشق وتاليًا طهران، عمدت الى تنفيذ انزال جوي في منطقة البوكمال بواسطة جيش سوريا الجديد الذي اشرفت على تدريبه وتجهيزه في مدرسة القوات الخاصة الأردنية، بهدف السيطرة على المعابر وانهاء أية محاولة من سوريا وبغداد ومعهما ايران لإعادة ربط الجغرافيا ببعضها ما يؤمن تدفقًا كبيرًا بالعديد البشري من ايران عبر الحرس الثوري ومن العراق عبر الحشد الشعبي، وكذلك تأمين الكميات اللازمة من العتاد حيث يمكن ان نعطي مثالًا من خلال قافلة برية تضم 300 شاحنة يمكنها خلال ايام قليلة ان تنقل من طهران الى سوريا ما يقارب 6000 طن من العتاد والذخائر والسلاح، في حين ان اربع طائرات امداد لا يمكنها نقل اكثر من 70 طنًا خلال يوم واحد.
ان حسم معركة المعابر على الجهتين العراقية والسورية سيكون الهدف الأول لأطراف الصراع، وباعتقادي ان تأخير معركة الطبقة والرقة يأتي انتظارًا لإستكمال الجيش العراقي والحشد الشعبي عمليات تنظيف محافظة الأنبار.
في المباشر، فإنه من المؤكد ان عشرات الآلاف من مقاتلي الحشد الشعبي ومثلهم من قوات الحرس الثوري الإيراني سيكون بمقدورهم احداث توازن كبير مع الجماعات المسلحة في العديد البشري وكذلك مجال الإمداد الإستراتيجي، وهو أمر إن تمّ سيتم على مراحل وسيشكل اولوية على باقي الأولويات بما يسرّع حسم المعارك ويعجّل في الوصول الى تسوية تنهي الحرب، وهو ما لا تريده اميركا حيث تسود نزعة الإستمرار في الحرب في اغلب دوائر الإدارة الأميركية، ما يعني ان اميركا لن ترفع راية الإستسلام وستفتش عمّا يلزم لإطالة امد الحرب من خبث وعبث وآليات ومناورات، وهو ما يجب ان يتم الإنتباه منه من قبل اطراف المواجهة وعلى رأسهم روسيا.