واشنطن تلجم الاندفاع السعودي: لا حرب

واشنطن تلجم الاندفاع السعودي: لا حرب

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٢ فبراير ٢٠١٦

هذا ما لن يحدث، كما بات مؤكداً الآن، طالما الرئيس الأميركي باراك أوباما «على قيد الرئاسة»: لن يخرج العميد السعودي أحمد العسيري، تحت أي ظرفٍ كان، لإعلان انطلاق عملية برية تخترق الحدود السورية. لن يحصل ذلك، رغم أن حماوة الإعلانات السعودية مؤخراً تقصَّدت بث تلك الإيحاءات الغامضة. واشنطن وضعت سقفاً واضحاً لأي تحرك: أقصى المسموح به، أو الممكن، هو فرقٌ خاصة لتدريب مجموعات معارضة داخل سوريا، لكن ذلك يبقى في عهدة المستقبل، غير المُعَيّن بجدولٍ زمني، مع حاجته إلى تخطيط وتمهيد طويلَين.
بعد أخذٍ وردٍّ طويلَين، وتكهناتٍ في كل اتجاه، تلك الخلاصة كانت واضحة في اجتماع وزراء دفاع التحالف الدولي ضد «داعش». اجتمع وزراءٌ وممثلون عن 49 دولة في مقر «حلف شمال الأطلسي»، في بروكسل، بينها دولُهُ الثماني والعشرون، إضافةً إلى دول دُعِيت بصفة مراقب.
ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حضر باكراً. أجرى العديد من الاجتماعات الثنائية، أبرزها مع وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، ونظيرَيه البريطاني والألماني. داخل مقر «الناتو»، كانت تسري الأخبار أنه يعرض خطة السعودية للتدخل البري. بعض المرافقين للوفد السعودي تحدثوا عن طرح ناضج، خطة عتيدة، ترتكز على إعداد مسبق مع الأتراك: منطقة حظر جوي تُؤَمِّن التدخل البرّي الموعود. الأخبار من أنقرة حملت بعض الصلات، فرئيسها رجب طيب أردوغان كان يعيد تكرار اسطوانة أن لا حل ممكنا، بأي شكل، من دون إنشاء منطقة آمنة محمية بمظلة طيران.
ولكن توقعات المتحمسين كانت خائبة، على نحو كبير.
مسؤولٌ رفيع المستوى، في دولة محبطة مما تراه عدم حماسة أميركية، قال لـ «السفير» إنه «لا يجب انتظار أي شيء جديد». متحدثاً عن الطرح السعودي، قال المصدر إن «الأمر يخص إجمالاً إنشاء التحالف الإسلامي، وهو في النهاية خطوة رمزية تتعلق بتعاون مشترك، لكن لا يمكن انتظار قيامهم بشيء مهم في سوريا». حين سؤاله عن العوائق، قال إن «القوات البرية تحتاج حمايةً من الجو، أي أننا نحتاج طيران العم سام، وهم لن يفعلوا ذلك»، قبل أن يضيف: «رسالتهم كرروها بوضوح منذ أيام، قالوا لنا: هل تريدوننا أن ندخل في حرب مع روسيا؟».
حينما كان الوزراء داخل القاعة الكبيرة، التي تستضيف عادة وزراء الحلف، خرج المتحدث العسيري ليغزل على منوال الجهوزية نفسه، رغم محاولته الإيحاء بالعزم على فعلٍ كبير ــ وهو ما نقله فعلاً ــ حمل كلامُه في طياته التردُّدَ، والإحالة، أولاً وأخيراً، على واشنطن: نحن مستعدون.. لكن على أن يكونوا أمامنا.
حينما سُئل إن كان لا يزال على تعهداته الحماسية، قال بنبرة حاسمة: «لا يمكن للمملكة أن تعلن عن موقف من دون أن يكون موقفاً حازماً، واضحاً ونهائياً، وبالتالي إعلان المملكة المشاركة بقوات على الأرض قرار لا رجعة فيه»، قبل أن يضيف: «وذكرنا الآلية، أن تكون وفق إطار التحالف الدولي، وبالتنسيق مع الأصدقاء في التحالف».
حينما سألته «السفير» عن المشاركين، وأين سيكون مقر «التحالف البري»، قال إن «هذا السؤال يوجه للدولة القائدة للتحالف، فالولايات المتحدة هي من تديره. نحن نعبر عن موقف المملكة العربية السعودية، ولسنا حاملي رسالة عن الدول المشاركة في التحالف». كما لم يُجِب على أي أسئلة تتعلق بالتفاصيل، مردداً أن الكيفية ونوع القوات «سيبقيان للمخططين العسكريين» الذين سيجتمعون خلال الأسابيع المقبلة.

مع تكرار الأسئلة، صار واضحاً أن الرياض تضع كل شيء في عهدة واشنطن، الدفة في يدها، وهي التي تقرر، إذ ردَّد العسيري أن «المملكة جاهزة لتنفيذ كل المهام، سواء الجوية أو البرية، وفق الإطار المذكور، أي أن يكون: من خلال التحالف، بقيادة الولايات المتحدة، وبشكل مستمر في سوريا».

لكن كلام واشنطن، بما أن القرار لها، قال شيئاً حاسماً عن عدم وجود أي خطط لإرسال قوات في تدخل بري. وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر اضطر للرد على إصرار الصحافيين، بعدما أظهر بعضُهم ضيقاً فعلياً بترك الأمور غامضة. حسم كارتر الأمر بالقول إن إرسال قوات كبيرة للتدخل «ليس أبداً نهجنا الاستراتيجي»، مشدداً على أن الأمر يدور، حينما سيحصل، حول التدريب لـ «بناء قدرات محلية»، إضافة إلى «تأمين المناطق» المحررة من «داعش».

مسؤولٌ رفيع المستوى، حضر الاجتماع، قال لـ «السفير» إن رسائل واشنطن، داخل القاعة، كانت فعلاً في هذا الاتجاه. من جهة أخرى، لفت إلى أن «واشنطن شددت على أنه لا يمكن التخلص من داعش سوى بالاعتماد على أبناء المناطق التي يحتلها: أن يتم دعمهم وتدريبهم لاستعادتها وتأمينها». من ناحية أخرى، وبالربط مع ما سبق، شدد على أنه لا وجود لأي خطط اختراق خاطف: «كل شيء كان يقول إنه لا يجب انتظار انتصار سريع، وقبل ذلك لا يجب السعي إليه أصلاً».

قدمت الولايات المتحدة خطتها لتكثيف الحملة على «داعش». طرحت لذلك قائمةً بما تلزم المساهمة به لتنفيذ ذلك، سواء عسكرياً أو مالياً. هناك اجتماع، بعد أسبوعين، لرؤساء أركان الجيوش من أجل متابعة التطبيق، ستليه اجتماعات أخرى في السياق الاستكمالي ذاته. الأمور، باختصار، لا تزال تطبخ على نار هادئة.

مع ذلك، شدد الوزير الأميركي على أن الهدف النهائي للخطة: استعادة الموصل والرقة، وجعل الدول المتحالفة آمنة من تهديدات «داعش».
اللافت كان إصرار واشنطن على زيادة آلام حليفتها أنقرة. رغم كل التهجم التركي، تنديداً بالتعاون الأميركي مع الأكراد السوريين في الشمال، أكد كارتر أنه لا رجعة عن هذا الخيار: «نحن نعمل مع قوات قادرة في سوريا لهزيمة داعش، وسنتابع فعل ذلك».

لكن حتى لو أرادت واشنطن نشر قوات خاصة لتدريب فصائل سورية معارضة، مستقبلاً، كما يجري الإيحاء، ستبقى مخاطر التصادم مع روسيا قائمة. حينما سألت «السفير» وزير الدفاع الأميركي عن تلك المخاطر، خلال مؤتمر صحافي، أكد أنهم لن يذهبوا إلى خطوة كهذه بلا تواصل مع الروس: «لدينا قناة عسكرية مع الروس، وعبرها نضمن أنه لن يحصل تصادم بين نشاطاتنا العسكرية، بعضها ببعض، هذه القناة تعمل».

سؤالٌ آخر لا بد من طرحه: الحلف الأطلسي قال إن حشد روسيا يغيّر التوازن الاستراتيجي في المنطقة، فهل يعتزم الأميركيون وحلفاؤهم القيام برد استراتيجي أيضاً، طالما هذا تقييمهم؟

رداً على سؤال «السفير»، اكتفى كارتر بالقول إن «الروس، بدلاً من قتال داعش، صاروا مشاركين في الحرب الأهلية التي يجب إنهاؤها في سوريا، عبر دعمهم للنظام وتأجيج الحرب الأهلية»، قبل أن يضيف: «قلت سابقاً، وهذا لم يتغير، كل هذا هو خطأ استراتيجي من الروس، لا ننوي التنسيق أو المساهمة فيه بأي نحو، ونحن عازمون في حملتنا على هزيمة داعش عسكرياً، وسنفعل ذلك، أنا متأكد أننا سنفعل، الروس لا يساعدوننا بهذا الخصوص، لكننا سنقوم بذلك على أي حال».

مكملاً الإجابة، بالصلة مع التغير الاستراتيجي، لفت الوزير الأميركي إلى أنهم سيواصلون العمل ضد المشروع الروسي لسوريا: «بالنسبة للحرب الأهلية السورية، فهم يأخذونها في الاتجاه الخطأ، ونحن مستمرون في مسعانا لأخذها في الاتجاه الصحيح»، قبل أن يضيف: «أولاً حيث سيكون انتقال سياسي يوفر حكومةً للشعب السوري في مستقبل لن يكون (الرئيس السوري) بشار الأسد جزءاً منه، بل سيؤمن استدامة هياكل الدولة السورية، هيكلها وكل بنائها، لكن يتضمن أيضاً المعارضة المعتدلة، تلك التي تهاجمها روسيا مباشرة أو تقوضها عبر تأجيج التطرف كنتيجة لأفعالها».

لا تدخل برّيا، وفق التشديد الأميركي، ولا حتى ما يقترب منه. غير ذلك، ما الذي لدى الرياض على مستوى الفعل العملي؟ إجابةُ المتحدث العسيري كافية: «التحالف الإسلامي، لدينا 35 دولة راغبة في الانضمام، ونحن مقدمون على إنشاء مركز تنسيق... والتحالف سيكون شغالاً في آذار أو نيسان».