أردوغان يصالح “إسرائيل” ويعتذر من بوتين.. لمواجهة إيران وحزب الله

أردوغان يصالح “إسرائيل” ويعتذر من بوتين.. لمواجهة إيران وحزب الله

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢٨ يونيو ٢٠١٦

أحمد الشرقاوي

استدارة أنقرة نحو “إسرائيل” لا تعني بالضرورة أن السلطان أردوغان يسعى لفتح متنفس يعوضه عن الأبواب المقفلة مع أوروبا وأمريكا وروسيا، بقدر ما هو هروب إلى الأمام في مراهنات الرجل المستميتة للظفر بدور إقليمي في سورية والعراق ولبنان في حال نجح في تنفيذ مشروع أسياده في واشنطن وتل أبيب..

وهو رهان يستحيل التراجع عنه لما يمثله من تحدي شخصي للديكتاتور الدموي بعد أن أُقبر أمله في الالتحاق بالقطار الأوروبي بسبب رُهاب الإسلام والخوف من تسونامي اللاجئين والإرهاب، غير أن الظفر بهذا الدور المشرقي يمر حتما عبر تحييد روسيا لهزيمة إيران وحزب الله في سورية انطلاقا من معركة حلب الكبرى التي تعتبر بحق أم المعارك في سورية.

وبغض النظر عن ما ورد في اتفاق المصالحة بين أنقرة وتل أبيب من بنود تفصيلية معلنة والتي من أهمها التضحية بحماس والتنازل عن شرط رفع الحصار عن غزة، فإن الهدف الأساس الذي دفع بالمصالحة إلى الأمام برعاية أمريكية من الباطن، هو ما أعلن عنه “النتن ياهو” من خلال القول، أن “الاتفاق التركي الإسرائيلي هو لمنع إيران من السيطرة على سورية عبر حزب الله”.

ويؤكد هذا المعطى تصريح رئيس أركان القوات الجوية الصهيونية حين قال قبل أسبوع، أن “إسرائيل لا ترغب في هزيمة داعش في سورية، وأنها ستعمل كل ما في وسعها كي لا يحدث هذا الأمر”، لأن هزيمة الإرهاب في الشمال السوري يعني حكما استدارة الجيش العربي السوري والقوات الإيرانية وحزب الله نحو الجنوب، وتحديدا الجولان، أو بمعنى أكثر وضوحا، سقوط مشروع الشرق الأوسط الصهيوني الكبير بالضربة القاضية.

لكن المعضلة كانت ولا تزال تكمن في كيفية تحييد روسيا كي لا تدخل ثانية بثقلها العسكري لمساعدة الجيش العربي السوري وحلفائه في حسم أم المعارك في حلب، والتي قال عنها الرئيس السوري أنها ستكون مقبرة لأحلام السفاح أردوغان الذي يطمح لتحقيق مشروعه الإخونجي الفاشي في المنطقة من مدخل حلب.

كما وأن قول سماحة السيد الأخير أن المعركة الرئيسة ستكون في حلب وما سواها مجرد تفاصيل ميدانية ثانوية، وأن سورية تكون أو لا تكون بحلب، وقوله أن الهدنة التي أقرت بضغوط أمريكية ومن الأمم المتحدة أتاحت لمحور المؤمرة إعادة إحياء القوى الإرهابية التي كانت على وشك الانهيار، هي رسالة ضمنية إلى الروسي مفادها، أن رهانكم على الاتفاق الأمريكي كان فخا عقد الأمور وأعاد خلط الأوراق في سورية، وأن الأوان قد حان لتدفعوا بقواتكم الجوية إلى ساحة المعركة، وأن حزب الله كما إيران والجيش العربي السوري سيضاعفون من قواهم على الأرض وفق ما تم الاتفاق عليه في اجتماع طهران بين وزراء دفاع روسيا وإيران وسورية، وأن لا حل في سورية بعد اليوم إلا بالقتال والنصر.

ولأن عودة الحملة الجوية الروسية إلى سماء حلب وأريافها وصولا إلى الحدود التركية يعني احتمال الصدام مع أنقرة وباريس ولندن واشنطن أيضا التي تعتبر تحرير حلب ومنطقة الشمال خطا أحمرا سينهي الرهان على مشروع التقسيم على طاولة المفاوضات وهزيمة محور المقاومة، فقد سارعت واشنطن للضغط على أردوغان كي يعتذر من بوتين على حادثة الطائرة، ومحاولة خداعه بعودة العلاقات الطيبة التي تعتقد واشنطن أنها ستكون نافذة مغرية ومتنفس لروسيا في ظل الحصار الاقتصادي الخانق المضروب عليها.

لأن اعتذار الرئيس أردوغان شخصيا وخطيا من بوتين، وتعاطفه مع ذوي الطيار الروسي أوليغ بيشكوف وتقديم تعازيه العميقة لأسرته، وقوله أن “روسيا تعد صديقاً وشريكاً استراتيجياً لتركيا، وأن السلطات التركية لا تريد إلحاق أي ضرر بالعلاقات مع موسكو”، اعتبرها الكرملين خطوة أولى في الاتجاه الصحيح وإن كانت غير كافية، في انتظار مزيد من التصرفات الواضحة التي تنتظرها موسكو وفق إعلان الناطق الرسمي باسم الكرملين ديمتري بيسكوف.. هذا في حين قال نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش إن هناك “مؤشرات إيجابية” تدل على إمكانية تطبيع العلاقات بين تركيا وروسيا قريباً، وتحدث المسؤول التركي عن قرار روسي بتمديد تصاريح العمل في روسيا لبعض المواطنين والشركات التركية، وهو القرار الذي تلقته أنقرة بارتياح كبير، ما يؤشر إلى أن موسكو ماضية في اتجاه الانفتاح على تركيا ولو بخطوات مدروسة.

ما من شك أن روسيا ترى مصلحة في عودة العلاقات مع تركيا لأسباب أمنية أكثر منها اقتصادية، نظرا للدور التخريبي الذي تلعبه أنقرة في سورية والقرم والقوقاز وآسيا الوسطى من خلال تجنيد الإرهابيين وتحريضهم على زعزعة استقرار روسيا بمعية “السعودية” و”إسرائيل”.. لكنها تجد نفسها اليوم في موقف دقيق لا تحسد عليه في سورية، خصوصا مع دخول قوات الناتو من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا والسويد وتركيا و”إسرائيل” وأمريكا لمساعدة الأكراد والعشائر والجماعات التكفيرية في الشمال في إطار مشروع رسم خرائط التقسيم على الأرض.

وقد تبين خلال اجتماع اللجنة الدولية المكلفة بمتابعة خروقات إطلاق النار في سورية الخميس المنصرم، أن روسيا طلبت من فرنسا مدها بإحداثيات قواتها على الأرض كي لا تقصفها بالخطأ، وعلمت قناة الميادين من مصادر روسية موثوقة، أن تنظيم “جبهة النصرة” في الشمال السوري تسلم خلال الأسابيع الماضية 100 صاروخ مضاد للطائرات بالإضافة لعدد كبير من الدبابات الحديثة المجهزة بصواريخ متطورة، وهي معدات وأسلحة حديثة وخطيرة كما وصفها الكولونيل الروسي “زوين”، وقدم بيانات رسمية بها بالإضافة لصور الأقمار الصناعية التي تؤكد أن تركيا لا تلتزم بقرار مجلس الأمن في هذا الصدد وأن حدودها تعرف نشاطا محموما لدعم الجماعات الإرهابية في سورية.

لكن الروس، يبدو أنهم تلقوا ضمانات بأن الصواريخ المضاضة للطائرات لن تستعمل إلا بأوامر واضحة من تركيا، وهذا يعني أن الطائرات الروسية لن تكون مستهدفة في حال تجنبت من تعتبرهم واشنطن وأدواتها “معارضة معتدلة” في الشمال.

من الواضح أن هذا المستجد فهم باعتباره ورقة رفعها محور المؤامرة في وجه روسيا، ومفادها، أن الإرهابيين لن يستهدفوها في سورية إذا ظلت على الحياد الإيجابي، لأن العكس يعني عودة استراتيجية أفغانستان التي حسمت الحرب لصالح “القاعدة” بفضل صواريخ ستنجر التي أحدثت مجزرة مروعة في الطيران الروسي آنذاك ودفعته إلى الإنسحاب من سماء المعركة، كما أنها تعني أن روسيا لا يمكنها تهديد تركيا بمد الأكراد بصواريخ مضادة للطائرات كما كانت تلمح من قبل، وأن من مصلحتها الاستفادة من علاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية مع تركيا و”إسرائيل” و”السعودية” وقطر بدل إيران، على أن تُحفظ مصالحها في سورية دون مساس، ولا بأس من أن تستمر في لعب دور المحاور المؤثر من خلال الرهان على الحل السياسي في سورية، في حين أن واشنطن وحلفائها وأدواتها يراهنون على الحسم العسكري بالإرهاب في الميدان.

وبهذا، نحن اليوم أمام مستجدات قد تكون حاسمة في المعركة المقبلة في الشمال، وواضح أن الهدف من عودة العلاقات “التركية – الإسرائيلية” و”التركية – الروسية”، وقبلها التقارب “الإسرائيلي – الروسي” الذي تحدثنا عنه بتفصيل في مقالتنا السابقة، هو إعادة خلط الأوراق في سورية بالتركيز على روسيا من خلال سياسة الجزرة والعصا، ومن نقطة الضعف التي ترعب روسيا، أي تحويلها إلى عدوة وهدف لـ”الجهاديين السنة” من كل أصقاع الأرض كما سبق وهددها الوزير جون كيري صراحة.

وواضح أيضا أن الطاغية أردوغان يحاول من خلال هذه المقاربة الجديدة إبعاد الاهتمام عن الحرب الأهلية الدائرة في بلاده والتي ستستعر لا محالة مع قرار إسقاط عضوية نواب حزب الشعوب الديمقراطي من البرلمان واعتقالهم، وهو بذلك يضمن انخراط المؤسسة العسكرية والحزب القومي التركي في محاربة ما يسميه بإرهاب الأكراد في الداخل، وتحيل الأنظار إلى ما يحدث في الشمال السوري من صدام إقليمي ودولي يتطلب رص الصفوف وراء الزعيم لما فيه مصلحة قومية تركية في المنطقة.

وبهذا المعنى، تكون واشنطن المنشغلة بحملة الانتخابات الرئاسية قد فوضت تحالف “السعودية – تركيا – إسرائيل – قطر – الأردن” مهمة مواجهة إيران وحزب الله في الميدان من خلال جحافل “جبهة النصرة” والجماعات التكفيرية المرتبطة بها وصولا إلى إسقاط دمشق.

وهذا بالتحديد هو ما أعلنه الوزير لافروف قبل أيام بقوله، “لدي انطباع أن أمريكا وحلفائها يسعون لتوظيف جبهة النصرة والجماعات الإرهابية المرتبطة بها لإسقاط الرئيس الأسد”.

وسلسة التفجيرات التي عرفها لبنان اليوم الإثنين، لا يمكن قراءتها بمعزل عن المشهد العام الذي يرتسم في سورية، لإنها تمثل رسالة واضحة مؤداها أن لبنان سيكون معرضا للتفجير في حال لم ينسحب حزب الله من معركة حلب، وهو وحده من يتحمل مسؤولية ما يحدث للبنانيين من إرهاب، لأن الأمر وفق هذا المنطق التبريري لمحور المؤامرة يعني، أن التكفيريين يستهدفون لبنان للانتقام من حزب الله الذي يقاتلهم في سورية..

وبذلك، نكون أمام بوادر مخطط فتنوي جديد للتأثير على معنويات حزب الله ومحاولة كسر إرادته في سورية.. ولا نعرف ما الذي تحضر له “إسرائيل” لتزيد الصيف سخونة بإضرام مزيد من النار في لبنان وسورية والمنطقة.

كما لا نعرف كيف ستتصرف روسيا تجاه هذه المستجدات لأن لموسكو حساباتها الإقليمية والدولية التي تختلف عن حسابات محور المقاومة.

أما إيران وحزب الله والجيش العربي السوري والمقاومات الشعبية والحشد الشعبي… فنعرف أنهم اختاروا القتال والنصر وقرروا المواجهة مهما كانت التضحيات والأثمان.