عرسال.. ما بين الخطر الإرهابي و«الفيتو المذهبي»

عرسال.. ما بين الخطر الإرهابي و«الفيتو المذهبي»

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٣١ يناير ٢٠١٦

عمر معربوني - بيروت برس -
حتى اللحظة لا يزال الفيتو المذهبي سببًا أساسيًا في عدم حسم قضية اذا انفجرت قد تكون من اخطر القضايا بنتائجها وتردداتها. حيث لا تزال قوى 14 آذار ومتفرعاتها من الحالات المتشددة قادرة على وضع العراقيل امام الجيش اللبناني والمقاومة في حسم المعركة مع التكفيريين المتواجدين في بعض جرود راس بعلبك والقاع وعرسال، على الرغم من أنّ داعش والنصرة دخلا في مواجهة إلغاء فيما بينهما ترتبط بأسباب مباشرة وأخرى بعيدة المدى.
حسم المعركة ليس مرتبطًا بموازين القوى أبدًا، فالجيش اللبناني والمقاومة يملكان ما يكفي من القوة لحسم المعركة، وإن كان مفهومًا وضع 14 آذار الفيتو امام عمليات مفترضة للمقاومة بسبب المسألة المذهبية، فإنّ وضع عراقيل بوجه الجيش اللبناني أمرٌ يرتبط برغبة أطراف اقليمية كالسعودية وقطر وتركيا بإبقاء القضية حاضرة للتأثير من خلالها على الواقع اللبناني، وهو أمر انكشفت الأوراق فيه منذ زمن بعيد.
ورغم ان التصنيف السعودي والقطري والتركي لداعش والنصرة بأنهما تنظيمان إرهابيان، فإننا نرى وسائل اعلام وقادة في 14 آذار يطلقون مسمّى الثوار على مقاتلي التنظيمين، ضمن حالة من الإنفصام تعبر عن مدى غرق هؤلاء وتبعيتهم وعدم قناعتهم وقبولهم بالمشهد الجديد في الميدان السوري وانعكاساته على لبنان.
على المستوى الميداني، بات واضحًا أنّ تنظيم داعش اكثر قدرة على حسم المعركة لمصلحته بمواجهة جبهة النصرة، وهو ما تبين من خلال السيطرة على الكثير من مواقع النصرة رغم ان النصرة قد بدأت بالمعركة.
وكلا التنظيمين وصلا الى مرحلة اللاعودة في الإشتباك ولن تنتهي المعركة بينهما إلّا بهزيمة احدهما، وهي هزيمة ستلحق بجبهة النصرة بالتأكيد انطلاقًا من نتائج السيطرة التي تميل لمصلحة داعش.
اما بخصوص الأسباب التي أدّت الى اندلاع الإشتباكات، فهي تتعلق بشكل اساسي بخطوط الإمداد والتموين والمعابر في اتجاهي الحدود اللبنانية السورية، فجبهة النصرة تمتلك خط تواصل مع عرسال يؤمن لها ما تحتاجه، وهو طريق إمداد قصير على عكس خطوط امداد داعش الطويلة والخطرة الممتدة الى البادية السورية باتجاه القريتين، حيث تتحرك عربات داعش في هذه المناطق في الخفاء وبأعداد قليلة خشية رصدها وتدميرها.
ولأنّ الجيش السوري والمقاومة اللبنانية عزّزا في الفترة الأخيرة قدرات المراقبة من الجهة السورية، بات ضروريًا ان يتجه داعش للتفتيش عن معابر بديلة وملاذات آمنة كتلك التي تؤمنها بلدة عرسال للنصرة وبشكل علني، على عكس تواجد داعش السري في عرسال على شاكلة خلايا نائمة.
المعركة بين التنظيمين ليست الأولى، وكذلك الإغتيالات وعمليات التفجير والتي كان اهمها تفجير مقر تابع لهيئة علماء القلمون في عرسال، وعمليات خطف واغتيال متبادل بين التنظيمين.
بعض المتابعين يذهبون باتجاه القول إنّ اهداف داعش الحقيقية هي ربط مناطق تواجده في جرود القاع ورأس بعلبك وعرسال وجرود الجراجير السورية بقواته المتواجدة في بلدة القريتين.
هذا الأمر في الواقع بات بعيد المنال بعد أن استطاعت وحدات الجيش السوري استعادة السيطرة على قرية مهين وتثبيت السيطرة على تلال هامة في البادية، ما شكل حصانة لخط الدفاع عن طريق حمص دمشق وأبعد الخطر عن قرية صدد وكذلك عن نقاط الإقتراب المحتملة نحو الطريق.
اما لماذا لم يحسم الجيش السوري والمقاومة اللبنانية المعركة من الجهة السورية؟ فلأنّ طبيعة المعركة باتت خارج الأولويات المباشرة، ويمكن تأجيلها الى حين اكتمال الشروط الملائمة وتوفر العديد البشري على مستوى قوات الزّج، في حين أنّ القوات الحالية تكفي للمُدَافعة عن نطاق السيطرة ومنع داعش من القيام بعمليات واسعة وخطرة.
في الجانب اللبناني، يعتبر الجيش اللبناني التنظيمين قوة ارهابية معادية ويتعامل معهما دفاعيًا عبر استهداف اي تحرك مكشوف وقصف اية تجمعات يُخشى أن تشكل خطرًا هجوميًا على مواقعه، وهي تدابير يتخذها الجيش انطلاقًا من طبيعة الخلاف السياسي حول موضوع عرسال والتي يرجح أن تكون امام مخاطر محتملة اذا ما تمكن داعش من ربط مواقع سيطرته بمداخل البلدة، وهو أمر تتحمل مسؤوليته القوى السياسية التي لا تزال تعتبر داعش والنصرة حتى اللحظة ثوارًا. ولا يخفى على أحد الدور الذي تقوم به جهات مذهبية "علمائية" في إبقاء الأوضاع مجمدة تحت ذريعة عرسال السنيّة بمواجهة التمدد الشيعي، وهو خطر لا يقل اهمية عن خطر التكفيرين لأنه يبقي الأمور مجمدة الى اجل غير منظور ويحد من فاعلية الجيش والمقاومة في تحقيق الهزيمة بالقوى التكفيرية.