الحشد الشعبي وداعش... وثالثهما الشيطان

الحشد الشعبي وداعش... وثالثهما الشيطان

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٢٧ مايو ٢٠١٥

 هي كلمةٌ قالها عبد الكريم قاسم قبل أكثر من خمسة عقود، نفط العراق للعراقيين، كلمة حق دفع ثمنها حياته وتحولت الى لعنة تلاحق العراق منذ ذاك الحين الى اليوم.

صدام حسين، صبي المخابرات الذي كان يتردد بشكل دوري على السفارة الامريكية في القاهرة قبل مجيئه الى العراق، اغتال القاسم واستلم السلطة. كانت اداته السياسية حزب البعث العربي، احدث الحركات السياسية بعد الحرب العالمية الثانية ونكبة فلسطين. عسكر صدام الحكم في العراق ولعب على اوتار العروبة والقومية وعناوين الدفاع ع

ن فلسطين ليرسم شخصية العروبي البطل المدافع عن حقوق العروبة والمناهض للغرب والامبريالية، في حين أنه أسدى خدماتٍ لهذا الغرب لا تقدر بثمن، بدءاً من حرب الخليج الاولى (الحرب العراقية الايرانية) التي كانت بمثابة حرب كونية على الثورة الايرانية، مروراً باجتياحه الكويت الذي مهّد لدخول الامريكي الى الخليج بعملية عاصفة الصحراء، وصولاً الى اجتياح العراق عام 2003 والذي دمّر العراق واستباح شعبه وثرواته وجعله كعصفٍ مأكول.

عام 2003، وجد الامريكي فرصةً ذهبية للانقضاض على العراق مستثمراً احداث 11 ايلول التي، وللمفارقة، كان اغلب منفذيها من الجنسية السعودية وليست العراقية، فكان العراق ضحية كذبة كبرى هي اسلحة الدمار الشامل أدخلته في حمام دم لم يخرج منه الى الآن، والذي شكل توطئة لما بعده من مشاريع هيمنة وتقسيم وتفتيت وصراع كان العراق ساحته ونواته وما زال.

العراق بما يمثل من اهمية جيوسياسية بالغة لوقوعه في قلب العالم العربي واهمية حضارية ضاربة في التاريخ واهمية اقتصادية عظيمة، شكل هدفاً لكل مشاريع الهيمنة الكونية، الامريكي يريد ثرواته والصهيوني يسعى لتفتيته مهابةً وخوفاً من مقدراته، ودول الخليج تسعى لفرض هيمنتها عليه كممر رئيس وأساسي للهيمنة على القرار العربي.

بعد الاحتلال الامريكي للعراق، دخل بلد التنوع الثقافي والحضاري والديني في مرحلة من انعدام التوازن، وطفت على السطح آفة الطائفية التي غذاها وعززها الاحتلال فكان دستور الحاكم بريمر بمثابة قنبلة موقوتة ما لبثت أن انفجرت بعد كل استحقاق سياسي حتى تحول العراق الى صندوق بريد اقليمي ودولي برسائل تفجير وارهاب لا ينتهي.

المشهد السياسي والامني اليوم في العراق هو نتيجة عاملين متداخلين أثّرا على حاضره وسيؤثران على مستقبله، ولا سيما مستقبل المنطقة لاعتبار العراق كف الرحى وعامود السماء للمنطقة. العامل الاول تمثل باختراع الصحوات ودورها اللاحق في الصراع مع السلطة، فأصبحت أساساً ومنطلقاً للاحداث التي رافقت وتلت خروج المالكي، والعامل الثاني تمثل بتأثير مشروع الحريق العربي على العراق بتعزيز الفوضى الناجمة عنه خدمةً للانفجار الكبير الذي حصل في الموصل، انفجار داعش.

لم يعد هناك من حاجة للتذكير بأنّ داعش تمكن من تكوين نفسه وحشد قوته بدعم مباشر من الصحوات التي تلقى بدورها دعماً مباشراً من مملكة الوهابية لضرب المالكي، وان تمكن داعش من غزو الموصل جاء بتواطؤ من رجالات البترودولار الذين زرعتهم اميركا والسعودية في العراق وبمساندة لوجستية من ارهابيي الحريق العربي من المغرب الى الخليج. ولا شك أيضًا، أنّ من أراد لمشروع داعش أن يتمدد هو من يسعى لإغراق المنطقة في الفوضى العارمة وخلق توازنات صدامية لا تنتهي إلّا بخراب المنطقة ونهب ثرواتها وإضعافها وجعلها أثرًا بعد عين.

إلّا أنّ أصحاب هذا المشروع وعلى رأسهم الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، نسوا، او تناسوا، انهم ليسوا اللاعبين الوحيدين في المنطقة وأنّ زمن سايكس بيكو قد ولى بعد عام 1979، وان من يملك ارادة القرار صاحب الطلقة الاخيرة ليسوا هم، وأنّ العراق بعد كل ما حققه محور الممانعة من انجازات عام 2000 و2006 و2008 اصبح حلقة في منظومة تمتد من طهران الى فلسطين مروراً بلبنان، وانه ممنوع على هذا الخط الممتد وعلى هذه المنظومة ان تتفكك او تُهزم، فكان الجنرال سليماني في ميدان العراق منذ ايام الغزو الداعشي الاولى، يقدم السلاح للاكراد ويعزز الدعم للفصائل المقاومة ويقود معركة المواجهة بنفسه، فشكل أول حالة ترتيب وتنظيم للمجموعات المقاومة وصهرها في تشكيل الحشد الشعبي لعلمه وادراكه بانه لا يمكن للجيش العراقي أن يخوض المعركة وحده، وهو بحاجة لتكريس المعادلة الذهبية "الجيش والشعب والمقاومة" للانتصار ولدحر المشروع التكفيري الصهيو امريكي، فشكلت دعوى المرجع السيستاني اساساً ومنطلقاً لتنظيم الحشد الشعبي معطوفة على دعم سليماني حالة مواجهة واضحة وثابتة لكسر المشروع الآخر وتغيير مسار الخرائط القادمة.

الامريكيون وتحالفهم الاممي لم يقدموا للعراق شيئاً لمحاربة داعش، وهم يحاولون خلق توازن بين القوتين المتواجهتين، فحينما حررت تكريت منع السلاح عن الجيش العراقي واسقطت الطائرات الامريكية السلاح لداعش ودخلت على خط المواجهة معزوفات الفتنة والخوف من الحشد الشعبي لأسباب طائفية، فكانت المراوحة التي ادت الى سقوط الرمادي.

استدرك الحشد الشعبي خبث المخططات الامريكية، ووضع الامريكيين امام مسؤوليتهم لما حصل في الرمادي ووضع الحكومة العراقية ايضاً امام مسؤوليتها، ثم ذهب بعيداً في المواجهة، فعزز الحشد الشعبي عبر ضم فرق جديدة له من الانبار ومن باقي المناطق ليكون جامعاً لكل أطياف المكون العراقي حتى المسيحيين والكلدانيين منهم، وعلى رأسهم الاستاذ ريان الكلداني الامين العام للحركة المسيحية المنضوية تحت راية الحشد الشعبي.

لقد ادرك الحشد حقيقة المؤامرة وأدرك سبل تفويتها، وتحضر لخوض المعركة على اعتبار انه يحارب عدوّان في آنٍ واحد: داعش، والتحالف الدولي الذي يلعب دور الشيطان مع كل من داعش وعدوها، فالتحالف الشيطاني مع داعش حين تضعف وضد داعش حين تقوى، يساند الجيش العراقي بعد كل تمدد لداعش ويدعم داعش بالسلاح ويتغاضى عن تحركاتها التي هي تحت مرمى طائراته حينما تضعف ليضمن التوازن لأطول مدة تحقق له تصريف السلاح وسرقة النفط الرخيص وتدمير العراق وإضعاف خصومه في المنطقة.

اليوم أعلن السيد العامري، قائد الحشد الشعبي، اكتمال التحضير لعملية الهجوم على الانبار وتحريرها، كبرى مدن العراق واصعبها، واعلن ساعة الصفر لتبدأ معها عملية بالغة الاهمية في ابعادها ونتائجها، ليس فقط على الداخل العراقي، وليس فقط بنتائجها على حماية المكون العراقي من الانهيار والتلاشي في ظل السعي الحثيث لقسم هذا المكون عبر تسليحه وكنتنته، بل على مجمل المواجهة القائمة بين داعش والمحور المواجه لها من العراق الى سوريا والى كل مكان وجدت فيه داعش موطئ قدم. ولا شك أنّ لمعركة الانبار انعكاسات ستنجر في نتائجها على مجمل ساحات المواجهة في المنطقة وستشكل منعطفاً أساساً في رسم الشكل البياني للمنطقة لمرحلة رسم الخرائط القادمة، والتي لن تكون استنساخاً لخرائط 1916... بل إلغاءً لها.