واشنطـن تُحضّـر للتدخُّـل العسكـري في سوريـة..

واشنطـن تُحضّـر للتدخُّـل العسكـري في سوريـة..

أخبار عربية ودولية

السبت، ٦ فبراير ٢٠١٦

أحمد الشرقاوي
العقـــدة السوريـــة..
أدركت أمريكا متأخرة أن العقدة في سورية لا تكمن في النظام، بل في الشعب السوري العنيد الذي يرفض استبدال العقيدة القومية والوطنية المتجذرة في وعيه الهوياتي الأصيل كمجتمع متجانس، بالعقيدة الوهابية التكفيرية التي سعت أمريكا وحلفائها وأدواتها إلى ترسيخها من خلال ممارسات “داعش” و”النصرة” ومشتقاتهما، لبلقة سورية وتمزيق لحمة الشعب وفق النموذج “الديمقراطي الطائفي” (الإثني والمذهبي)، ليكون بديلا عن ديمقراطية الأحزاب كما هي متعارف عليها كونيا..

لذلك، رفضت الأمم المتحدة بضغط من واشنطن، استدعاء أحزاب المعارضة الممثلة لكل الطيف السياسي السوري، الداخلي والخارجي لمحادثات جنيف، واختزلت تمثيل الشعب في معارضة الرياض الوهابية بما تشمله من تنظيمات إرهابية كجيش الإسلام وأحرار الشام التي تمثل الأدرع العسكرية للوهابية التكفيرية ولجماعة الإخونج الماسونية..

ومرد هذا الوضع الشاذ، يعود بالأساس إلى أن واشنطن لم تجد في سورية معارضة سياسية تحظى بشعبية حقيقية وتمثيل وازن طوال الخمس سنوات من عمر الأزمة، برغم محاولاتها العبثية الكثيرة والمتكررة لخلق قوى “معتدلة” من العدم، يكون بمقدورها أن تنتزع من القيادة والجيش العربي السوري بالقوة والقهر شرعية الدفاع عن الشعب..

لهذا، فشلت محاولة واشنطن الأخيرة تجيير وفد الرياض كمثل رسمي عن المعارضة السورية، وذلك لسبب عقلاني وموضوعي مؤداه، أن المعارض للسلطة القائمة يفترض أن يكون له مشروع سياسي بديل عن مشروع النظام، لكن في محادثات جنيف الأخيرة، تبين أن المشروع الوحيد الذي جاءت لتدافع عنه معارضة الرياض هو وقف إطلاق النار تمهيدا لاستلام السلطة.. وإلا، فإن البديل سيكون المزيد من القتل والدمار كما سبق وأن هدد الوزير جون كيري ضمنيا من قبل، هذا هو السر بالمختصر المفيد، وهو المعطى الذي يمكن التأسيس عليه اليوم لوضع تصور واقعي لسيناتريوهات المرحلة القادمة..

لأن لا أمل يرجى من حل سياسي تفاوضي يضمن لأمريكا وأدواتها الحد الأدنى من أهدافهم، خصوصا بعد الإنجازات الميدانية المدهشة والملاحم الرائعة التي حققها الجيش العربي السوري بمعية حلفائه.. وبالتالي، لا يعقل أن يُقدّم النظام السوري لأعدائه بالسياسة ما لم يستطيعوا الحصول عليه بالحرب..

ونعلم جميعا من دروس السنوات الخمسة الماضية، أن كل القتل والخراب والحزن والدموع الذي لحق بالشعب السوري لم يؤثر فيه بشكل يدفعه لتحميل مسؤولية ما حدث للرئيس بشار الأسد كما كان يأمل أعداء سورية، لأن وعي الشعب السوري العظيم كان أكبر من كل حملات الكذب والتزوير والدجل والعهر والتضليل، فظل وفيّا لوطنه، مُتمسّكا بقيادته، داعما لجيشه، ومُبديا صبرا استراتيجيا أسطوريا، واستعدادا يفوق التصور لتقديم المزيد من التضحيات مهما بلغت الأكلاف من أجل الحفاظ على استقلاله وسيادة قراره وحريته في اختيار القيادة التي تمثله ويأتمنها على مصيره ومستقبل عياله.

والسؤال الذي يطرح نفسه على ضوء هذه الحقائق الموضوعية هو: – هل تُسلّم أمريكا بهزيمتها في سورية وتنسحب من المنطقة لتترك الساحة لروسيا وإيران؟..

الجميع يدرك أنها لو فعلت، لانتقلت الحرب إلى الداخل التركي و الداخل “السعودي”، واستعرت الإنتفاضة في فلسطين، لأن انتصار سورية يعني صعود محور روسيا – إيران في المنطقة برُمّتها، وتراجع محر واشنطن – لندن – باريس وما يمثله من انتكاسة للأدوات وعلى رأسهم “السعودية” وتركيا و”إسرائيل”.
لكــن.. مـا هـو السيناريــو البديــل؟

برغم كل ما قيل ويقال عن محادثات جنيف، وبغض النظر عن من يتحمل مسؤولية فشلها، إن كانت روسيا والنظام السوري بسبب التصعيد العسكري الأخير كما تقول واشنطن وباريس ولندن والرياض وأنقرة والمعارضة الوهابية والإخونجية.. أم أن هذه العواصم مجتمعة هي من تتحمل المسؤولية عن فشل جنيف 3 بسبب اشتراطات وفد الرياض المُسبّقة ضدا في مقتضيات القرار 2245، وانسحابه من المحادثات قبل أن تبدأ بتعليمات من مشغليه على ضوء الأنباء الصادمة التي وصلت إلى كواليس الإجتماعات، مُبشّرة بتغيُّر المعادلات العسكرية بشكل جذري في سورية بعد فك الحصار عن نُبّل والزهراء وتطويق حلب من جهات ثلاثة وتفكك المجاميع الإرهابية وهروبها في اتجاه الحدود التركية؟..

هذا نقاش لن يوصلنا إلى خلاصة مفيدة، بسبب ما نعرفه عن نفاق الغرب في التعامل مع سورية، ومواقفه الداعمة للإرهاب بشكل فاضح، وتباكيه على الوضع الإنساني المأساوي في سورية، واستنكاره لهزيمة “جيش الإسلام” و”النصرة” في ريف حمص، في الوقت الذي لم يحرك ساكنا ليدين حصار الإرهابيين لنُبّل والزهراء الذي دام أكثر من ثلاث سنوات ونصف، ولا لحصار سورية الوطن والشعب من قبل قوى الإستكبار، ولا لإدانة تركيا و”السعودية” وقطر والأردن لدعمهم الإرهاب في سورية، ويريدنا اليوم أن نُصدّق أنه يهتم لأمر “المدنيين” السوريين ويتباكى على ضحايا القصف الروسي المزعوم..

ما يهمنا في هذا السياق هو ما يكمن وراء هذا النفاق الغربي الفجّ لمحاولة معرفة ما تُحضّر له أمريكا وحلفائها وأدواتها في المرحلة القادمة بالنسبة لسورية، وفي هذا الصدد، هناك مؤشران في غاية الأهمية والخطورة:

* الأول: ما كشفه اللواء إيغور كوناشينكوف الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية قبل يومين، من أن العسكريين الروس لاحظوا أنشطة خفية تجريها تركيا على حدودها مع سوريا، والتدريبات المكثفة التي يقوم بها جيشها ومجموعات تركمانية موالية لها، مشيرا في هذا الخصوص إلى القرار المفاجئ الذي اتخذته أنقرة بمنع مجموعة مراقبين روس من القيام بتحليق فوق المناطق الحدودية بين سوريا وتركيا في وقت سابق من الأسبوع الجاري، وفقا للمعاهدة الدولية “السماء المفتوحة”.

وكانت معلومات إعلامية قد تحدثثت خلال الفترة الماضية عن عزم تركيا التدخل عسكريا في سورية، لكن هذه المرة يختلف الأمر، لأن المعلومة صدرت عن وزارة الدفاع الروسية، ما يعطيها الكثير من الصّدقية.

والسؤال الذي يطرح بالمناسبة هو: – هل تستطيع تركيا أن تقدم على مغامرة عسكرية برية في سورية بقرار أحادي مُتحدّية الوجود الروسي وبرغم تحذيرات الأخير الجدّيّة؟.. هذا مستحيل بالطبع لأنه سيفضي حكما إلى حرب إقليمية تتطور سريعا إلى حرب عالمية لا يرغب في خوضها أحد.

* الثاني: ما سبق وأن كشفته صحيفة الغارديان البريطانية، من أن “السعودية” قد ترسل آلاف الجنود من قواتها الخاصة إلى سوريا، وذلك بالتعاون مع تركيا، وهذه معلومة غاية في الخطورة والأهمية.. وكانت الصحيفة قد ذكرت في سياق الخبر أن الرياض وأنقرة تصران على الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وتُشكّكان بشأن آفاق إنجاز حل سياسي للأزمة دون ممارسة ضغوط عسكرية على دمشق، وربطت بين هذه الرغبة الجامحة التي لدى قيادات البلدين وهيئة التنسيق “الإستراتيجي” الذي أنشئ بينهما قبل أسابيع خلال زيارة الديكتاتور أردوغان المفاجئة إلى الرياض بدعوة من العاهر سلمان.

وكان مسؤول تركي رفيع، ومن باب در الرماد في العيون، قال لوكالة “رويترز” الجمعة 5 فبراير/شباط: أنه “ليست لتركيا أي خطط أو أفكار بشأن شن حملة عسكرية أو توغل بري في سوريا”. وهذا صحيح نظريا، لأن تركيا لا تستطيع العمل من خارج أوامر الإدارة الأمريكية وغطاء الحلف الأطلسي، وبالتالي، السؤال الذي تفتح عليه مثل هذه الخلاصة الموضوعية هو: – كيف تعتزم تركيا إذن التدخل عسكريا في سورية؟..

الجواب نستشفه من تصريح نفس المسؤول التركي للوكالة المذكورة، حيث أضاف مُوضّحا: إن ” تركيا عضو في التحالف الدولي، وهي تعمل مع الحلفاء، وستواصل هذا التعاون، ولقد كرّرنا مرارا أن تركيا لن تعمل بشكل أحادي”.

وهذا يعني بالواضح المكشوف، أن هناك بالفعل مُخطّط للتدخل العسكري في سورية تحضر له الإدارة الأمريكية على قدم وساق في إطار تحالفها الدولي لمحاربة “داعش”، ونعلم كيف أن مستشاريها دخلوا الشمال الشرقي السوري قبل أسابيع، وأقاموا مطارا عسكريا لطائرات الأباتشي، ويُنسّقون العمليّات العسكرية مع الأكراد وما يسمى بقوى سورية الديمقراطية.

وما يؤكد قرب بدأ تنفيذ المخطط، هو إعلان “السعودية” الخميس بشكل رسمي، عن استعدادها لإرسال آلاف الجنود من قواتها الخاصة إلى سورية بالتعاون مع تركيا، في إطار الحلف الدولي لمحاربة “داعش”.

ويشار في هذا السياق، إلى تصريح نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن المثير الذي أدلى به خلال زيارته المفاجئة إلى تركيا قبل أسابيع، حيث هدد بتدخل عسكري في جال فشل الحل السياسي في جنيف 3، الأمر الذي استدعى ردا روسيا سريعا اعقبه توضيح من البيت الأبيض جاء فيه، أن بايدن كان يقصد أن “داعش هو الهدف”..
في الخلاصــة..

ما من شك أن التطورات الميدانية الأخيرة في سورية، وإصرار روسيا وسورية وإيران وحزب الله على تسريع العمليات العسكرية للقضاء على المحاميع الإرهابية، كان بسبب استشعارهم لما تخطط له واشنطن في الكواليس، لأنه وبالرغم من الإتفاق الأمريكي الروسي على إعطاء الفرصة للحل السياسي في سورية، كان واضحا أن الثقة معدومة بين الأطراف، لذلك أصر الوزير لافروف في تصريحاته على ضرورة عدم الربط بين المحادثات السياسية والعمليات العسكرية ضد الإرهاب، الأمر الذي رفضته أمريكا وفرنسا وبيريطانيا، حيث اتهموا روسيا باليعي لحل الأزمةة السورية عسكريا من خلال التركيز على استهداف المعارضة.

والسؤال الذي يطرح بالمحصلة النهائية هو: – هل حقا تسعى واشنطن وحلفائها وأدواتها إلى محاربة “داعش” في سورية من خلال خطة التدخل العسكري الجديدة من دون قرار من مجلس الأمن أو موافقة من تالحكومة الشرعية السورية؟..

الجواب يعرفه الجميع، لأنه لو كانت نية واشنطن محاربة الإرهاب حقا لأنهت وجوده من زمان، ولما تطلب الأمر آلاف الغارات الجوية التي لم تغير من الواقع الميداني شيئا يذكر لا في العراق ولا في سورية.

وهذا يعني، أن أمريكا كانت تخطط منذ البداية لإفشال محادثات جنيف لتبرر تدخل تحالفها العسكري بمشاركة بريطانيا وفرنسا من الجو وتركيا والرياض على الأرض، لتمكين المجاميع الإرهابية الجديدة التي سيتم تجييرها من احتلاف الشمال الشرقي السوري وخصوصا محافظة الرقة، في محاولة لتغيير المعادلات العسكرية على الأرض لممارسة المزيد من الضغط على روسيا وإيران وسورية للقبول بحل تفاوضي يحقق بعضا من أهداف واشنطن وأدواتها.

ومؤتمر المانحين الذي عقد في لندن هذا الأسبوع هو محاولة لتوفير التمويل لتركيا ولبنان والأردن بهدف توطين المُهجّرين السوريين كي لا يُفكروا في عبور البحار إلى أوروبا، كما أن مؤتمر أمن الحلف الأطلسي الذي سيعقد في ميونيخ الألمانية بتاريخ 12 من شهر شباط الجاري، سيكون مناسبة للإعلان رسميا عن انطلاق الحملة العسكرية ضد “داعش” في سورية، وفق ما يرى خبراء غربيون، لتشديد إجراءات الأمن في الفاضء الأوروبي مخافة موجة جديدة من النازحين والتفجيرات الإرهابية المحتملة.

لأن استبدال “داعش” و”النصرة” بقوات وهابية وإخونجية وتركمانية جديدة في سورية بترتيب من الجنرال ديفييد باتريوس وتنسيق مع “السعودية” وتركيا كما كشف الصحفي تيري ميسان هذا الأسبوع، سينعكس تفجيرات في الساحة الأوروبية، خصوصا بعد أن تم نقل “البغدادي” إلى ليبيا وتركت ذئابه الضالة لمصيرها المظلم في سورية.

والسؤال الذي يطرح بالمناسبة هو: – هل ستبدأ المقاومة الشعبية ضد قوات الإحتلال الجديد في سورية والعراق؟..

نقول هذا لأنه يصعب تصور تدخل روسيا عسكريا ضد تحالف واشنطن في سورية.