جنيف 0 – 1 – 2

جنيف 0 – 1 – 2

افتتاحية الأزمنة

السبت، ١ فبراير ٢٠١٤

منذ قمة الرئيس التاريخي الراحل حافظ الأسد مع بيل كلينتون في كانون الثاني عام 1994 التي استمرت لأكثر من خمس ساعات بغاية تحريك عملية السلام؛ والتي انتهت بتصريح للرئيس الأمريكي (أنه لن يكون هناك حل سلمي شامل في الشرق الأوسط إلا إذا قبلت سورية أن تكون مشتركة فيه بشكل قيادي).. وهذا يعني: الإعلان أن مخطط إرهاب سورية - من خلال ثوابتها التي لم تحد عنها يوماً- قد بدأ منذ تلك اللحظة، وعلى الرغم من علم الجميع أن شروط أيّ موافقة بين طرفين تحتاج الموافقة أولاً وأخيراً من الدولة السورية قيادة وشعباً، وهذا يعني طالما أن الدولة قائمة فالتفاوض أو الحلول من ومع أي جهة كانت مع وجودها حصرياً.
إن جنيف وما تحمله من مضامين مدينة من مدن الاتحاد السويسري؛ الدولة الحيادية الوحيدة في العالم التي لا تعتمد ديناً رسمياً تستند إليه، فدستورها يبدأ بعنوان واحد يخاطب الشعب والدولة به ألا وهو (بسم الرب).. واشتهرت بحياديتها نظراً لتمسّكها بقانون الحياد التاريخي الذي يمنعها من المشاركة في الحروب أو النزاعات بين الدول، وتقف من خلاله على مسافة واحدة بين جميع الأطراف المتصارعة أو المتنازعة أو المتناحرة، وإليها يتداعى القادة المتخاصمون والأصدقاء الطامحون والإخوة الأعداء، ومدنها دائماً مرشحة لانعقاد المؤتمرات الدولية وتتواجد فيها مراكز حقوق الإنسان، وفيها تعقد أهم المعاهدات والاتفاقيات، ناهيك عن أن أثرياء العالم يدّخرون أموالهم في مصارفها مختلفين ومتفقين بحكم سرِّيتها المصرفية، وحيادها بين الجميع المتفق عليه عالمياً من أيام الحرب العالمية الأولى إلى الثانية إلى الباردة إلى الساخنة، وخصوصاً في الشرق الأوسط ودول العالمين العربي والإسلامي؛ الذي ما فتئ يقتتل مع بعضه دون هوادة.. لذلك نجده يحتاج إلى جنيف بين الفينة والأخرى، ترعاه دولة أو دول عظمى، تضع جميع المختلف أو المتعارض على طاولات الاتفاق والاختلاف؛ ضمن عملية تدوير المشاكل لا تصفيرها، وعلى الرغم من جمال جنيف إلا أن الندرة المتبحِّرة في مفاهيم الخلاف والاختلاف والحوار والتحاور تعلم أنها مستنقع آسن، رماله متحركة تضعف القوي وتنهك الضعيف.
ما معنى أن تكون جنيف السويسرية دون أن يتدخل أصحابها، وما الغاية المرجوّة منها وقد ذهبنا إليها؟ فإذا كانت الرؤية أن نعود جميعنا منها إلى دمشق؛ كما أعاد الرئيس التاريخي حافظ الأسد الرئيس الأميركي كلينتون إلى دمشق في تشرين الأول عام 1994 من ذات عام اللقاء؛ وحاوره فيها، واستيعاب الأخير لنظرية الحوار السياسي السلمي واتجاه سورية للانشغال ببناء داخلها وتعزيز قدراتها مع الانتباه إلى محيطها وأصدقائها وأعدائها.
وحينما نستعرض ما جرى في (جنيف1) وننتقل إلى (جنيف2) نسأل عن ما يجري هناك، وهل هو حوار؟! فالطاولة كما عرفنا أنها ليست مستديرة، وهذا يعني لنا أن لا حوار، وهل هو تفاوض، وإذا كان، فبَين مَن ومَن، وهل ستكون هناك تسوية، وعلى ماذا، وهل نضجت الأفكار حول أن هناك دولة وطنية تفاوض دولاً تنوب عن مجموعات تدّعي الوطنية، وأيضاً هل هناك ما يوجد تحت الطاولة؛ غايته تعويم الحدث السوري عبر ما سُمّي بالشرق الأوسط الجديد، وخرائطه التي تنفّذها أدوات الفوضى الخلاقة (الهدامة) كي يتم تمرير كل المشاريع ودفعة واحدة: مِن نووي إيران، إلى تفتيت العراق، إلى الكيميائي السوري، مروراً بإنهاء المقاومة المتجسدة في حزب الله، واستكمال مشروع يهودية الدولة، ومسح قيمة وقوة القضية الكبرى فلسطين؟!
إذاً، (جنيف0) و(جنيف1) أسَّسا لـ (جنيف2) والذي نعتبره ضمن عمليات تشتيت الوعي وفقدان السبل عبر حركات إعلامية تشير إلى عدم نضوج الأفكار والظروف الإقليمية والدولية، وذلك بسبب ثبات الدولة الوطنية السورية وقيادتها بقوة..
من كل هذا ينبغي على الكلِّ أن يعلم أنه ما لم يعُد الجميع إلى دمشق مؤمنين بالحوار السوري السياسي والسلمي؛ تبقى جنيف مهما بلغت أعدادها أرقاماً بلا أهداف ونجاحات وهمية، وبيانات شكلُها قانوني غير ملزمة لأحد، مما يشير إلى موت فكرة التفاوض وبقاء جنيف مستنقعاً للرمال المتحركة تصنعه دمشق، تُشاغل الجميع على أطرافه وتدعوهم للعودة إلى دمشق.
إن ما يجري في سورية لم يمرّ على أية دولة عربية أو أجنبية، فالكل غدا متآمراً على هذا البلد. أرضه. وشعبه. قوته وقيادته، المؤامرة جاءت في لبوس الحرية والديمقراطية، وفي الحقيقة إرهاب بكل ما تعنيه الكلمات والكل متورط فيه، وفشل الجميع في إنجاز الحل، والحل موجود؛ لكن حفظ ماء وجههم يمنعهم من الاعتراف بما تآمروا وخططوا ونفّذوا عبر تربيتهم للشيطان الذي يخشون ارتداده عليهم. 
جنيف مازالت متمسكة بالشيطان وأدواته، ودمشق مؤمنة بالله ورسله وكتبه، ومؤمنة بالمؤمنين بوجودها، لذلك تدعو لإنقاذ جنيف بحضوره مع من يريد إلى دمشق، فالجهود المطلوبة كبيرة ومن الجميع: سواء أكانوا أعداء أم إخوة أم أصدقاء أم أبناء وطن؛ بعد أن يتفهّموا قيمة وقوة أسباب وجود سورية كدولة فاعلة على خارطة الشرق الأوسط وضمن منظومة الأمم المتحدة.. الأعداء في جنيف إخوة في دمشق.
د.نبيل طعمة