العالم يحصد ما تزرعه السعودية

العالم يحصد ما تزرعه السعودية

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ١ يونيو ٢٠١٦

ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية:

أحبطت المملكة العربية السعودية صنّاع السياسة الأميركيين لسنوات طويلة. ففي الظاهر هي حليفٌ حاسم، تحميه الأسلحة والمساعدات الأميركية من أعدائه، لكنها أنفقت ـ في الواقع ـ الملايين التي لا تحصى لتعزيز الوهابية، تلك الحركة السنّية المتطرّفة التي ألهمت خاطفي طائرات 11 أيلول، والتي تغذّي حالياً تنظيم «داعش».

أما الفصل الأخير لهذا التاريخ الطويل والمأسوي، فهو التورّط الفاضح لكوسوفو الصغيرة. ذلك البلد الذي لا يتخطى عدد سكانه 1.8 مليون نسمة، والذي أرسل إلى الحرب النسبة الأعلى من شبابه أكثر من أيّ بلد آخر، بهدف القتال والموت في العراق وسورية. فمنذ عام 2012، انضمّ حوالى 314 كوسوفياً إلى تنظيم «داعش»، بينهم انتحاريان، 44 امرأة و28 طفلاً. وحتى بلجيكا التي يُنظر إليها بصفتها مرتعاً كبيراً لاحتواء التطرّف بعد الهجمات الأخيرة التي طاولت باريس وبروكسل، يبدو أنها متخلّفة في معدّلات التوظيف قياساً بكوسوفو.

وكما أوضحت كارلوتا غال في مقالٍ نُشر مؤخراً في صحيفة «تايمز» البريطانية، حول التأثير الكبير للمملكة السعودية وغيرها من دول الخليج على الحراك الديني في كوسوفو، وذلك بسبب تاريخها الطويل في تمويل بناء المساجد وتطوير شبكة الأئمة فيها. وبينما لا نملك أيّ دليل حسّيّ ومباشر حول تقديم الأموال للكوسوفيين لإقناعهم بالذهاب للقتال في سورية والعراق، إلا أن غال تؤكد أن رجال الدين والجماعات المتطرّفة، قد أنفقوا مبالغ طائلة لتعزيز الفكر الإسلامي المتطرّف بين الشباب الضعفاء.

وكان فاتوس ماكولي رئيس شرطة مكافحة الإرهاب قد أخبر غال أن المسألة تكمن في دعم هؤلاء المفكّرين الذين يملكون تأثيراً على الآخرين، والمروّجين لفكرة القتال في سبيل حماية الإسلام.

ساعد كلٌّ من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي «الناتو» كوسوفو في نيل استقلالها من الصرب عام 2008، وفي إقامة نظام ديمقراطيّ هناك. لذا، يُنظر إلى استخدام السعودية لكوسوفو على أنها موطن التطرّف، أو السماح باعتبار أراضيها ولاية سعودية يمكن لأيّ مواطن سعودي التحرّك فيها بحرّية، على أنه تذكير قاسٍ بالسلوك المتناقض والازدواجي الذي ينتهجه شركاء الولايات المتحدة في الخليج، والذي يساعد في تفسير أسباب اضطراب العلاقات بين الولايات المتحدة وهذه الدول مؤخراً على نحوٍ متزايد.

أُنقذت كوسوفو من الظلم الصربيّ بعد شهور قليلة من قصف الناتو عام 1999، اشتهر الشعب الكوسوفي بأنه متسامح ومسالم. وعلى مدى قرون انتهجت الغالبية المسلمة هناك السير وفقاً لمعتقدات المذهب الحنفيّ الليبرالي الإسلامي، الذي يدعو دوماً إلى تقبّل الآخر. ومنذ الحرب، تعرّض هذا التقليد إلى تهديد الأئمة المدرّبين في السعودية، والمموّلين من قبل الجمعيات الخيرية التي ترعاها السعودية، والداعين إلى تطبيق القانون وفقاً لأحكام الشريعة، والمشجعين على تعزيز الجهاد العنيف والفكر التكفيريّ، الذي يجيز قتل المسلمين المتهمين بالزندقة.

قاوم معظم سكان كوسوفو هذا التبشير، ويؤكد بعض المهتمين أن الدعم الذي حظيت به البلاد من قبل الغرب والولايات المتحدة بقي واضحاً وفعالاً. ومع ذلك، أشار الخبراء أيضاً إلى مجموعة من الأسباب التي جعلت البلاد أرضاً خصبة لتوظيف الإيديولوجية الراديكالية وتثبيتها: معاناة عدد كبير من سكان المناطق الريفية من الفقر وقلّة فرص العمل الفساد وضعف الثقة بمصداقية الحكومة ووفقاً لتقرير مركز كوسوفو للدراسات الأمنية، النظام التعليميّ الذي لا يحضّ على التفكير النقدي.

يبقى من غير الواضح، أسباب عدم تحرّك كلّ من حكومة كوسوفو، والولايات المتحدة ومسؤولي الأمم المتحدة الذين تعاقبوا على إدارة أمور ما بعد الحرب في كوسوفو، بشكل أسرع وأكثر فعالية. فقد أخطأ الأميركيون في افتراض أن المجتمع الديني المعتدل هناك قد يمنع التطرّف من الانتشار والتغلغل.

وما لبثت أحداث 11 أيلول أن أوضحت حجم المخاطر والتهديدات المنتظرة. إذ أغلقت جمعيات ومنظمات سعودية عدّة في كوسوفو، أما الحكومة السعودية التي أبدت تعاوناً كبيراً مع دعم هذه المنظمات، فبدأت بخفض أو قطع إمداداتها لهذه الجمعيات، المساجد والمارس الدينية. وفي المقابل، زادت كلّ من الكويت والإمارات العربية المتحدة من مساعداتها للإسلاميين المتشدّدين في كوسوفو.

من الواضح أن الدول الإسلامية السنّية لا تزال غير قادرة على استيعاب حجم المخاطر التي تنتجها هذه الإصدارات الإسلامية المتطرّفة. وعلى رغم اعتماد السعودية على رجال الدين الوهابيين لسنّ تشريعاتهم السياسية، فإن «داعش» يتّهمهم دوماً بأنهم عبارة عن نظام ملكيّ فاسد بسبب نيتهم الاحتفاظ بالسلطة السياسية. ومنذ عام 2014، تعرّضت المملكة لعشرين هجوماً إرهابياً، اعترف «داعش» بتنفيذ معظمها.

تعمل الحكومة الكوسوفية، جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة، على مكافحة التطرّف من خلال تبنّي قوانين جديدة لمكافحة الإرهاب، تضييق الخناق على عمليات تبييض الأموال التي تنتهجها المجموعات الإرهابية باستمرار، وتعزيز تحقيقات الشرطة. ويبدو أن تدفق المقاتلين الكوسوفيين إلى القتال مع تنظيم «داعش» قد انخفض إلى الصفر في الأشهر القليلة الماضية، في حين انخفض عدد الكوسوفيين في ساحات القتال إلى 140 مقاتلاً.

ومع ذلك، فلا يزال هناك إمامان من الواعظين على الأقلّ في بريشتينا، عاصمة كوسوفو، يعملان على الدوام على اجتذاب الشباب اليافعين. هناك الكثير من العمل الدؤوب المفترض القيام به لحماية الاستقلال وروح التعاون والتسامح التي عملت كوسوفو جاهدةً في ما مضى على بنائها وتحقيقها.

تشابه «إسرائيل» مع السعودية

يبدو واضحاً للعيان، أن «إسرائيل» والمملكة السعودية، هما عدوّان لدودان، وأن العلاقات الدبلوماسية في ما بينهما لم تكن يوماً أسوأ. وفي النهاية، فإن السعوديين دافعوا بشراسة عن الفلسطينيين الذين يتعرّضون للاضطهاد من قبل «الإسرائيليين». في وقت يرى «الإسرائيليون» أنهم محاصرون على الدوام من قبل المتطرّفين الإسلاميين، وكثيرون من هؤلاء المتطرّفين المندفعين بأفكارهم التكفيرية، يتحدّرون من المدرسة الوهابية الإيديولوجية التي وُلدت وترعرت في السعودية.

لكن، ما يرزح تحت سطح هذا الواقع، أن لدى هذين الخصمين اللدودين الكثير من القواسم المشتركة، والنقاط التي تمعن في الإبعاد بينهما.

تشيع الإشاعات، عن حتمية وجود علاقات ناشئة في ما بين البلدين منذ سنوات ماضية، مع احتمال أن يكون البلدان قد عقدا عدداً من الاجتماعات السرّية لتبادل المعلومات الاستخبارية. وفي عام 2015، أكد مسؤولون سعوديون و«إسرائيليون» سابقون أنهم عقدوا ـ في الحقيقة ـ سلسلة من الاجتماعات الرفيعة المستوى للبحث في الاهتمامات المشتركة مثل تزايد نفوذ إيران في العراق وسورية واليمن ولبنان، فضلاً عن برنامج إيران النووي.

وكان شمعون شابيرا، وهو أحد المسؤولين المشاركين في الاجتماعات السرّية مع السعوديين، قد صرّح قائلاً: «اكتشفنا أننا نتشارك الاهتمامات والمشكلات والتحدّيات نفسها، وبعضاً من الإجابات نفسها».

وفي الخامس من أيار الفائت، التقى الأمير تركي بن فيصل، الرئيس السابق للاستخبارات والسفير السعودي لمرّة واحدة في واشنطن، مع اللواء «الإسرائيلي» المتقاعد يعقوب عميدرور، وهو المستشار الأمني السابق لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، وتحدّثا معاً في العاصمة واشنطن، وذلك خلال حفل للجناح السياسي للّوبي «الإسرائيلي» «آيباك». وقد أظهر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى من خلال بثّ مباشر ـ أونلاين ـ أنه قد حان الوقت أخيراً لخروج كلّ من الولايات المتحدة و«إسرائيل» من هذه الخزانة التي حبسا نفسيهما فيها معاً لفترة طويلة.

وفي ما يلي بعض الصفات المشتركة بين السعودية وإيران:

يتشارك الإثنان في قمع الجماعات غير المهيمنة والتي تعيش على حدودها. تقمع «إسرائيل» الفلسطينيين، تبني المستوطنات على أراضيهم، وتحيط قراهم بجدار الفصل العنصري وبجنودها المدجّجين بالأسلحة. وضعت المملكة السعودية نظاماً سياسياً واقتصادياً يضطهد أيّ مسلم غير سنّي في المملكة، كالشيعة على سبيل المثال، وغيرهم الملايين من النساء والعمّال المهاجرين إلى البلاد. يستجيب كلا البلدين للمعارضين السياسيين بوسائل متشابهة، يستخدمون القوة المفرطة، والاعتقال التعسفي إلى آجالٍ غير مسمّاة، ناهيك عن التعذيب، والعقاب والترهيب.

غزت كلاً من «إسرائيل» والسعودية الأراضي المجاورة لها، وقتلت الآلاف من المدنيين. اجتاحت «إسرائيل» غزّة وقصفتها ولا تزال منذ عام 2008 وفي عام 2014 فقط، قتل الجيش «الإسرائيلي» 2104 من البشر، معظمهم من المدنيين، ودمّر 17200 منزلاً وترك 475000 شخصاً يعيشون في ظروف مأسوية. أقحمت السعودية نفسها في العلاقات الداخلية لجارتها ليمن. وفي آذار عام 2015، عملت على إطلاق حملة قصف مروّعة ما أسفر عن مقتل أكثر من 6000 يمنيّ، معظمهم من المدنيين، كما طاولت هذه الحملة الجوّية الأسواق والمدارس والمستشفيات والمساكن وحفلات الزفاف، وشرّدت أكثر من 2.5 مليون شخصاً. كلا البلدين يستخدمان الأسلحة المحرّمة دولياً: استخدمت «إسرائيل» الفوسفور الأبيض في غزة ويستخدم السعوديون القنابل العنقودية في اليمن.

يلعب الدين دوراً بارزاً في سياسة كلا البلدين. فـ«إسرائيل» هي «الوطن القومي للشعب اليهودي»، وتحلّ القوانين الأساسية لـ«إسرائيل» مكان دستور الدولة اليهودية. يتمتع اليهود بمعاملة خاصة تفضيلية، كمثل حقهم في الهجرة إلى «إسرائيل» ساعة يشاؤون، ليصبحوا تلقائياً مواطنين في مواجهة المسلمين الذين يعانون من التمييز اليومي ويُعاملون على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية. وفي السعودية، وتحديداً في مكة، والتي تشكل المكان الأقدس لدى المسلمين، وتعتبرها السعودية مركزاً عالمياً للإسلام، يمكن للمسلمين فقط أن يُعاملوا كالمواطنين السعوديين، بينما تتعامل السلطات مع غير المسلمين على أنهم مواطنين من الدرجة الثانية.

يصدّر كلا البلدين «منتجات» مروّجة للعنف. فـ«إسرائيل» هي من البلدان الرئيسة المصدّرة للأسلحة وتعمل على تدريب الشرطة في الدول الأخرى بما فيها الولايات المتحدة على التقنيات القمعية. تصدّر السعودية التفكير القمعي السنّي الإيديولوجي والمسمّى «الوهابية»، وتنشره في جميع أنحاء الشرق الوسط وشمال أفريقيا. وتشكل الوهابية الأساس العقائدي الرئيس لـ«القاعدة» و«داعش».

من منطلق يقول: «عدوّ عدوّي صديقي»، يبدو أن الاتفاق على كره إيران سيؤدّي حكماً إلى جمع القطبين على أمرٍ أساسيّ وفي غاية الأهمية. ينظر الطرفان إلى إيران على أنها تشكل تهديداً وجودياً ومخيفاً بسبب تنامي قدراتها وتأثيرها في المنطقة. عارض البلدان الاتفاق النووي الإيراني الذي اعتبر فوزاً كاسحاً للدبلوماسية الإيرانية، وهما مصمّمان على منع الولايات المتحدة من تحقيق أيّ تقارب مع إيران.

دعم كلا البلدين الانقلاب العسكري الذي حصل في مصر، والذي قاده المشير عبد الفتاح السيسي، والذي أطاح بحكومة منتخبة ديمقراطياً، وقاد إلى موجة من الاعتقالات أدّت إلى سجن أكثر من 40000 معارض. موّلت السعودية انقلاب السيسي بمليارات الدولارات، وتعاونت مع مصر مع «إسرائيل» للإبقاء على الحصار في غزّة.

دعم كلّ من الحكومتين السعودية و«الإسرائيلية» الجماعات المتطرّفة في سورية، كـ«جبهة النصرة»، إحدى فلول «القاعدة» هناك، وانشغلا بالعمل على الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد المتحالف مع إيران، أكثر من تركيزهم على دحر تنظيم «داعش». بعث السعوديون بالأسلحة والأموال لـ«جبهة النصرة» عالجت «إسرائيل» جرحى هذا التنظيم الإرهابي في مستشفياتها، لترسلهم في ما بعد لقتال الجيش السوري. كذلك، عمدت «إسرائيل» إلى قتل المستشارين اللبنانيين والإيرانين الذي كانوا يساعدون حكومة الأسد في قتالها ضدّ «جبهة النصرة».

سجن كلا البلدين الآلاف من السجناء السياسيين، وكذلك القاصرين. وفي شباط 2016، كانت السجون تحوي ما لا يقلّ عن 6204 من السجناء الفلسطينيين، منهم 438 من القاصرين. وعدد من هؤلاء سجنوا لاتهامهم برمي الحجارة على الجنود «الإسرائيليين». أعدمت السعودية عدداً من القاصرين اليافعين، ويواجه حالياً ثلاثة من القاصرين أحكاماً بالإعدام بسبب اتهامهم بالمشاركة في احتجاجات سلميّة غير عنفيّة في البلاد.

أنفق كلا البلدين المليارات من الدولارات للتأثير في سياسة الولايات المتحدة. فالحكومة «الإسرائيلية» تعمل جاهدة وعلى الدوام من خلال منظمة «آيباك» لجنة الشؤون العامة الأميركية ـ «الإسرائيلية» ، وهي عبارة عن جماعة الضغط السياسية الخارجية الأكثر نفوذاً في الولايات المتحدة. وها هم السعوديون يستحدثون نسختهم الخاصة المسماة «سابراك» لجنة شؤون العلاقات العامة السعودية ـ الأميركية . بعد أن جهدوا طوال سنوات لشراء النفوذ عن طريق التعاقد لتوطيد العلاقات العامة المؤثرة وقانون الشركات مثل مجموعة «بوديستا»، والتبرّع لمؤسسة كلينتون، ومؤسسة كارتر وغيرها العشرات من مراكز البحوث والجامعات.

كلاهما يشكلان حليفان رئيسان للولايات المتحدة. فالإدارة الأميركية دعمت «إسرائيل» منذ تأسيسها عام 1948 كذلك دعمت الملوك السعوديين منذ تأسيس مملكتهم عام 1932. دعمت الولايات المتحدة وضمنت أمن البلدين. يدفع الشعب الأميركي من ضرائبه سنوياً حوالى 3 مليارات لدعم الجيش «الإسرائيلي» يحمي الجيش الأميركي الخليج الفارسي لمصلحة الملكية السعودية، فضلاً عن أن السعودية هي الشاري الرقم واحد بالنسبة إلى الأسلحة الأميركية.

يرى بعض المراقبين أنه من الجيد أن يدفن السعوديون و«الإسرائيليون» أحقادهم للعمل على إيجاد أرضية مشتركة بينهما. غير أن مسار السلام في الشرق الأوسط لن يساهم في تعزيز التعاون بين السعودية و«إسرائيل». على «إسرائيل» تحقيق السلام أولاً مع الفلسطينيين وعلى السعودية إصلاح علاقاتها مع إيران. وإلا، فإن التواطؤ السعوديّ ـ «الإسرائيليّ» سوف يؤدّي إلى المزيد من الحسرات والآلام في المنطقة.