الحزب الجمهوري أمام امتحان: الملياردير ترامب في أزمة مالية

الحزب الجمهوري أمام امتحان: الملياردير ترامب في أزمة مالية

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢٨ يونيو ٢٠١٦

الحزب الجمهوري في أميركا أمام امتحان مصيري قبل المواجهة الأخيرة مع منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون في تشرين الثاني المقبل. إمّا أن يدعم مرشحه المفترض دونالد ترامب الغارق في تناقضاته وتراجع شعبيته وأزمة حملته المالية، أو أن يتركه وحيداً في السباق إلى البيت الأبيض، مفسحاً المجال للديموقراطيين بالفوز.
ومع أنّ ترامب تعهد باعتماد لهجة أقل حدة وأكثر تصالحاً في مقابلة مع «فوكس نيوز» الأميركية الشهر الماضي، إلاّ أنّه لم يقم بذلك، ما يثير أكثر قلق المسؤولين في الحزب الجمهوري، في حين تركز كلينتون، التي تعتمد على خبرتها الطويلة في السياسة الخارجية، على أن «شخصية ترامب لا تتلاءم» مع المنصب الرئاسي، وأنه غير مؤهل للقيادة.
وأثار وجود ترامب في اسكتلندا لتدشين ملعب للغولف بدلاً من مواصلة الحملة الاستغراب والمخاوف حول قدرته على التركيز على السباق إلى البيت الأبيض. اغتنم الأخير الزيارة كفرصة لإعادة إحياء مواقفه السابقة المؤيدة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واعتبر من هناك أنّ قرار خروج المملكة المتحدة من الاتحاد «شيءٌ عظيم»، جالباً لحملته مزيداً من الانتقادات، تماماً كما فعل بعد حادثة أورلاندو الشهر الماضي، حيث أصرّ في تغريدة على موقع «تويتر» بعد الهجوم بساعات على موقفه بشأن ما يصفه بـ «الإرهاب الأصولي الإسلامي»، ما سبّب تراجعاً في شعبيته وفقاً لاستطلاع رأي أجري بعد المجزرة، نشرته صحيفة «واشنطن بوست» وقناة «ايه بي سي». وأظهر تراجعاً في شعبيته في مقابل ارتفاع كبير في شعبية الرئيس باراك أوباما حتى 56 في المئة، في أعلى مستوى منذ أيار العام 2011 عندما قُتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن.
لكن المرشح الواثق بنفسه، والذي استطاع إزاحة 16 مرشحاً محتملاً نافسوه في السباق على ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية، لا يهتم لمثل هذه الانتقادات. وقال للصحافيين، رداً على تظاهرة في اسكتلندا، أنّ دعم الشعب الأميركي له هو ما يهتم به فقط. إلا أن الاستطلاع الأخير، أظهر تراجعاً كبيراً للمرشح الجمهوري في مقابل تقدم هيلاري كلينتون بأكثر من 10 نقاط. وستحصل كلينتون، بحسب الاستطلاع، على 51 في المئة من الأصوات مقابل 39 في المئة لترامب، إذا جرت الانتخابات الآن. وقد ترجم هذه الاستطلاع عدم الارتياح المتنامي بين الجمهوريين جراء تصريحات ترامب الشديدة اللهجة ومواقفه في السياسة الخارجية.
«حملة كلينتون تتقدم على حملة ترامب بسنوات ضوئية» بحسب المحلل ومدير مركز السياسة في جامعة فرجينيا لاري ساباتو، في حين خرجت الشائعات بوجود خلافات داخل معسكر ترامب حول الطريقة الأمثل لمواجهة كلينتون. وضغط أبناء ترامب البالغون دونالد الابن وأريك وإيفانكا من أجل الاستغناء عن مدير حملته المثير للجدل كوري ليفاندوفسكي، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، بحجة أنّه غير مؤهل للحملة الأخيرة.
ويسعى الحزب الجمهوري إلى ترتيب بيت ترامب قبل الاقتراع الرئاسي في الثامن من تشرين الثاني المقبل، إذ أشار مقرب من ترامب إلى أنّ «ليفاندوفسكي أجبر على الاستقالة ومغادرة الحملة، بسبب علاقته السيئة بالحزب الجمهوري ومسؤوليه»، في حين استقبل بعض داعمي ترامب قراره إقالة مدير حملته بالترحيب. ووصف النائب الجمهوري توم ريد القرار بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح.

متاعب مالية
وتواجه حملة الملياردير دونالد ترامب متاعب مالية جراء تقلص مواردها. و«قطب العقارات» في موقف حرج بسبب ضائقة مالية شديدة تعانيها حملته، فهو لا يملك سوى 1.3 مليون دولار بحسب تقارير رفعها قبل اسبوع إلى مفوضية الانتخابات الفدرالية، بعد أن استجابت حملته للتدقيق والاستجواب من قبل الجهات الفدرالية لمراقبة أموال الانتخابات والجهات الإعلامية، وهو مبلغ يعتبر ضئيلاً بشكل استثنائي في التاريخ الحديث للحملات الانتخابية الكبرى، بعكس ما غّرد على موقع «تويتر» قبل أقل من شهر من أن لدى حملته «أموالاً أكثر من أي حملة أخرى على الغالب في تاريخ الولايات المتحدة». وفي المقابل، فإن منافسته كلينتون، التي تحظى بدعم مانحين كبار، تملك، حتى 31 أيار الماضي، أكثر من 42 مليون دولار.
وفي حين يحاول ترامب تقليص الفارق المالي بينه وبين منافسته كلينتون، طالب الصحافي في «واشنطن بوست» جورج ويل، الذي غادر الحزب الجمهوري، بعدم توفير المال لترامب، مشيراً إلى أن «المانحين الجمهوريين لم يكونوا يوما بالأهمية التي هم عليها اليوم، ويمكنهم إنقاذ حزبهم بالامتناع عن مساعدة مرشحهم».
لكن ترامب يبدو مصرّاً على التناقض في إظهار مدى قدرته على تمويل حملته، فهو يعفي تارةً حملته من قروض بقيمة 50 مليون دولار، بحسب ما أكّد المدير المالي لحملته في مقابلة مع شبكة «سي إن بي سي» الأربعاء الماضي، ويشارك تارةً أخرى في حفل نُظم الأسبوع الماضي لجمع الأموال في نيويورك مع جهات كبرى مانحة من الحزب الجمهوري لهبة لا تقل عن 25 ألف دولار للشخص، منها 2700 دولار ستخصص لحملة ترامب فقط والباقي للحزب الجمهوري. ووعد ترامب أنصاره بالمساهمة شخصياً بدولار لكل دولار يمنح لحملته خلال 48 ساعة، بحسب ما أشارت صحيفة «وول ستريت جورنال».
وشكّك البعض بالثراء الفاحش للملياردير الذي أكّد الشهر الماضي أنّ ثروته تفوق عشرة مليارات دولار، أي مرتين أكثر من تقديرات مجلة «فوربس»، ما دفع ملياردير التكنولوجيا الشهير مارك كوبان، الذي أعرب عن رغبته بالترشح لمنصب نائب الرئيس لأي من المرشحين ترامب أو كلينتون في وقت سابق، إلى التساؤل «لو أنّ ترامب ثرياً كما يدعي، لكتب شيكاً بقيمة 200 مليون دولار لدعم حملته الانتخابية. لذلك عليه الاعتراف بأنه لا يملك المال لتمويل حملته، وعليه البدء بالبحث عن متبرعين سريعاً. فهو بالكاد يملك 165 مليون دولار نقداً، وحملته ستكلف 750 مليون دولار إضافية».
ويظهر تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ 17 في المئة من إجمالي نفقات الحملة حتى الآن كانت لشركات متصلة بترامب، إذ دفع الأخير 11 مليون دولار تقريباً لمؤسسات تابعة له منذ إطلاقه حملته منذ العام الماضي. وعلقت نظيرته الديموقراطية، على التقرير في تغريدة على «تويتر»، قائلة: «علام يُنفق ترامب موارد حملته الشحيحة؟ على نفسه، بالطبع». كما وضعت في التغريدة رابطاً لتغريدة أخرى لصحافي أميركي يعرض فيها صورة تُظهر قائمة من الشركات المستفيدة من دفعات من حملة ترامب، وجميعها تحمل اسمه. وأشار تقرير لوكالة «رويترز» إلى أنّ لجنته أنفقت 423 ألف دولار لنادي «مرالغو» الخاص في فلوريدا الذي هو ملك للملياردير حيث نظم مؤتمرات صحافية عدة في آذار الماضي، كما تم توقيع شيكات للشركة التي تتولى إدارة أسطول طائراته (350 ألف دولار) ومطاعم ترامب (125 ألف دولار) وبرج ترامب في نيويورك (170 ألف دولار) حيث تستأجر حملته مكاتب.
على الرغم من فوزه بالعدد الكافي من الأصوات للترشيح، فإن أمام ترامب أقل من شهر للحصول على تأييد الحزب الجمهوري للفوز في مؤتمره العام الذي سيعقد في الفترة ما بين 18 و21 تموز المقبل. ويدعو الجمهوريون ترامب بشكل غير مباشر، إلى التخفيف من لعب دور الرجل الّذي يقول الحقيقة، ثم تصحيح مسار حملته قبل المرحلة النهائية والحفاظ على صعوده المباغت، فالخطوات الأخيرة الناقصة بإقالة مدير حملته، تحتاج إلى التخلي عن جزء من جاذبيته لدى أميركيين، والتي تمثّلت بخطابه الذي يوصف بالعنصرية إزاء الأقليات من المهاجرين اللاتينيين والمسلمين. وعليه إظهار ما في جعبته من دون تناقض، إن كان يحمل أجندة سياسية واقتصادية واضحة المعالم.