الزعيم العربي

الزعيم العربي

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٣١ مايو ٢٠١٤

يتحلّى بفهْم خصوصية علاقة الإسلام بالعروبة كمتلازمة حضارية؛ تتمتع بحصانة القومية؛ المنجبة لحضور قائد استراتيجي، ورئيس سياسي، وفيلسوف حكيم، وأستاذ مستنير، ومدير أمين، غابت صورته وحضوره عن الساحة العربية، واختفت من بين أفكار الشعب العربي وجماهيره الواسعة والعريضة..
هذه الصيغة المصطلح التي اعتمدتها عمومُ الدول العربية منذ الثورات إلى الاستقلال والجلاء؛ خصّت إلى حد كبير شخصيات من سورية ومصر، وقليلاً في لبنان والعراق، ونستعيد بالذاكرة لقب الزعامة الذي تُوجت به هامة رجلين رئيسين ألا وهما: الزعيم جمال عبد الناصر والزعيم حافظ الأسد، ولا نمحو من ذاكرتنا أن السوريين هم مبدعو هذا اللقب في الخمسينيات، أطلقوه على قادة الانقلابات والعديد من الرئاسات السورية؛ لكن دون امتلاك مفاهيم العنوان وفلسفة جوهره بشكل دقيق، فكان يقال للذي يتقلد سدة الحكم "الزعيم"، بدلاً من "الرئيس".. وضمن اجتماعات القمم العربية حتى اللحظة يقال حضر الزعماء العرب؛ قادة. رؤساء. ملوك. سلاطين. وأمراء..
في حقيقة الأمر فإن لقب الزعيم لغة اجتماعية شعبية محببة، سكنت عقولهم، يبحثون عنها بين الفينة والأخرى، وغدا العرب بأمسِّ الحاجة لشخصية الزعيم العربي.
ضمن رحلة البناء البشري لتكوين الأمم والدول ظهرت شخصيات أخذت على عاتقها إثبات وتثبيت وجودها وحضورها؛ من خلال حضور الاصطفاف الدولي بأشكاله العمودية أو الأفقية، والذي قاد ذلك أشخاص تمتعوا بقيم وقوى الجاذبية الفهمية والعلمية تجسدت عبر لغتهم، لذلك كانت الذاكرة الإنسانية لا تستطيع أن تتناسى زعماءها، فلكل أمة زعيم يتجول بين أفكارها لا تنساه أبداً، وتحاول دائماً أن تستعيد صورته، بكونها تتطلّع من حاضرها إلى مستقبلها أن تستعيد حضوره من بين شخوصها، فالروس يستعيدون زعامة ستالين في شخص بوتين، والأميركان يحاولون استعادة شخصية جورج واشنطن التي لم يحصلوا عليها حتى اللحظة، وكذلك يفعل الإنكليز حيث تشرشل مازال يدغدغ عقولهم، والفرنسيون مازال ديغول يتسامى ذكره في حواراتهم ومناسباتهم، وكذلك كاسترو كوبا، وزعامة تشافيز التي لم تجفّ دماؤه بعد في فنزويلا.. وهواري بومدين الجزائر، والإمام الخميني وصولاً للخامنئي إيران.. أما العرب فتجد الكثيرين منهم أيضاً يحاولون بعد رحيل الزعيمين الخالدين عبد الناصر والأسد أن يتزعموا العالم العربي وحتى الإسلامي، بيد أن ذلك لم يتحقق لهم إلا مع دخولنا الألفية الثالثة، وظهور بشار الأسد كرئيس حقيقي ضمن منظومة العالم العربي، إلى أن ظهر ما يسمى بالشتاء العربي الذي أنجب ربيعاً دموياً هداماً تدميرياً لم يُزهر ولم يُثمر؛ بل أكثر من ذلك لم يخضرّ عوده حتى يُنجب.. إلّا أن السوريين وبفضل صمودهم مع قيادتهم وقائدهم، ومن خلال وحدتهم وتكاملهم يتحوّل قائدهم إلى رئيس رمز، حمل صِفةَ وسِمةَ وأوسمةَ الزعيم؛ ليصبح بفعله المشترك معهم زعيماً فريداً ومتفرداً لا للسورين فقط، وإنما لأجيال الأمة العربية الحاضرة والقادمة إلى ساحاتها بقوة. 
نسأل: لماذا؟
ونجيب: إن فضل صموده أمام قوى الاستكبار، وإصراره على تدمير التخلّف العربي، وما يحاك للأمة العربية أي: التصدي للقوى المتمردة - الشريرة. حاملة المكائد والأشراك. صائدة الخيرات العربية - ومن ثم إيقافها عند حدودها؛ بغية تحقيق نهضة فكرية نوعية، تفعِّل وجود الإنسان العربي، وتعمل على ربطه بأمّته واعتزازه بقوميته؛ لتكون أمام هذا الفكر بما يحمله من صمود. وذاك التحدي وتلك القوى الفكرية الاستقرائية لما حدث ويحدث للأمة العربية برمّتها وللسورية بخصوصية حضورها؛ يستحق بإصرارنا مع أبناء أمتنا الشرفاء أن نطلق عليه زعيم سورية وزعيم الأمة العربية..
نعم نعلنها على الملأ: أن الرئيس بشار الأسد زعيمٌ لسورية بشكل خاص وللعروبة والإسلام بامتياز.
الزعيم إنسان رئيس، يخطئ بحسن نواياه فيعتذر، ويصيب برؤيته العلمية والعملية الثاقبة فيسمو به شعبه الذي شكّل لهم رافعة تأخذ بيدهم نحو الأمام وإلى العلا، يكفلهم ككفالة اليتيم، ويضمن لهم حقوقهم كما أوحى الإله إلى رسله وأنبيائه وأوليائه بضمانة حقوقهم وصونها بالأمانة التي حُمِّلَ بها، ومن المقدس المكنون المذكور في سورة يوسف (آية 72) (ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم) أي أنا له كفيل..
ماذا يعني لنا - ونحن نتحاور فيما بيننا- حضور الزعيم، نحلّل حضور الرئيس بشار الأسد إلى سدّة الحكم، فلم ينتبه الرؤساء والملوك والأمراء العرب لما يتحدث به من فكر عند مخاطبته لهم؛ أثناء حضوره تلك القمم العربية، وآخرها قمة دمشق، وتمتّعه بفلسفة جوهر القيادة ونُظم إدارتها.. لم يدركوا حجم الرؤى؛ وإنما نظروا فقط إلى الشخصية العمرية دون الدخول إلى مضامين فكره، فكانوا يسبحون على سطح الماء بينما كان هو يغوص إلى أعماقهم، محاولاً جَسْر الهوّة بين جهْلهم وتحضّر الأمم، كان ومازال يحثّهم على التنبّه لحجم المخاطر التي تحيق بهم، لم يشاؤوا أن يتفكروا؛ فاتجهوا إلى محاصرته واعتبروه سوريَّ الفكر الحاضر والمستقبل ابن أبيه، وهو كذلك، وأرادوه دون دراية منهم أن يكون زعيماً عليهم وأستاذاً لهم، وطبيعي أن تنجب مدارس الزعماء زعيماً فذاً، واقعياً، ملهماً علمياً وسياسياً واجتماعياً، متفوقاً على مدارسهم، لذلك نجدهم يتساقطون الواحد تلو الآخر كتساقط الفراش حول النور، وهو يسمو بنوره، نور شعبه الذي هتف له:
"الله سورية وبشار"..
أجابهم: "الله سورية وشعبي"
وأنا لكم ومنكم، لن أتوانى في السهر على خدمتكم، وانتصاركم لي انتصاري لكم، عاشت سورية مع زعيمها بشار الأسد ديمقراطية حرة أبية.
د.نبيل طعمة