كيف فشلت محاولة الانقلاب الأميركي ضد مادورو؟

كيف فشلت محاولة الانقلاب الأميركي ضد مادورو؟

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١١ سبتمبر ٢٠١٨

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أفادت أن إدارة الرئيس دونالد ترامب عقدت اجتماعاً سرياً رفيع المستوى حضره قادة عسكريون منشقون عن الجيش البوليفاري، العام الماضي، للإعداد لانقلاب يطيح بالرئيس المنتخب نيكولاس مادورو، استتبعته بسلسلة لقاءات لاحقة.
 
اهتمام إدارة ترامب بتقويض النظام البوليفاري بدأ بتدشين الرئيس استهداف فنزويلا في شهر آب/أغسطس من العام الماضي قائلاً أن لبلاده "خيار عسكري" لفنزويلا، مما شجع بعض القيادات العسكرية للتحرك بالارتكاز إلى دعم واشنطن.
 
وعن حجم قواعد التحرك العسكري جاء على لسان مصدر عسكري أميركي قوله أن "الضباط الفنزويليين أبلغونا بقاعدة تمثيلهم لبضع مئات من عناصر القوات المسلحة،" وطلبوا تزويدهم بأجهزة اتصال مشفّرة. واستدرك المصدر بالقول أن المحاولة باءت بالفشل عقب اعتقال الحكومة البوليفارية لعدد من الضباط المتورطين في محاولة انقلاب "مؤخراً".
 
وأوضحت الصحيفة حجم التخبط داخل الإدارة الأميركية إذ كان من بين المدعوين وحضر اللقاء السري قائد عسكري سابق أدرجته واشنطن على لائحة العقوبات آنذاك، ووجهت اتهاماً له وآخرين بارتكاب جرائم ضد المناوئين للحكومة والاتجار بالمخدرات مع القوات الثورية المسلحة في كولومبيا.
 
تشير صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن الإدارة الأميركية "قررت عدم المضي بدعم الانقلابين، وانهار المخطط تلقائياً".
 
وبلغ الإحباط داخل السلك الديبلوماسي الأميركي مداه بعد الكشف عن اللقاءات، إذ نقلت الصحيفة على لسان السيدة ماري كارمن أبونتي التي أشرفت على شؤون أميركا اللاتينية في عهد إدارة الرئيس اوباما، قولها "أن صدى اللقاء سيكون له مفعول الصاعقة".
 
سياسة الانقلابات والاغتيالات تستمر وتتنوّع ففي جعبة الدبلوماسي الأميركي المخضرم جايمس جيفري حول سوريا صدرت دراسة حديثة شارك بها مع آخرين بعنوان "نحو سياسة أميركية جديدة في سوريا"، صدرت عن "معهد واشنطن" المذكور بتاريخ 11 تموز/يوليو 2018.
 
فعلى جبهة إدلب تحديداً، طالبت الدراسة صناع القرار الأميركي "حرمان القوات" لعل تلك الفرضيات تشكل أهم ما تطرقت إليه "استراتيجية الممثل الخاص لسوريا"، وهي بمجملها وتفاصيلها لا تحيد قيد أنملة عن مخططات "المحافظين الجدد" وأقرانهم "الليبراليون والشعبيون" الجدد.
 
تعيين جايمس جيفري في توقيته يسد ثغرة سياسية في توجهات السياسة الأميركية بعد فقدانها أحد أهم وأبرز أقطابها المطالبين بشن الحروب، السيناتور جون ماكين، بسبب وفاته. ماكين وجيفري وبولتون وجيفري فيلتمان (في الأمم المتحدة) وآخرين من أركان المؤسسة السياسية والأمنية طالبوا طويلاً بالتدخل العسكري في سوريا والإطاحة بالرئيس الأسد. ومجيء جيفري في موقعه المميز والحساس يصب مباشرة في استنهاض تلك التوجهات الرغبوية في الربع الأخير من أفول الأزمة عن سوريا.
 
فرص نجاح العودة للمربع الأول من السياسة الأميركية اعتبرتها يومية "واشنطن بوست" خارج السياق"وليس لها أمل في النجاح لعكس فشل مسار سنوات سبعة للسياسة الأميركية " (30 آب/اغسطس الماضي).
 
تنفيذ مهام اغتيالات ضد قادة وزعماء دول وحركات ومنظمات خارج الولايات المتحدة أوكلت لوكالة الاستخبارات المركزية، التي لم تتورع عن التدخل الفج ليس في الدول النامية فحسب، بل في الدول الأوروبية والغربية منها تحديداً كإيطاليا، بتورطها في اغتيالها رئيس وزرائها ألدو مورو رمياً بالرصاص بعد اختطافه، 9 أيار/مايو 1978، واتهام منظمة "الألوية الحمراء" بذلك.
 
واضطرت المؤسسة الحاكمة إلى سن قانون في عهد الرئيس الأسبق جيرالد فورد يحرم على "المواطنين الأميركين" المشاركة أو توفير الدعم لفرق الإغتيالات، والذي رمى لاستيعاب موجات الغضب العالمية، وما لبثت الوكالة أن استأنفت أعمالها ومهامها "القذرة" بتسخير عدد من الأساليب، بدءاً بالاغراءات والحوافز الاقتصادية مروراً بالعقوبات وانتهاء بالاغتيال الجسدي.
 
من الثابت أن أركان المؤسسة الحاكمة لم يبرحوا سياسة الاغتيالات كسلاح جاهز للتطبيق. فالاغتيالات عادة تهدف إلى التخلص من خصم أو عدو للسياسة الأميركية، بغية إحداث انقلاب في سياسة البلد المعني باتجاه إيجابي نحو واشنطن.
 
صحيفة "الغارديان" البريطانية أكدت على أن "الولايات المتحدة لم تتخلى عن استراتيجية (الاغتيالات) أبداً .. بل تعددت وتطورت مفرداتها وتدرجت من اغتيالات إلى القتل الموجه، مروراً بالغارات الجوية ضد رؤساء (دول وحركات) إلى أن اضحت هجمات بالطائرات المسيرة " (5 أيار/مايو 2017).
 
وأضافت الصحيفة أن مختبرات عمليات الاغتيال الأميركية حققت "تقدماً بالغ التطور في تقنياتها  .. لتشمل مجالات الفضاء الإلكتروني والهجمات السيبيرية؛ عززها وثيقة سرية لوكالة الاستخبارات نشرتها ويكيليكس توضح إضافة (الوكالة المركزية) أسلوب اختراق أجهزة التحكم بقيادة السيارات، مما يوفر لها القدرة على افتعال حادث تصادم" عن بعد لعربة الشخص المطلوب.
 
وتصاعدت نبرة وكثافة التصريحات الأميركية، من وزير الخارجية للمندوبة الدائمة في الأمم المتحدة، مهددة سوريا بالتدخل العسكري تزامناً مع انعقاد القمة الثلاثية في طهران بين رؤساء إيران وروسيا وتركيا، لوضع اللمسات الأخيرة على إنهاء وجود المسلحين في إدلب ومحيطها.
 
كذلك صعدت وعززت روسيا حجم تواجدها العسكري في سوريا بالإعلان عن توجه طائرات استطلاع متطورة، "تو-142 إم كاي"، وأسلحة جوية أخرى للمرابطة في قاعدة حميميم العسكرية؛ إضافة للقطع البحرية في المتوسط، 25 سفينة حربية و30 طائرة مقاتلة، واجرائها مناورات عسكرية.
 
تستبعد الدوائر الأميركية النافذة احتمال وقوع اشتباك مسلح بين القوات الأميركية والروسية في سوريا، على الرغم من التعزيزات العسكرية المتبادلة والرسائل السياسية الحادة لكلا الطرفين. بيد أن الأمور قد تفلت من عقالها في أي لحظة نظراً لتعدد مرجعيات وحواضن المسلحين في إدلب ومحيطها، خاصة وهم يعدون لمسرحية سلاح كيميائي جديدة في تلك المنطقة تستغلها واشنطن وأعوانها لشن هجمات صاروخية على سوريا وما يتلوها من تداعيات لم تكن في الحسبان.
 
أما فيما يخص "سياسة الاغتيالات" فرغم تفضيل واشنطن لها من بين خيارات أخرى تلبي مصالحها في الإقليم، إلا أن العصب الأساس لصناع القرار السياسي يدرك مخاطر مضي واشنطن لتنفيذ اغتيال الرئيس السوري.
 
خشية صناع القرار السياسي عبّر عنها "خبير عسكري" مؤخراً بالقول "اغتيال الرئيس الأسد سيؤدي لاندلاع حرب كبيرة، يهدد وحدة الأراضي السورية، الفوضى الناجمة عنه ربما تمتد إلى الدول المجاورة .. بل سيعزز التحالف القائم بين روسيا وإيران".
 
عند الأخذ بعين الاعتبار "خشية" المسؤولين من تداعيات عملية الاغتيال، يمكننا القول أن ما نُقل على لسان الرئيس دونالد ترامب حول اغتيال الرئيس السوري قد لا يتعدى لحظة غضب وإحباط ولا يعكس توجهاً جديدا للولايات المتحدة.