فنجان قهوة يكشف أسراراً استخباراتية أثخنت داعش في الفلوجة

فنجان قهوة يكشف أسراراً استخباراتية أثخنت داعش في الفلوجة

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٢٩ مايو ٢٠١٦

صافحنا الجنود خلف الساتر وجلسنا على صناديق الذخيرة لنشرب قهوتنا التي طبخت في قِدر للطعام، ونشربها نحن في علبة كوكاكولا مقصوصة، ما السر وراء القهوة؟ سرها استخباراتي يحمل خبايا سنكتشفها عند قراءة الفنجان. هل هي مزحة؟ لا أبداً، هكذا كان الرد. فأسرار فنجان القهوة مكنتنا، والحديث للجنود، قبل قليل من تنفيذ ضربات صاروخية بدقة قتلت 11 عنصراً من داعش، وبفضول أعلمناهم أننا تاخرنا، فطلبنا الإسراع لتقديم المزيد من القهوة والمزيد من الأنباء التي بدت مشوقة.

طحن حبوب البُنّ متناولاً حبوب الهال وعلى خرطوشة قذيفة المدفع أوقد خشباً. أين نحن؟ عند الساتر. في أي ساتر ؟ عند حي الشهابي في الفلوجة. هل الوقت مناسب لارتشاف القهوة؟ لاضير في تجربة ذلك. مر القهوة ليس بأسوأ من مر الخيانة. قالها مقاتل في الجيش العراقي ساخراً بألم. في الخطوط الأمامية تعلن الأرواح ثورتها على أي نفاق أو تزويق لمفردة. المباشرة والوضوح في الحديث كرائحة البارود في سواتر الفلوجة.

خمسة أيام كانت كفيلة بإحكام الطوق على داعش في الفلوجة وتضييق الخناق عليه إلا أمتار حالت صعوبة الميدان وأرض وعرة أغرقها التنظيم بمياه الفرات، دون وصول القوات العراقية للجسر القديم غرب المدينة لمنع إمداد داعش في الفلوجة عبر جزيرة الخالدية.

حزام ناري اشتعل مستهدفاً مسلحي التنظيم، وقصف لا ينقطع ضجيج قذائفه عمن يتواجد في الميدان. فبتنا لا نعرف هل الصوت لإطلاقة القوات العراقية أم لسقوط مقذوفات داعش. طلبنا شرحاً لحقيقة ما يجري في حزام عمليات حي الشهداء جنوب الفلوجة فكان الرد أن ثمة رصد مستمر لحركة مسلحي التنظيم المستمرة ما يفرض استهدافاً مستمراً. وكيف هو الوضع على الخريطة؟ الوضع على الخريطة باختصار شديد، كيلومتر واحد أو يزيد أمتاراً معدودة يفصل بيننا وبين العدو. والأرض المحرمة هي مبان للدولة العراقية ومدارس ورياض أطفال. إذاً لما القصف وقد انتهت المرحلة الاولى من عمليات تحرير الفلوجة؟لإدامة زخم النار ومنع داعش من فتح جبهة مشاغلة، ثانياً والحديث لضابط رفيع، لا فاصل بين مراحل العمليات. وداخل المدينة بحسب الرصد الصوتي جنسيات عربية وأجنبية، وأغلب هؤلاء انتحاريون. لن يكونوا وقوداً للحرب بلا صدى، وهم في أعلى درجات الانكسار النفسي، فلا عزيمة ولا خطط ولا تخطيط. شغلهم الشاغل القتال لأجل القتال. كم عددهم.. هل من رقم تقريبي؟ يجيب قائد عسكري مجاور يتضح من زيه أنه مسؤول في قيادة الحشد الشعبي: همنا إن تحدثنا بالأرقام محصور في خلاص المدنيين, إن لم يكن عبر المنافذ الانسانية الثلاثة, فعلى الأقل توجيه من بقي داخل المدينة, هنا مذياع بشيفرة مفتوحة لبث التبليغات العسكرية، وسماء الصيف في الفلوجة تمطر منشورات تحمل توجيهات للمدنيين.

انتقل فريق الميادين إلى فناء يقع خلف الموقع العسكري بجوار ساتر الشهابي يسأل عن القهوة التي وعد بها، لكنها لم تكن جاهزة, عموماً كان الفريق على موعد مع رسالة بث مباشرة عبر الهواء لنقل آخر التطورات الميدانية لعمليات تحرير أبرز أقضية محافظة الأنبار العراقية ضمن نشرة إخبارية، وانتقل من الرسالة لإعداد تقرير. الوضع أهدأ نسبياً في الجبهة الواقعة شرق الأنبار بعد تحرير أغلب محيط الفلوجة واقتصار المواجهة على تبادل قصف صاروخي في عملية جس نبض من كل طرف للآخر. سألنا عن مشاركة سلاح الطيران العراقي ومدى فاعليته؟ فكان الجواب مقتضباً نحتاج للمزيد. فعملية الفلوجة والحديث هنا لقائد في الحشد الشعبي, عملية كسر عظم الإرهاب, في أولى الولايات التي احتلها في العراق. التحالف بقيادة واشنطن، وبرامج وسياسات الجار لا تتقاطع والعمل الوطني في العراق، ولا بد من إنجاز عراقي خالص.هل في الأمر شيء من السياسة؟ نسأل القائد الوحيد في الحشد وكأننا نعرف الجواب . ليس شيئاً من السياسة. كله سياسة، سياسة استنزاف، سياسة تأجيج وتقسيم، سياسة تخويف، سياسة مجهول دون ملامح. ولا خيار لنا إلا إفشال هذه السياسات ونحن عازمون على ذلك.لكن اسمح لي هنا بسؤال ما مدى إيمان العربي السني بجهودكم؟ يأتي الرد سريعاً وبانفعال من قائد في الحشد العشائري يتجهز للصلاة: سؤال غريب. الجيش العراقي والقوات الساندة بكل صنوفها، جاءت لتخليص أبناء الفلوجة، وهي قوات عراقية لتحرير أرض عراقية وتخليص العراقيين. أمهاتنا في الفلوجة كأمهاتنا في البصرة، وإخوتنا في القضاء الأنباري كإخوتنا في بغداد. وواجبنا أن نحررهم والأرض. هل من سقف زمني للعمليات؟ ذلك ما تقرره تطورات الميدان وضرورات المعركة وأغلبه في خانة السرية العسكرية.

غادرنا مبنى قيادة العمليات. بدأت شمس الفلوجة تختفي خلف جسر الموظفين شرق المدينة. سباق محتدم مع الوقت للوصول إلى موعدنا وارتشاف القهوة التي ألحّ مضيفونا على ضرورة تلبيتنا والحضور. الوقت يمر ببطء وميل الساعة عدّاء يسابقه المقاتل والصحافي وهو كذلك لأهالي الفلوجة. عند الوصول إلى موقع يبعد 3 كيلومترات لا تشعر بها بطرقات العراق وميدان المواجهة، وبمجرد نزولنا من السيارات عند ساتر الشهابي طغت رائحة القهوة على رائحة البارود. الأجواء تدعوك للاعتقاد أنك في مستراح رغم خطورة محيطك. لكن هذا من صنع الروتين، فحيث يتباعد صوت الرصاص تتاح لك فرصة الراحة. صافحنا الجنود خلف الساتر وجلسنا على صناديق الذخيرة لنشرب قهوتنا التي طبخت في قِدر للطعام، ونشربها نحن في علبة كوكاكولا مقصوصة، ما السر وراء القهوة؟ سرها استخباراتي يحمل خبايا سنكتشفها عند قراءة الفنجان.هل هي مزحة؟ لا أبداً، هكذا كان الرد. فأسرار فنجان القهوة مكنتنا، والحديث للجنود، قبل قليل من تنفيذ ضربات صاروخية بدقة قتلت 11 عنصراً من داعش، وبفضول أعلمناهم أننا تاخرنا، فطلبنا الإسراع لتقديم المزيد من القهوة والمزيد من الأنباء التي بدت مشوقة.سيدي، يجيب الحاضرون القهوة من إعداد مسلح من داعش. حوصر فهرب مع النازحين من منفذ إنساني صوبنا بين الكرمة وجسر صغير، رصدُنا يثبت أن أصابعه كانت تلتف على قبضة كلاشنيكوف وآخر رصاصاتها التي أطلقت صوبنا. تسلل وادعى أنه هارب. فحصٌ أمني سريع والكتروني يتحسس بصمات اليد أثبت أنه تعامل مع عجينة التفخيخ. وقبل اعترافه صاغ للأمن العراقي قصة أنه يصنع القهوة ليبيعها للتنظيم مجبوراً ليس إلا وأنه يحمل بعضاً منها. وبينما كان يعدّها بحسب طلب من ألقى القبض عليه، كان خير دليل على تحديد مواقع لداعش تطلق قذائف المورتر صوب القوات العراقية من أطراف منطقة الشهابي الفلوجية. وبينما يتذوق المقاتلون في الجيش العراقي القهوة، قرأ طالعهُم المستقبل من اعترافات داعشي لا من الفنجان، فحصدوا نصراً وسبقاً في الميدان، واستهدفوا مربضاً للهاونات، ولو أنهم عادوا لقراءة ما يفترض أنه فنجان قهوة، لتأكد لهم أنه يوم آخر من الحظ لمن يحارب الإرهاب.