عن "التكويعة" الفرنسية في سورية .. أسبابها ونتائجها

عن "التكويعة" الفرنسية في سورية .. أسبابها ونتائجها

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٨ نوفمبر ٢٠١٥

قبل هجمات باريس التي أدت إلى مقتل 130 شخصاً وأعلنت "الدولة الاسلامية" مسؤوليتها عن تنفيذها، كانت سياسة الحكومة الفرنسية تتسم بالتشدد تجاه الملف السوري، والأكثر مطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد، وحصدت من جراء هذا التشدد الكثير من عقود التسلح وقعتها مع دول خليجية، وخاصة المملكة العربية السعودية التي اعتقدت أن فرنسا يمكن أن تكون حليفاً بديلاً للولايات المتحدة ذات الموقف المرتبك، وغير الحاسم.

بعد التفجيرات المذكورة آنفاً، تغير الموقف الفرنسي مع تغير أولويات فرنسا في سوريا، وتصدر مكافحة "الدولة الاسلامية" قمتها، وانعكس هذا التغيير في موقفين جديدين عبر عنهما الجمعة لوران فابيوس وزير الخارجية في تصريحات لراديو "ار تي ال" الرسمي:

الأول: حديثه، أي فابيوس، للمرة الأولى عن إمكانية مشاركة الجيش العربي السوري في الحرب ضد "الدولة الاسلامية" جنباً إلى جنب مع الجيش السوري الحر، وقوات الحماية والبشمرغة الكردية.

الثاني: اقترابه من الموقف الروسي، وابتعاده عن مواقف تركيا والسعودية وقطر التي تطالب برحيل الرئيس الأسد، وعبر عن ذلك صراحة عندما قال أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محق في قوله أن الشعب السوري هو الذي يقرر مصير الرئيس الأسد، ولكنه استطرد بقوله "أن الأسد لا يمكن أن يمثل مستقبل شعبه".

ولم يكن مفاجئاً أن يلتقط السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري هذا التغيير "المتدحرج" في الموقف الفرنسي، ويعلن ترحيبه الفوري به "إذا كان جاداً فعلاً"، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب تغييراً جذرياً في التعاطي مع الأزمة السورية"، مؤكداً "أن جيشنا جاهز للتنسيق مع أي قوات تحارب الارهاب".

الحذر الذي يبديه السيد المعلم مبرراً، فالمواقف الغربية ليست ثابتة، وتتسم بالتغيير المستمر في هذا الاتجاه أو ذاك، ومن يتابع تصريحات المسؤولين الغربيين منذ بداية الأزمة السورية قبل خمس سنوات، ونظيراتها التي تصدر حالياً، يلمس فارقاً كبيراً، ومن الأنصاف القول أن هناك عدة عوامل فرضت هذا التحول، أولها ظهور تنظيم "الدولة الاسلامية" بقوة وتوسعه المفاجئ في سوريا والعراق، والثاني صمود الجيش السوري، والثالث سوء تقدير المعسكر المناوئ للنظام السوري، والعرب منه خصوصاً، لحجم الدعم الاقليمي (ايران) والدولي (روسيا) الذي يتمتع به النظام.

اللقاء الذي تم بين الرئيسين بوتين ونظيره الفرنسي فرانسوا هولاند أسس لتحالف فرنسي روسي جديد لمواجهة "الدولة الاسلامية"، انعكس بشكل فوري على شكل التغيير المذكور في السياسة الفرنسية تجاه الملف السوري.

تفجيرات باريس لعبت دوراً حاسماً في هذا التغيير، وقبلها التدخل العسكري الروسي المباشر في الأزمة السورية، الذي عزز وجود الرئيس الأسد وقواته، ولعل التطور الذي لا يقل أهمية عن العاملين السابقين هو إسقاط تركيا لطائرة عسكرية روسية قرب الحدود السورية معها، وما ترتب على ذلك من توترات إقليمية ودولية.

الموقف الفرنسي يتغير وبشكل متسارع، ولا تستبعد أن تحذو دول أوروبية أخرى الحذو نفسه في مرحلة الاستقطاب السياسي والعسكري المتصاعدة في المنطقة برمتها.