عام على «الخلافة»: هل يقترب العراق من التقسيم؟

عام على «الخلافة»: هل يقترب العراق من التقسيم؟

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٣٠ يونيو ٢٠١٥

تحول مصطلح «الإرهاب» منذ مطلع القرن الماضي إلى أحد أبرز المسميات التي استندت اليها الولايات المتحدة في تحركاتها على المستوى الدولي كـ «قطب واحد» يسعى إلى الإمساك بما أسمته واشنطن مرارا بـ «الأمن العالمي».
وجاء صعود تنظيم «داعش» قبل عام في العراق ليمثل على صعيد السياسية الدولية وكيفية تعاطي القوى الغربية معه، ذروة تطور مسار حركة «الجهاد العالمي» والآليات التي خلقــتها القوى الدولية لمواجهتها، ما أسفر على هذا الصعيد عن تشكيل «تحالف دولي» يزعم السعي للقضاء على التنظيم، بالإضافة إلى ارتدادات داخلــية عمــيقة على البنــية الاجتماعية العراقية ساهــمت في تحــفيز طروحات التقسيم والفدرالية في العراق والمنطقة.
ويبقى العراق أكبر المتضــررين من ظهــور «داعش» هنا، فقد اتخــذه التنظــيم ساحــة لإظهار قدراته العسكرية والأمنــية والدعائــية، وحوّله إلى حالة استقطاب كبيرة لهجرة «الجهــاديين»، وجيوش الدول التي تزعم سعيــها للقــضاء عليهم.
وفي هذا السياق، وتحت عنوان القضاء على تنظيم «داعش» أو «تقويضه»، لم تعد طروحات تقسيم العراق عبارة عن تحليلات وآراء وتبادل اتهامات على المستوى العراقي الداخلي، بل بات طرح التقسيم متعلقاً مباشرة في آليات القضاء عليه، حيث تطرح أطراف عراقية عدة مدعومة من الولايات المتحدة مسألة الاصلاحات السياسية وتطبيق الفدرالية، وتشكيل «حرس وطني» للمحافظات وإجراء استفتاءات في المحافــظات العراقية لتشكيل الأقاليم، شرطاً أساسيا من المعركــة مع المتشـددين.
واليوم، بعد مرور عام على إعلان «الخلافة» لا يزال الجدل العراقي قائما حول خريطة تحالفات «داعش» داخليا وخارجيا، وحول مستقبل المنطقة في ظل وجوده، وحول وضع النظام السياسي العراقي الجديد، الذي تأسس بعد احتلال العراق في العام 2003، وكيفية تعامله مع التحدي «الداعشي» وتداعياته، خصوصا على مستوى بنية الدولة والمجتمع العراقي.
ويعتبر النائب عن «دولة القانون» ومستشار الأمن الوطني السابق موفق الربيعي في حديث لـ «السفير» عن تداعيات الصدمة التي أحدثها تنظيم «داعش» في العراق، أن الأمر في «غاية الخطورة، فكلما طال بقاء داعش في المناطق التي يسيطر عليها كلما صار اقتلاعه أصعب بكثير»، معرباً عن اعتقاده أن «خطورة بقاء داعش مدة أطول في تلك المناطق له أثر على الناس، حيث إن أخطر ما في الأمر هو محاولته السيطرة على عقولهم وقلوبهم من خلال تجنيدهم عبر عملية غسل الأدمغة»، مشيرا إلى «أن هذا الأمر سيؤدي إلى تربية أجيال جديدة على الارهاب والعنف».
وأوضح الربيعي أن تداعيات بقاء «داعش» من الناحية الاقتصادية كبيرة أيضا، فإن التنظيم يهدد بفقدان العراق «ثلث موارده الطبيعية سواء كانت من النفط أو الغاز أو الموارد الزراعية»، معتبرا أن «توفير المال من خلال هذه الموارد لداعش هو بمثابة الاوكسجين الذي يتنفس منه الارهاب، وإذا ما استمرت تلك المناطق بتزويد داعش بالمال، فإن الارهاب سوف ينمو ويكبر ويتوسع في العراق والمنطقة».
وفي التأثيرات السياسية انتقد الربيعي ما قال إنه اعتقاد أميركي جاء على لسان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، ويطلق عليه اسم «التقسيم الناعم»، مبينا أنه لا يوجد تقسيم ناعم بل هناك «تقسيم دموي»، معتبراً أن «هذا ما أوضحته التجارب السابقة للشعوب كالهند وباكستان وايرلندا والبوسنة والهرسك»، مشددا على أنه «لا يمكن أن يكون هناك تقسيم للعراق بأي شكل من الاشكال، كون أبنائه يرفضون هذا التقسيم».
من جانبه اعتبر النائب عن «التحالف الوطني» أحمد الأسدي أن العراق وسوريا تعرضا خلال هذا العام إلى أسوأ حملة من القتل والتشريد والتدمير، إلا أنه في الوقت نفسه مر عام على تأسيس «هيئة الحشد الشعبي بمباركة المرجعية الدينية في العراق والحكومة العراقية»، وهو تمكن من «ايقاف تمدد هذه الآفة وإلحاق الهزائم بها (داعش)، حيث كانت الهزيمة تلو الاخرى من خلال تحرير محافظة ديالى، و80 في المئة من محافظة صلاح الدين، وتتم محاصرتها الآن في مناطق الانبار».
وبيّن الاسدي في حديثه لـ «السفير» تداعيات وجود «داعش» وأثرها على النسيج الاجتماعي العراقي، وقال إن التنظيم «تسبب بخلق ثغرة في جسد الوحدة الاجتماعية العراقية، خصوصا في المحافظات التي وُجد فيها، وهي المحافظات ذات الأغلبية السنية في المناطق الغربية، كونه يدعي الدفاع عن حقوق أبنائها»، معتبرا أن «داعش وحّد العراقيين ووحد أبناء الجنوب مع ابناء المناطق الغربية، ووحد العشائر السنية مع العشائر الشيعية، والتركمان مع الاكراد، والمسيحيين مع المسلمين، وخلق حالة من الوحدة، لان هذا العدو يستهدف الجميع، ولا يستثني أحدا».
واعتبر الأسدي أن «داعش» هو واحد «من السيناريوهات أو الملفات التي دفعت صانعي هذا التنظيم الارهابي لتكريس مخطط تقسيم للعراق والمنطقة، لأن المشروع أكبر من داعش»، واصفاً التنظيم «بالأداة العسكرية لمشروع سياسي كبير يستهدف المنطقة برمتها»، مشددا في الوقت نفسه على «عدم السماح بتطبيق مشروع التقسيم السيئ الصيت الذي يستهدف الانسان العراقي قبل أن يستهدف الارض العراقية».
ورأى الأسدي أن «التقسيم الذي يروّج له بعنوان الفدرالية والأقلمة، فإن مقدماته تأتي عبر هذه العناوين، ولكن القصد الفعلي منها هو تقسيم العراق إلى أكثر من دويلة حتى يسهل عليهم افتراسنا الواحد تلو الآخر، إن لم يكن عسكريا فسياسيا واجتماعيا وثقافيا».
بدوره يرى القيادي في «الحشد الشعبي» معين الكاظمي أن «هناك توقعات كبيرة على وجود سيناريوهات التقسيم المعد من قبل أطراف أجنبية وإقليمية، وقد ظهرت آثارها من خلال تصريحات جو بايدن حول تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، ثم عزز ذلك مطالبته بإدخال ذلك ضمن موازنة العام 2016 التي تدفع مباشرة إلى السنة والأكراد بتسليحهم من قبل أميركا».
ولفت الكاظمي في هذا السياق إلى أن أمام العراقيين طريقا طويلا لمواجهة هذه التحديات، خصوصا أن «داعش مدعوم من جهات خفية وبإمكانات هائلة وكبيرة»، ولفت إلى أن هناك «توجها عاما لدى الشعب العراقي برفض التقسيم، ولكن هناك كتلا سياسية وشخصيات ترغب بالسير في هذا الاتجاه وتسعى إلى تجزئة العراق»، موضحاً أن «العراق سيكون أمام توجه يسعى مستقبلا نحو فدراليات الأقاليم الثلاثة، الاقليم الكردي الموجود حاليا، والاقليم السني في محافظة الانبار وقسم من محافظة صلاح الدين، والاقليم الشيعي الذي يعد الاكبر ويضم تسع محافظات شيعية».
وكشــف الكاظـــمي عن أن التداول في هذا الطرح أوصل إلى أن يكــون «هــناك صراع على أن تكون بغداد ضمن إقليم معين أو أن تبــقى مستقلة، علما أن الشيعة يمثلون 80 في المئة منها كمحافظة».