حين تنساب.. بقلم: د.نبيل طعمة

حين تنساب.. بقلم: د.نبيل طعمة

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٣٠ أبريل ٢٠١٤

 الدموع وتحضر؛ فالصورة المشاهدة تكون ممتلئة بأصواتها، دون أن تنبث ببنت شفة، وحينما تتابعها وتشعر بأن هناك من ينظر إليها يظهر صوتها خارجاً عن صمتها لتمتلئ صراخاً وعويلاً ونحيباً؛ كطفل لم تتحقق رغباته أو لم يستطع الحصول على ما يريد، وبعدها ينتاب المرءَ خوفُ أو شعورُ الاتجاه إلى الخلاص الذي يمتزج بالعجب والدهشة مما حدث أو يحدث، أو المشهد حين يسيطر على الحضور والوجود والكيان الجسدي والروحي بقوة، آخذاً من خلال ما يجري إلى التطلع بين البداية والنهاية.. نسأل ذاتنا هل نستطيع الصمود إلى النهاية، ونحن أمة الصبر نبكي ونتأوّه؟ نعم وأجل؛ ولكن ينبغي أن نمارس وجودنا الطيّب والطبيعي ضمن وديان وهضبات العنف، ونصرّ أيضاً على أن نسير صعوداً أو هبوطاً من أجل الوصول، لذلك علينا أن نطالب جميعنا بأن نصمد..
حضرت إليه قرعت بابه فنادى من أعماقه من أنت فقلت أنا، فقال: ارجع، ولما عدتُ، قال: من أنت فقلت: أنت، فقال أهلاً يا أنا، وهنا التقينا؛ ولكن في ذاك المكان حيث لا أنا ولا أنت، فاضت دموعي على هنا وانهمرت قطرات على نحن المتشكلة من أنت وأنا.. ليأت من هناك أحدٌ ما غيرنا مرئي ولا مرئي خارج عن إرادتنا يجمعنا يحاورنا حول فيما نحن عليه، والغاية إعادتنا إلى بعضنا إلى هنا؛ حيث الحياة والموت يبتسمان في آن على مشهدنا وهو يتجول ضاحكاً بين هناك وهنا ، فمن تكون أنت ومن أكون أنا؟! قطرات ندى تقدم الحياة بجرد الوجود من واحد الكون، نسأله لماذا أنا وأنت هناك ملتقيان وهنا متصارعان على لعبة الموت والأنا؟!!
لماذا نقول هذا ونفعِّل لغة المسير إلى الأمام، لأن إيماننا بالوصول خاضع من بين الضرورات لحتميّة وصيرورة الخلاص والعبور إلى بداية جديدة لا تحتمل العودة إلى الوراء، وعلى عاتقنا تقع أحمال التقدم إلى الأمام، بكون الهدف هو البقاء وإلا فإلى أين؟! فهل سنبقى ضمن الشقاء والدمار؛ إذ البغاء والفساد يتشابه مع الدماء!! نسأل أنفسنا عن زمن وجودنا الذي سجّل عظمة إنساننا، ونحاور شيطان إبطنا العنيف المرعب والمخيف، وإيحاء فكرنا القادم من الخبير اللطيف شعري اللطيف الكوني السرمدي؛ معادلة تدفعنا لأن ننتقي ببصرنا مِن الذي يحضر أمامنا من الخفيف الرخيص والغالي الثمين، أفكار تغرينا مادياً ومعنوياً، نتبادل معها حوارية الاستمرار وقوة المشاعر التي تنتابنا حينما نبحث عنها.. وهنا وفي زمن ما يمرّ علينا يعتصر القلب دماً وتسيل العيون دموعاً، وهي الهائمة من أجل تملّكها واستذكار فوائد ما كنّا عليه وإلى أين صرنا! إنها تخصّنا نحن، لا تخصّ غيرنا ضمن فلسفة الأفعال المنعكسة الشرطية اللاإرادية والإرادية، وحتى لو كانت عكس كل ذلك لحظة تمكنّنا منها أو تمكّنها منّا؛ يجب أن تتفتح عقولنا وتنضح ما امتلأت به من أسى ودموع، وتمتلئ من جديد بما تراه من مدى الحب اللامتناهي؛ الذي يلغي الحاضر بكل آلامه، ويصل ماضينا بالمستقبل؛ فنظهر على الحياة من جديد إلى البناء إلى الأعلى، خارجين كماردٍ من بين الرّكام والرّماد والدّمار.
هي هكذا الحياة مزيج من الحب والخشية والحزن والألم، نحاول أن ندقق فيها لحظة أن نقف أمام مرآة وجودنا؛ التي نجري معها حوارية، نستخلص عبرة سؤال مهم: هل نحن نحيا حلماً مرعباً مستمراً، وهل ينبغي أن نستدير له ونستيقظ، أم أن نواجهه مباشرة؟ وصحيح أن ابتسامة الموت تنتظر أيَّ مواجهة على حواف الحياة؛ لكن حضورها ضرورة تجذبنا إليها بإرادة منّا أو من دونها، حيث المطالبة والإلحاح أن نقف أمام مرآة وجودنا نجري فيما بيننا حوارية نستخلص منها أن ما نحياه ليس حلماً مخيفاً بل واقع لا ينبغي أن نستدير له بل مواجهته؛ ودون ذلك مؤكد أن ابتسامة النهاية تنتظرنا تشدنا إليها بإرادتنا أو غصباً ويجب أن تكون همنا الأول بقوة العقل و الحكمة حيث تناقش معها أسباب وجودنا ، وهنا ننشئ جدلية العودة للوجود أو عدمه.
نعم بكيت، وفعلتها، ووقفت أمام مرآتي أتأمل انسياب الدموع التي تذوقت ملوحتها، وعرفت أن الإنسان بمفرده قليل، ولو كان وحيداً لمَا عرف البكاء، ولمَا انسابت دموعه، فكيف به لا يبكي على فقْده غالياً وعزيزاً مودةً ورحمةً وسكناً وسكينةً، وفلسفته قامت على التكوين، والتكوين مال وبنون وأخ وصديق وحب وحبيب ووطن يحمله بين جنباته، فيه كل ما يخصّه، فإن لم يبكِ بكوا عليه، ولا بد لكل واحد من الموجود الحي من شجن يتطور في اللاشعور إلى الجهش بالبكاء؛ الذي لا يخصّ فقط الصغير المحتاج والكهل المتألم؛ ولكن يمر بحالته الجميع، وأصعب أنواع البكاء أن تبكي وحيداً، وفي الوقت ذاته هو أجمله وأعظمه؛ بحكم أنه يفتّت الصخر حينما ينساب في لحظة ضعف الحقيقة وضياع الحق.