من الربيع العربي إلى الربيع النووي

من الربيع العربي إلى الربيع النووي

أخبار عربية ودولية

السبت، ١ أغسطس ٢٠١٥

السفير - فريد الخازن

من مؤتمر فيينا في 1815، الذي أعاد رسم خريطة النفوذ بين الدول الأوروبية بعد حروب نابوليون، إلى اتفاق فيينا في 2015 بين ايران والدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن زائد المانيا، قرنان من التحولات الكبرى في مسار العلاقات الدولية للمنطقة العربية، أبرزها محطات ثلاث: الأولى، انهيار السلطنة العثمانية وقيام الدولة الوطنية بعد الحرب العالمية الأولى؛ الثانية، مرحلة الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية ونشوء دولة اسرائيل بعد حرب 1948؛ والثالثة الربيع العربي الذي أنتج الفوضى، علّه يزهر أملاً جديداً قبل خريف عمر صانعيه.

ربيع من نوع آخر أطلقه اتفاق فيينا، النووي في الاسم، السياسي والاقتصادي في المضمون، وسيكون له تداعيات اقليمية، وإن كان الكلام السياسي عنه فيه الكثير من المبالغة، سلباً أو ايجاباً. يأتي الاتفاق في زمن الدولة الوطنية، فلا مساحات «مشاع» غير مشغولة، لا هوية لها ولا حدود. وعلى رغم تهاوي بعض الأنظمة والدول، إلا أن هذا الواقع سابق لاتفاق فيينا.

أما الشرخ المذهبي المتفاقم، فجذوره التاريخية والدينية تعود إلى ما قبل نشوء الدول التي وقّعت اتفاق فيينا وإلى ما قبل ايران "الصفوية". مسائل أخرى أخذت مداها قبل الاتفاق النووي: تصدّع النظام الاقليمي العربي، الاحتلال والتوسع الاسرائيلي، الانقسامات العربية، التطرف الديني والعنف المستشري. كل ذلك حصل قبل مساعي تطبيع علاقات ايران مع العالم وبمعزل عن سياسات الدول الكبرى، خصوصاً الولايات المتحدة ورئيسها الذي ربما أخذ خيار التفاوض مع ايران بعد أن يئس من التفاوض غير المجدي مع اسرائيل ومن الكلام المكرر للحلفاء العرب في مسائل تعني مجتمعاتهم قبل أن تُشغل بال الآخرين.

بعد فك العزلة الدولية عن ايران ستكون طهران بلا شك في موقع نفوذ متجدد، سياسياً واقتصادياً ومعنوياً. وإذا التزمت ايران تنفيذ الاتفاق وأثبتت أن استخدامها النووي هو لأغراض سلمية فستكون أول الرابحين. في المقابل ستكون اسرائيل أول الخاسرين، أقله ظرفياً. أما المتضررون فكثر، خصوصاً في منطقة الخليج العربي، لا سيما السعودية، بينما دول أخرى في مجلس التعاون الخليجي لم تكن في قطيعة كاملة مع طهران.

والسؤال، إلى أي مدى ستتمدد ايران في المنطقة بعدما وصل نفوذها قبل الاتفاق النووي إلى لبنان وفلسطين والعراق وسوريا واليمن والبحرين؟، وماذا كانت ستفعل السعودية في ما لو لم يتم الاتفاق؟ ساحة النزاع الأكثر سخونة وصعوبة هي سوريا حيث خطوط التماس متعددة ومتحركة على وقع المواجهات العسكرية المحتدمة. في الدول الأخرى، حيث لايران ولغيرها من دول المنطقة نفوذ، الأوضاع مختلفة. في البحرين ثمة خطوط حمراء ليس من السهل تجاوزها. في اليمن التسوية غير ممكنة بلا السعودية وايران، وفي فلسطين نزاع بين اهل البيت انفسهم لا يقل حدة عن النزاع مع الاحتلال. وفي لبنان موازين قوى دقيقة لا يمكن التعامل معها على قاعدة الالغاء أو الإقصاء.

في أكثر السيناريوهات تفاؤلاً، بناء علاقات ثقة متبادلة بين ايران وشركائها الجدد يخضع لاعتبارات مرتبطة بحسن تنفيذ الاتفاق وبالتأييد له، خصوصاً من واشنطن وطهران. بعده تأتي ترجمة الثقة إلى أفعال لمصلحة الجهات المعنية. والاختبار الأول في هذا السياق التصدي الجدي للتنظيمات السلفية المتطرفة في العراق وسوريا، هذا ليس بالأمر المستحيل إذا توافرت الإرادة لذلك، ولجميع الأطراف مبدئياً مصلحة في ذلك، ومنهم الآن تركيا بعد أن استهدفها داعش على رغم الدعم الذي قدمته للتنظيمات الجهادية المسلحة منذ 2011. أما الأزمات الأخرى فهي أكثر تعقيداً والخلافات حول مقاربتها ونتائجها لن يلغيها الاتفاق النووي. أزمة اليمن بعد «عاصفة الحزم» متعددة الجوانب والتسوية تخضع لاعتبارات لا يمكن تأمينها إلا بمشاركة الولايات المتحدة، وهذا بدوره مرتبط بمسار علاقات واشنطن مع طهران والرياض. وفي سوريا النزاعات متداخلة والمصالح متناقضة، كما أن روسيا شريك أساسي في أي تسوية ممكنة.

في اسرائيل بازار التهويل والتهديد والوعيد والابتزاز لن يتوقف، خصوصاً مع انطلاق الحملات الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة. اسرائيل تعلم أن ما كُتب قد كتب، لذلك ستحاول تحسين شروطها للحصول على أفضل ما يمكن من «تعويض» بالسلاح الأميركي المتطور والمال، وهي الدولة الاقليمية الوحيدة التي تملك سلاحاً نووياً منذ أكثر من نصف قرن. اسرائيل تراهن على رحيل أوباما وانتخاب رئيس يتعاطف مع طروحاتها ومستعد أن يخاصم طهران. إيران قادرة أن تعطل مناورات اسرائيل وابتزازها، لا سيما أن اسرائيل واقعياً ليست قيمة مضافة للحليف الأميركي بالمقارنة مع ايران «المحيّدة» وحلفائها المقتدرين، أبرزهم تركيا والسعودية.