مصر والولايات المتحدة: أي حوار استراتيجي؟

مصر والولايات المتحدة: أي حوار استراتيجي؟

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٣ أغسطس ٢٠١٥

يعد استئناف الحوار الاستراتيجي المصري الأميركي حدثاً ديبلوماسياً مهماً في القاهرة، وربما في المنطقة بأسرها. فالحوار الذي انقطع منذ العام 2009، يتم استئنافه اليوم، على خلفية توتر في العلاقات المصرية ـ الاميركية استمر لعامين بدرجات مختلفة.
استئناف الحوار الاستراتيجي سبقه تسلم مصر ثماني طائرات من طراز «إف 16» من الولايات المتحدة، وهي صفقة عسكرية تأجلت طويلا بسبب التوتر الذي ساد بين الطرفين منذ سقوط نظام «الإخوان المسلمين»، كما يسبق توجه وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى الدوحة التي ستستضيف، اليوم، لقاءً يضم وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والسعودية.
العبارات الديبلوماسية والحفاوة رسمت معالم جلسة الحوار التي عقدها وزيرا الخارجية الاميركي جون كيري والمصري سامح شكري، اللذان ترأسا وفدي بلديهما، ولكنها لم تتمكن من إخفاء الخلافات التي ما زالت تشوب العلاقات بين الطرفين في الملفات المختلفة، وخصوصاً في الملف الداخلي.
وزير الخارجية المصري سامح شكري أشار الى ان العلاقات بين البلدين تراعي الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ورأى أن الحوار أسهم في طرح أفكار جديدة تحدد مسار العلاقات في المستقبل، وبخاصة في المجالات الأمنية والعسكرية، وكذلك على مستوى الطاقة والاستثمار والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وتكنولوجيا المعلومات والتعليم والثقافة.
وقال شكري، في المؤتمر الصحافي الذي أعقب جلسة الحوار: «تناولنا الاهتمام المشترك بالديموقراطية وحقوق الإنسان واهتمام القاهرة بهذه القضايا لأنها تحقق تطلعات الشعب المصري وضرورة تكريس سيادة القانون باعتباره التزاماً».
وأضاف «أوضحت اهتمام الحكومة المصرية بالمجتمع المدني وإسهامه في تقدم المجتمع 45 ألف منظمة تمارس نشاطها وفق الإطار القانوني».
وتابع «نحن نتابع التطور العلمي لتعزيز حقوق الإنسان للاستفادة من التجارب الناجحة لتجنب الإخفاقات، مع العلم أن أي دولة في العالم لن تصل الى المستوى المثالي لحقوق الإنسان. واتفقنا على مضاعفة الجهد في مكافحة الإرهاب. واتفقنا على استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية والتوصل الى حل شامل».
وأشار الى ان اللقاء تناول كذلك «الأزمة الليبية ودعم مصر للجهود الأممية في التوصل الى حل سياسي، وتنفيذ اتفاق الصخيرات فوراً لتشكيل حكومة وحدة وطنية تكون إحدى أولوياتها مكافحة الإرهاب وإعادة تأهيل الاقتصاد الليبي وتدعم مصر المؤسسات الشرعية في ليبيا»، بالإضافة الى الاتفاق على «أهمية الحل السياسي في اليمن بما يضمن وحدة أراضيه وسلامته وفقا للقرارات الدولية في هذا الشأن»، وكذلك على «حل سياسي للأزمة السورية والحفاظ على وحدة أراضي سوريا».
وزير الخارجية الاميركي أثنى على دور مصر قائلا انها «لعبت تاريخياً دوراً مهماً للغاية في المنطقة، وفي العلاقات الدولية»، ومن دون شك ستواصل القيام بهذا الدور عالميا وإقليميا».
وأضاف الوزير الاميركي «تحدثنا عن نواح أمنية وسياسية واقتصادية. أميركا تشعر بالحزن إزاء اغتيال النائب العام والهجوم على القنصلية الإيطالية والهجمات في سيناء»، مشيراً الى ان «الإرهاب ليست له صلة بالشجاعة والجرأة، وانما هدفه خلق الفوضى».
ولفت كيري الى ان «مسألة وقف دائرة العنف والمناقشات الخاصة بذلك كانت أولوية في جدول أعمال الحوار»، مضيفا «نحن على علم بأن (داعش) مجموعة تتسم بالجبن، ومحادثاتنا تناولت (الدولة الاسلامية) والتحديات الخاصة بمناهضة العنف والتطرف».
وأشار إلى أن «العملية السياسية في مصر يجب ان تكون شاملة، وأن تعطي الشعب فرصة لبناء دولته»، كما لم يفته التذكير بالجهد الذي قامت به السلطات المصرية في مناهضة العنف والإرهاب، وتهنئة مصر بقناة السويس الجديدة.
ولكن الجزء الأكثر وضوحاً في حديث كيري كان التمييز «بين من يستخدمون العنف، ومن يحاولون سلمياً المشاركة في الحوار السياسي حتى إن قالوا في بعض الأحيان أشياء لا يرضى عنها النظام»، موضحا أنه «عندما يشعر الناس بالضغط ويُنفى حقهم في التعبير، فهذا يؤدي للعنف والتطرف».
وفي ما يتعلق بالاستحقاقات الداخلية الاخرى في مصر، قال كيري «اتفقنا على أهمية إجراء انتخابات برلمانية حرة، وهم (المصريون) يعملون على إنجاز هذا الأمر، والانتخابات وشيكة وهي جزء من العملية الديموقراطية وخريطة الطريق، وخطوة من أجل تعزيز الديموقراطية وحرية الصحافة وحرية التعبير».
وفي الشأن الاقليمي، أوضح الوزير الاميركي ان «مصر والولايات المتحدة تعترفان بأن لإيران دوراً في عدم استقرار المنطقة، ولذلك كان يجب أن يكون برنامجها النووي سلمياً»، مشيرا إلى توجهه اليوم الى الدوحة لمناقشة الاتفاق وتأثيراته الاقليمية، مع التشديد على انه في حال تنفيذ إيران للاتفاق النووي بالكامل فستكون المنطقة أكثر أمناً في المستقبل.
ولعل ما يمكن فهمه من حديث الوزيرين أن الخلاف ما زال قائما بشأن جماعة «الإخوان المسلمين»، ففي وقت خص كيري بالذكر جماعة «أنصار بيت المقدس» عند الحديث عن الجماعات الإرهابية، فإنه أشار الى أهمية ربط مواجهة الإرهاب بتحقيق الديموقراطية وحماية حقوق الإنسان وعدم الخلط بين الجماعات الإرهابية والمعارضة السلمية.
أما شكري، فقد أصرّ على القول إن جماعة «الإخوان» هي الجماعة الأم لكل الجماعات الإرهابية.
ولعل الخلاف بين القاهرة وواشنطن حول «الإخوان» هو الخلاف الأكثر جوهرية، ومن شأنه ان ينتج خلافات أخرى على الصعيد الإقليمي، فبينما ترفض مصر أي دور لـ «الإخوان» في أي من الأزمات الإقليمية (سوريا، ليبيا، اليمن)، فإن الولايات المتحدة تتعامل بمرونة أكثر مع المعارضة السورية بمكوّنها «الإخواني»، وايضاً مع «المؤتمر الوطني الليبي» و «إخوان» اليمن، وهو ما يؤدي الى تباين واضح في وجهات النظر بين القاهرة وواشنطن حول تلك الملفات.
وهنا يُطرح السؤال: إلى أي مدى يمكن للحوار الاستراتيجي أن يحل تلك الخلافات؟
في هذا الإطار، يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاهرة محمد حسين لـ «السفير» ان «التقييم العام لجلسة الحوار الاستراتيجي عموماً إيجابي، فهو يضيّق الخلافات ويقرّب المسافة بين الطرفين بالفعل».
ويضيف حسين «خيارات الولايات المتحدة ترتبط بمصالحها. لذا فالحديث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان، هو تحصيل حاصل. ولكن الأهم هو وجود نظام مستقر وقوي في مصر. كذلك فإن الخلاف بشأن سوريا، برغم كونه واضحا، إلا أنه غير جوهري. فمصر والولايات المتحدة لا تريدان انهيار الدولة في سوريا، ولكنّ كلا منهما يرى الانتقال بطريقة مختلفة. وأنا أرى أن وجهات النظر أصبحت أكثر انسجاما».
ولكن الأمر يبدو مختلفاً لدى أستاذ السياسة في جامعة القاهرة وحيد عبد المجيد، الذي يقول لـ «السفير» انه «ما حدث لا علاقة له بالحوار الاستراتيجي. وهي مجرد زيارة عادية وجلسة مباحثات».
ويرى عبد المجيد أن «استخدام مصطلح حوار استراتيجي مضلل جدا»، موضحاً «لقد جرى بالفعل في الثمانينيات والتسعينيات ما يشبه الحوار الاستراتيجي بين القاهرة وواشنطن، وكان هناك جدول أعمال واضح، ولكن ما جرى اليوم مجرد جلسة مباحثات».
ويوضح عبد المجيد ان «الأميركيين ليست لديهم استراتيجية تجاه المنطقة، ولا تجاه أي منطقة أخرى في العالم. فإدارة أوباما تطبق تكتيكات عدّة لوقف تورطها في الشرق الأوسط، وتحاول تنظيم انسحابها تدريجياً بعد هزيمتها».
الملاحظ أن الحوار الاستراتيجي الذي انطلق امس في القاهرة، وسينعقد دورياً كل عامين، يأتي في سياق اتباع السلطات المصرية سياسة تضخيم إزاء كل ما يحدث. فكل زيارة لمسؤول تعد «نصراً ديبلوماسياً»، وكل صفقة سلاح ينظر اليها باعتبارها «إنجازاً عسكرياً» وكل مشروع يحتسب «معجزة اقتصادية»، حتى أصبح من المستحيل تحديد الوزن الفعلي لكل حدث وقيمته. من هنا لا يمكن فهم زيارة وزير الخارجية الاميركي للقاهرة يوم أمس، هل هي إطلاق لحوار استراتيجي، أم مجرد محطة في الطريق الى الدوحة؟