كذبة نيسان... بقلم د.نبيل طعمة

كذبة نيسان... بقلم د.نبيل طعمة

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٢ أبريل ٢٠١٤

 دققوا معي.. وليسأل جميعنا أنه حتى لحظة كتابة هذه المادة لم يخترع العالم برمّته والموجود على كوكبنا الحي على اختلاف مذاهبه مشاربه وما يعتقد من أديان وأفكار عيداً للكذب، هل تعرفون لماذا؟ وأمام كل ما أوجده من أعياد وأفراح وأتراح لم يقدر حتى اللحظة على استنباط يوم واحد له، فهل الحياة في جلّها كذب أو كذبة نحياها رغماً عنّا، ومنها أوجدنا كثيراً من أيام ندعوها أعياداً، غايتها نشر البسمة والفرح وتجاوز المأساة، وحضور الملهاة!! وفي كثير من الأحيان يجري المزج بينهما لتصبح الحياة (ميلو دراما)..
ولنتأمّل، فالحب مثلاً قليل لذلك غدا نادراً فاخترعوا له يوماً أطلقوا عليه عيد الحب (الفلنتاين) 14 شباط، واستذكاراً لقيمة الأم وحملها وآلامها أثناء الإنجاب والإرضاع والتربية أوجدوا لها يوماً عالمياً ومحلياً اختاروا له يوم 21 آذار، وكذلك عيد المرأة العالمي.. وابتدعوا للمعلم عيداً محلياً وعالمياً أيضاً هو يوم 8 آذار، ويبحثون عن يوم يطلقون عليه عيد الأب، وقبل كل هذا وذاك كان عيد ميلاد السيد المسيح 25 كانون الأول، وعيد الفصح وعيد رأس السنة الميلادية 1 كانون الثاني، وكذلك رأس السنة الهجرية والعبرية والفارسية والصينية والهندية، وأعياد الصعود والبشارة، وولادة الرسل والأنبياء. والأولياء. والقادة. والساسة. والمفكرين. والعلماء. والأتقياء. والأشرار. (ممن بنوا العالم وأسهموا في هدمه)، وكذلك سجّل التاريخ تأريخ ولادة الأمم والشعوب والحضارات والدول، هذا التاريخ كتبه الأقوياء كلّ على مزاجه، تعلّموا كل ذلك من الإله الكاتب الأول بالوحي؛ إذ إن كتُبه وصلت وحياً إلى رُسله وأنبيائه، دوّنها الكتبة قداسةً أو إبداعاً أو اجتهاداً لغايات تحتمل تأويل المفسِّر والاجتهاد.
أما كذبة نيسان، فهي إيحاء يُظهر التضاد من أجل عملية الانتظام الكوني، فطالما أن الخير قليل والشرّ كثير وقابيل القاتل قتل هابيل؛ فهل يمكن أمام كل ما قيل أن يكون كل ذلك صِدقاً؟! فأين الكذب، وما الذي يدعونا لشرح عنواننا وأسباب اختيارنا لاستذكار عملية من عملياته؟؟
تعالوا معي إلى قصة فتح الأندلس، ومقولة طارق بن زياد الشهيرة حينما عبر المضيق بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي حيث قال: «البحر من ورائكم والعدو من أمامكم» ودانَت الأندلس بسبب هذه المقولة حتى جبال البرانس؛ والتي لو فُتحت لكانت أوروبا بجلّها الآن عربية، ولكن الذي جرى بعد استتبابها لبرهة من الزمن أن عاد الفرنجة وقضوا على ذلك الحضور؛ من خلال دعوة بثّوها نتاج فرقة العرب وتشرذمهم، فنادوا فيهم أن من يرد أن ينجو من العرب واليهود ولا يُحوَّل إلى محاكم التفتيش؛ فعليه العودة إلى البحر حيث سفن الشرق العربية تنتظره، ولن يكون إلا آمناً.. والذي جرى بعد ذلك أن تمّ حصار العرب القادمين وتصفيتهم نهائياً على شواطئ الأندلس، حيث أُطلق على هذه العملية عملية سمكة نيسان (poissons en Avril) والتي أخذت المعنى الدقيق، واعتُمدت على أنها كذبة نيسان.. وللأسف يتداول العرب تلك الكذبة ويكذبون في مواعيدهم ومواقيتهم وأعمالهم وإنجازاتهم ومسارات حياتهم، يكذبون بينهم: أزواج. وآباء. وأبناء. وأحفاد. قادة. وأدباء. وعلماء. متدينون.. علمانيين كانوا أم علميين. فقهاء أم مفسرين. واقعيين. متفقين أم مختلفين، للأسف أقرّ العرب المسلمون أن كذبة نيسان ليست عيداً؛ إنما هو واقع يمارسونه في حياتهم كلّ يوم، بعد أن تخلّوا عن إيمانهم بقيَمهم ومبادئهم وأساسهم وأسّهم، واتجهوا إلى البحث عن العصرنة والعصرية، على الرغم من أهمية الأفكار المنتشرة في العالم في هذه الحقبة والتي تدعو إلى تطوير الذات الإنسانية، وقبول الآخر، والإنفاق على الإبداع الخَلقي والخُلقي والاستثمار في عقل الإنسان اللامادي المنتج للمادي؛ لا في المادي المستهلك للامادي..
كيف بنا نفهم أو نتفهّم ما جرى ويجري لهذه الأمة التي غدت أمماً، ولهذا العالم الذي أصبح عوالم، وللّغة الجامعة التي فُصِلت عن بعضها، وبدأت رويداً رويداً تعود إلى سومريّتها. وآشوريّتها. وأمازيغيّتها. ونوبيّتها. وكرديّتها. وخليجيّتها. وعبريّتها. وسريانيّتها. وأرمينّيتها، وربما تعود إلى رومانيّتها!! أليس كل ما نحياه حاضراً يقودنا إلى فلسفة الكذب جوهر الشر وقدرته التي بدأت تسيطر بقوة على عوالمنا العربية المتفككة بفعل استشراء الكذب؟ وثقوا معي بأن كل ما يجري مذّاك البعيد ويمارس الآن على واقعنا - ولا أستثني منه العالم الثالث بأجمعه- كذبة كبرى يرمي بها العالم الأول على عوالمنا من أجل استعبادنا.
فلماذا أيها السادة تمارسون وتتناقلون وتتشدّقون بما تفعلون على أنه كذبة لا عيد لها أبداً، ولا يمكن أن يكون للكذب عيد.. لنتفكر.. وبعد ذلك نتبادل كَذِباً كذبة الأول من نيسان.