اجتماعات مكثَّفة تنتظر المسؤولين الأوروبيين: ألمانيا تعهَّدت بحلّ عقدة الخلافات حول استقبال اللاجئين بين دول الاتحاد الأوروبي

اجتماعات مكثَّفة تنتظر المسؤولين الأوروبيين: ألمانيا تعهَّدت بحلّ عقدة الخلافات حول استقبال اللاجئين بين دول الاتحاد الأوروبي

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٩ أغسطس ٢٠١٥

الخلافات ليست جديدة، لكن هناك مناسبة تستعجل تسويتها. لم يعد اللاجئون مجرَّد مجموعات بشريَّة تختفي في مجهول المتوسط. صاروا تحت أنظار الكاميرات على مدار اللحظة، بعدما تضاعف استخدامهم للطريق البرية إلى أوروبا عبر دول البلقان.

الفارون من الحروب والصراعات، كأنَّهم اكتشفوا طريق البلقان. فجأةً، بات يستقبل، يومياً، نحو ثلاثة آلاف لاجئ جديد، بحسب أرقام مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة. الرقم يعني أنَّ عدد اللاجئين الذين يسلكون هذا الطريق، تضاعف عشر مرات، مقارنة بالعام الماضي.

مضخَّة اليأس هذه، تبدأ من تركيا. صار عمل المهرّبين مزدهراً. القوارب المطاطيَّة لا تكفّ عن الوصول من سواحل تركيا إلى الجزر اليونانية المقابلة. كل قارب مطاطي يكدسون فيه نحو 35 شخصاً. قطع تلك الأميال البحرية بسلام سيعني، إلى حد كبير، أنَّ الخطر قد صار وراءهم.

هكذا تبدأ رحلة اليابسة الطويلة من اليونان. بعد تجاوزها، يواصل اللاجئون طريقهم عابرين مقدونيا، ثم صربيا، ليصلوا إلى هنغاريا ومنها إلى النمسا وألمانيا. الرقم المسجَّل في المحطات الأخيرة يعكس، بوضوح، زيادة الإقبال على هذا الطريق. هنغاريا سجَّلت، العام الماضي، وصول نحو 43 ألف لاجئ، لكن العدد بلغ أكثر من مئة ألف لاجئ خلال الأشهر الماضية من العام الحالي.

يُجمع العديد من المعنيّين بالقضية، على وجود عاملين وراء هذه الزيادة: التكلفة الرخيصة، والخطر الأقل، مقارنة بطريق البحر من سواحل ليبيا.

هذه الخلاصة أكَّدها لـ «السفير» موظّف في إدارة لجوء دول أوروبيَّة غربيَّة، طلب عدم كشف هويته، لأنَّ المعلومات مستقاة من عشرات المقابلات الشخصيَّة مع لاجئين عبروا طريق البلقان. متحدثاً عن الغالبية العظمى ممَّن يسلكون الطريق البرية الطويلة، قال إنَّ «السبب عموماً هو الفقر. البعض فقراء جداً، منهم من يحملون عشرات اليورو. يقطعون ما أمكنهم مشياً، ويستخدمون النقل العام بالحدّ الأدنى. هنالك لاجئون مشوا لأربعة أيام متواصلة، بعضهم قطع صربيا كلها على قدميه».

الدور الكبير الذي تلعبه قلة التكلفة، تؤكِّده أيضاً شان جونسن، الباحثة المختصة بشؤون البلقان في منظمة العفو الدولية «أمنستي». تقول خلال مقابلة مع «السفير»، إنَّ طريق البلقان «صار بالتأكيد أرخص، ما يدفعه اللاجئون أقلّ بما لا يصدق من السفر مع المهربين».

نشرت جونسن تقريراً مطولاً، أخيراً، حول وضع اللاجئين على هذا الطريق. هناك شركات حافلات خاصة باتت تأخذ اللاجئين من الموانئ اليونانيَّة إلى الحدود مع مقدونيا. كان النقل في مقدونيا مجاناً للاجئين، عبر شبكة القطارات الوطنية. لاحقاً صارت تكلفة ركوب القطار خمسة يورو للشخص. قبل أيّام سُمح للحافلات بنقل اللاجئين، وأكبر تسعيرة سجلتها «أمنستي» كانت 20 يورو.

بناءً على تلك المعطيات، ترى الباحثة جونسن أنَّ «اللاجئين باتوا يستخدمون المهربين أقلّ بكثير، كما أن سلوك الطريق أصبح أرخص بكثير مما كان».

الواضح أنَّ «التسهيلات» التي تقدمها سلطات اليونان ثم مقدونيا وصربيا، تأتي لكونهم لا يريدون، أو لا يستطيعون، تحمُّل مسؤولية تأمين أعداد اللاجئين المتزايدة. يضاف إلى ذلك، معرفتهم بأنَّ الوجهة الأخيرة هي أوروبا الغربية.

تحدّي هذا الواقع، جعل سلطات مقدونيا تصطدم مع جموع اللاجئين. لذلك، لجأت كلٌّ من اليونان ومقدونيا وصربيا إلى إعطاء تصريح إقامة لأيّام قليلة مع نصائح بالمغادرة. إنَّه نوع من «الحل البرلسكوني». التسمية مرتبطة برئيس الوزراء الايطالي السابق سيلفيو برلسكوني. حينما اصطدم مع نظرائه الأوروبيين، الرافضين تحمُّل عبء اللاجئين مع محطة الوصول الإيطالية، استصدر قانوناً يعطي اللاجئين إقامات مؤقّتة تسمح لهم بالسفر الشرعي إلى باقي أوروبا.

هنغاريا تمثِّل عقدة من نوع آخر. هناك، لديهم حكومة فريدة من نوعها في أوروبا، مع رئيس الوزراء اليميني فيكتور أوربان. لم يتوقَّف خلال السنوات الماضية عن استثارة النزعة القومية، مخترعاً مناسبات لتلك الغاية، إن لم توجد. حينما بدأت الأزمة الأوكرانية، أمر وحدات من الجيش بالانتقال إلى الحدود معها، رافعاً شعار «حماية الأقلية الهنغارية» هناك، مع أنَّهم مواطنون أوكرانيون في النهاية.

هذه الأيام يريد أوربان من وحدات الجيش المساهمة في صدّ اللاجئين، عبر مساعدة شرطة مكافحة الشغب الموجودة على الحدود مع صربيا. استثمرت حكومة هنغاريا نحو 200 مليون يورو من أجل صدّ اللاجئين، ونصف المبلغ ذهب لبناء الجدار العازل الحدودي. المفارقة أنَّ الزعيم اليميني تلقّى أموالاً تبلغ مئة ضعف ما خُصِّص لتجهيز مراكز اللجوء وظروفها، إذ أمر أوربان بصرف مليوني يورو، لا غير.

حكومة أوربان مثال فاقع عن مسؤولية دول أوروبيَّة عن حوادث موت اللاجئين. روايات التخويف ممّا يمكن أن تفعله شرطة هنغاريا تنتشر سريعاً. هكذا يؤدّي تشدّدهم بالفارين من الحروب إلى قبضة المهربين، ما يسبّب أحياناً حوادث مأساوية حتى على الطريق البرّي. هذا ما حصل قبل أيام، حينما اكتشف فلاح نمساوي شاحنة تبريد متوقفة على الطريق قرب العاصمة فيينا. أحصت الشرطة النمساوية 72 جثة متحلّلة للاجئين ماتوا اختناقاً قبل دخولهم النمسا. لم تحدّد هوياتهم، لكن أعلن عن العثور على وثائق تعود للاجئين سوريين.

ترجح الشرطة تورّط مهربين من هنغاريا وصربيا، فالشاحنة/القبر تعود لشركة معروفة كانت تستخدم لنقل الدجاج المثلج. هناك من نجوا من ظرف مشابه. شهادات بعض اللاجئين، أكَّدت أنَّ المهربين كانوا يرفضون توسلاتهم للتوقف في محطات استراحة، خلال رحلة تستمر مئات الكيلومترات من صربيا إلى النمسا.

المشكلة أنَّ هذه الشاحنات يمكن فتح صندوقها من الخارج فقط. يتمّ استخدامها للتهريب لكونها برّادات معزولة بإحكام، فهذا يمنع الكلاب من شم الرائحة داخلها. تحتاج أجهزة خاصة لاكتشاف ما تحمله، فهي تمرّ بسهولة على الأجهزة العادية الموجودة في المعابر الحدودية.

بحسب الروايات التي استمع إليها موظف اللجوء، تشكِّل هنغاريا المحطة الثانية التي يستخدم فيها اللاجئون المهربون. يوصلونهم إلى النمسا أو ألمانيا لقاء بضع مئات من اليورو. المحطة الأولى من على سواحل تركيا إلى الجزر اليونانية، حيث يدفع اللاجئون للمهرب مبالغ تبدأ من 500 يورو.

الاضطرابات والحوادث جعلت الأوروبيين تحت ضغوط لإيجاد حلول. آخر تداول كان في قمة الاتحاد الأوروبي ودول غرب البلقان. جاءت أخبار اكتشاف مقبرة الشاحنة الجماعية خلال اختتام أعمال القمة، أمس الأول. غادرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حذرها المعتاد. قالت إنَّها متفائلة بإمكانيَّة إيجاد تفاهمات تنهي الاضطرابات في طريق البلقان. قدَّمت برلين وباريس مبادرة جديدة. المشكلة تتمحور حول نزاع أوروبي: دول الوصول، مثل اليونان وايطاليا، ترفض إبقاء اللاجئين وبناء مراكز استقبال كبيرة. على الضفة الأخرى، ترفض دول أوروبية عديدة تشارُكَ الأعباء، واستقبال حصص من اللاجئين.

قالت ميركل مشيرةً إلى جوهر القضية، إنَّ «إيطاليا واليونان تقبلان (إنشاء) المراكز، إذا قبل الآخرون نظام الحصص»، قبل أن تضيف «أنا متفائلة بسرعة إمكانية الاتفاق». سيكون تداول المقترح أولاً بين باريس وبرلين مع دولتي الوصول، قبل الانتقال للضغط على الدول الرافضة لمبدأ الحصص.

إقامة مراكز استقبال للاجئين في دول الوصول، سيعني إرسال فرق تقييم أوروبيَّة إلى هناك. المقترح الجديد يتضمَّن إصدار قائمة أوروبية مشتركة بـ «الدول الآمنة»، ما يعني تصنيف من يستحقّون أو لا يستحقّون اللجوء في مراكز الاستقبال. من يستحقونه سيُوزَّعون على الدول الأوروبية، بعد الوصول إلى «آلية دائمة لتشارك الأعباء» كما تطمح المبادرة الجديدة أيضاً.

اللاجئون الذين سيُرفَضون، وفق القائمة الأوروبيَّة، سيعمل الأوروبيون على ترحيلهم سريعاً. على هذه الخلفية، تؤكِّد منظمات حقوقية عديدة استخدام تسمية «لاجئ»، لا مهاجر، كما تفضّل دول مثل هنغاريا. هناك تقول الحكومة إنَّ معظم اللاجئين القادمين مهاجرون اقتصاديون.

التشدّد يحمله أيضاً حزب يميني آخر، هو «المصلحة الفلمانية الجديد» المشارك في حكم بلجيكا. زعيمه بارت دو ويفر يدعو إلى تقليص المساعدات الإنسانية للاجئين، والتنصل من المسؤولية التي تفرضها المعاهدات الدولية. أحد وزرائه حرَّك موجة انتقادات حادّة ضدّه. كان يردّ على ضعف قدرة استيعاب مراكز اللجوء، فقال إنَّ اللاجئين ليسوا فقراء، ولذلك يمكنهم المبيت في فندق!