رغم حضورها المتواضع ومن بوابة المناهج التعليمية تقنيات التكنولوجيا والانترنت تصطاد عقول الأطفال والإدمان عليها يخرّب براءتهم

رغم حضورها المتواضع ومن بوابة المناهج التعليمية تقنيات التكنولوجيا والانترنت تصطاد عقول الأطفال والإدمان عليها يخرّب براءتهم

أخبار سورية

الخميس، ٢ أبريل ٢٠١٥

استغرب كل من كان حولها حالة الدهشة والحيرة التي أصابتها وهي تبحث في النت عن معلومات مفيدة تساعدها في زيادة معرفتها وتفعيل مشاركتها في حصة العلوم، فقد طلبت المعلمة منها ومن رفاقها البحث في النت عن معلومات تغني النشاط الصفي.. وللحظات كانت لين “الطالبة في الصف السابع ” تحت صدمة تلك الصور التي لا تتناسب مع عمرها ووعيها، فحاولت استدراك الأمر بإغلاق الصفحات بسرعة، ولكن من نظراتها المرتبكة ووجناتها الحمراء فهم الجميع ما حصل وطبيعة الصور التي رأتها، ولم ينته الموضوع هنا، بل تعداه إلى إطلاق بعض الأسئلة البريئة لاستيعاب ما رأته خلال دقائق.
وطبعا ما حصل مع لين يحصل ويتكرر في آلاف البيوت بالرغم من حرص الأهل ورقابتهم على استخدام الأولاد لشبكة الانترنت، إلا أن هذا الخطر يبقى متربصاً بهم في أية لحظة يدخلون فيها إلى شبكة النت  دون رقابة أو توجيه.. و السؤال هنا: ألم يكن بإمكان المدرّسة اقتراح بعض المواقع المطلوبة، أو توجيه الطلاب بالشكل المناسب ضماناً لعدم تعرضهم لما قد يحرفهم إلى مسارات لا تحمد عقباها، أم غاب عنها ما يحمله الانترنت من مخاطر ومواقع تستهدف براءتهم وتشوه معلوماتهم؟؟.
التكنولوجيا للهو واللعب
بيّنت أحدث الدراسات أن استخدام العالم العربي لتقنية الانترنت والتكنولوجيا بنسبة 85% في اللهو والألعاب وإضاعة الوقت، عدا عن الانحراف الأخلاقي، وأكدت الدراسة أن استخدام التقنية في ألمانيا مثلا بنسبة 96% يكون  لصالح بحوث علمية وعسكرية وتعليمية و3% في مجال الألعاب واللهو، فما هي الأسس المفروضة والاستراتيجية التي يجب اعتمادها لتوجيه الجيل الجديد للاستفادة المثلى من شبكة الانترنت، قبل زجه في متاهة خدماتها دون حساب الاحتمالات المفتوحة أمامهم، لاسيما وأنهم يتعرضون لمخاطرها عبر الأجهزة الخلوية الذكية، التي أصبحت موضة متبعة يحرص الأهل “قبل الأولاد” على تأمينها لهم ولو على حساب الأولويات ولقمة العيش؟.

استخدام خجول
أثناء البحث عن تخديم التكنولوجيا والانترنت في المناهج التعليمية، تبين وجود خجول لاستخدام الانترنت في المناهج كمصادر للمعلومات، كبعض الأسئلة في مادتي العلوم والجغرافيا، وهي نشاطات لاصفية، إلا أن هذا الوجود الخجول فتح المجال لإبحار الطلاب بأعمار صغيرة “المرحلة الأولى والثانية” في شبكة الانترنت وضياعهم بغياب التوجيه من المدرسين والقائمين على التعليم، وأصبح توجه الطلاب نحو الانترنت “في كل الأوقات وبغياب الأهل” بحجة ضرورة استخدامه للبحث عن الإجابة، أو استخدام بعض المدرسين لموقع الفيس بوك لإدراج بعض المعلومات، مما يتوجب على الطالب إنشاء صفحة على الموقع ومتابعتها، ناسياً  المدرس أو متناسياً سهولة وقوع  الطالب فريسة مواقع خبيثة من خلال الفيس بوك.

تطوير المهارات
سؤالنا لوزارة التربية عن أسس إدخال الانترنت إلى المسار التعليمي، قادنا للقاء إيمان البرادعي مساعدة المنسق الوطني لمشروع دمج التكنولوجيا في التعليم بوزارة التربية سابقاً، من عام 2007 وحتى عام 2013، وقد بينت لنا ماهية المشروع الذي بدأ بالوزارة في عام 2005 بالتعاون مع الأمانة السورية للتنمية، وقد استلمته الوزارة بشكل كامل في عام 2007، من خلال إحداث وحدة دمج التكنولوجيا في التعليم وإلحاقها بمديرية التوجيه والمناهج سابقاً، وهي مديرية التوجيه حالياً، وشرحت البرادعي أهمية المشروع الذي  يهدف إلى الارتقاء بالعملية التعليمية وكوادرها، لتطوير مهاراتهم التقنية ومواكبة بيئة التعلم الحديثة، ومنها إعطاء الطالب الدور الأساسي في عملية التعلم، ورفع قدرات ومهارات المدرسين لمواكبة تطور التكنولوجيا والقدرة على استخدامها وتخديمها بالشكل الصحيح في المسار التعليمي، وبالتالي الانسجام مع التطور الحاصل في المناهج الحديثة وخلق مجتمع تشاركي يهدف بدوره ليكون أساساً لتنمية مهنية مستدامة، وتشمل تحويل دور المدرس من معلم تقليدي إلى ميسر للعملية التعليمية، وموجه وقدوة للطلبة، ويجب التركيز على الفكرة التي قام عليها المشروع وهي استخدام التكنولوجيا ضمن مسار التعلم باعتبارها أداة وليست هدف، وأضافت انه تم تدريب ما يقارب 25 ألف مدرس على مهارات الدمج، فالمدرس المتبع لدورة الدمج أكثر نضجاً وتركيزاً في إيصال المعلومة إلى الطالب، وحثه على التفكير والاستنتاج، ولديه القدرة بشكل أكبر في التحضير السليم للدرس من خلال وضوح الرؤية وتحديد الهدف المرجو وتنويع الأنشطة بحيث تنمي مهارات التواصل ومهارات التفكير لدى الطلبة.

حافز الإبداع
الهدف الرئيسي من المشروع هو الوصول إلى المقدرة على التعلم الذاتي، بالإضافة إلى بناء استراتيجية عمل واضحة تتناول أسلوب التعلم التعاوني داخل الصف، والارتقاء به للتعلم التشاركي الذي يتجاوز الغرف الصفية سعياً للاندماج بالمجتمع المحلي، هذا ما أكدته دارين صباغ “مدرسة لمادة العلوم” وهي من المدرسات اللواتي اتبعن دورات الدمج: انه تم توظيف التكنولوجيا للفائدة والتشويق وكوسيلة جذب للطلاب، كما أنها خلقت حافزاً للإبداع عند الطلاب، وأظهرت طاقاتهم الكامنة، وعملت على تحويلهم من مجرد متلقين للمعلومة وحافظين لها إلى محاورين وباحثين عن المعلومة من خلال التشارك والتفاعل في الصف.

مشروع دمج التكنولوجيا
وفي نظرة تفصيلية على المشروع تبين انه يتضمن أربع مراحل تدريبية، مرحلة تمهيدية تتضمن تهيئة المدرسين وإخضاعهم إلى دورات لإكسابهم المهارات اللازمة، لتمكنهم من خوض المراحل الأربع الأساسية لبرنامج دمج التكنولوجيا في التعليم، ثم المرحلة الأولى تعمل على إكساب المدرسين والطلاب المهارات والممارسات الجيدة لبناء مجتمع المتعلمين عبر الشبكة العالمية، ودخول عالم تكنولوجيا الشبكات والمعلومات (الانترنت لأغراض التعليم والتعلم)، وتهدف المرحلة الثانية إلى تعريف المتعلمين بأساليب التعلم بالمشاركة عن بعد وإكسابهم المهارات اللازمة لتصميم وتطوير وتنفيذ وإدارة مشروع تعلم بالمشاركة عن بعد، والمرحلة الثالثة لتطوير الخبرات والمهارات حول بناء وتنفيذ الممارسات المبتكرة والتي تدمج بين تكنولوجيا المعلومات والمناهج المدرسية وتوجيه ومساعدة المعلمين في توظيف ودمج استراتيجيات التعلم المستهدفة الطالب والمناهج المحوسبة ومصادر المعرفة والتكنولوجيا المتاحة في تحسين خطط الوحدات التعليمية والدروس بهدف دعم تعلم الطلاب وتحسين مخرجات التعلم، وتهدف المرحلة الرابعة إلى مساعدة المشاركين على تطوير مهاراتهم وتعميق فهمهم لكيفية إنشاء وتقويم ونشر الممارسات التدريسية المبتكرة وتكنولوجيا التعليم وفرص التنمية المهنية، وتقييم تعلم الطلبة، وتنمية مهارات التفكير العليا لديهم. ‏

من الواقع
وخلال جولتنا على عدة مدارس في دمشق وريفها، وجدنا أن معظمها يعاني من ضغط وازدياد في عدد الطلاب في الصف الواحد، كمنعكس للأزمة والهجرة الداخلية من المناطق الساخنة إلى الأكثر أماناً، مما أعاق الاستخدام الأمثل للأدوات التكنولوجيا مثل الوسائل التوضيحية وأجهزة العرض، وقلة عدة الحواسيب الموجودة في المدرسة، إضافة إلى انقطاع الكهرباء في وقت الدوام المدرسي معظم الأحيان، والذي حرم الطلاب والمدرسين من استخدام الحاسوب والانترنت ضمن الحصص الدراسية، لتبقى من مهام الطالب في المنزل!.

لعنة الفيس بوك والواتس أب
رغم ضعف الإمكانيات، والاعداد الكبيرة لطلاب المدارس، وانقطاع الكهرباء، إلا أن الأجهزة الخلوية الحديثة كانت حاضرة بقوة في المدارس، حيث تركزت شكاوى الكادر التدريسي على استخدام الطلاب لشبكة الانترنت بالمدرسة وفي الحصة الدراسية، من خلال أجهزتهم رغم منعها في المدارس إلا أن القوانين غير الصارمة ” مصادرة مؤقتة تنتهي بنهاية الدوام” سهلت تجاوزها من قبل الطلاب والأهل، ومبرراتهم حاضرة وهي الاطمئنان على أولادهم في ظل الظروف الراهنة، ولكن من خلال المتابعة والمراقبة، أكد الكادر التدريسي اتجاه الطلاب إلى الفيس بوك والواتس فقط للدردشة واللهو في أوقات الدوام، في حين أكدت إحدى المرشدات في مدرسة همام فلوح أنها جمعت أرقام هواتف لبعض الطالبات في المدرسة، في مبادرة منها لتراقب استخدامهن لتقنية الواتس أو الفيس بوك التي غزت مجتمعنا، فاكتشفت أن آخر ظهور في الواتس “مثلاً” لعدد من الطلاب في الثالثة إلى حد الخامسة صباحاً، وبعض الأحيان في أوقات الحصص الدراسية، مما يدعم نظرية استخدام هذه التقنيات في الاتجاه المفسد للوقت والأخلاق.

الاستسلام وتخريب العقول
استخدام الانترنت والحاسوب يؤدي، حسب رأي رجاء شميط موجهة في مدرسة همام فلوح، إلى تخريب العقول والاستسلام إلى المعلومة الجاهزة على شبكة الانترنت، إذا ما تم تأهيل هذا الجيل على كيفية التعامل مع الانترنت لتجنب سلبياته، وكما أشارت إلى التأثير السلبي على المكتبة كونها أصبحت في آخر اهتمامات الطلاب، وعزوفهم عن المصادر الموجودة فيها، لذلك لابد من إعادة تأهيل هذا الجيل للوقاية من سلبياته ومخاطره، وقد وجه الكادر التدريسي من موجهين وتربويين ومدرسين إلى ضرورة خلق حصص دراسية للتربية الأخلاقية والنفسية، وان يكون لها منهاج محدد لكل سنة دراسية، وليس حسب حصص الفراغ فقط، وإدراجها ضمن المنهاج لتنشئتهم التنشئة الصحيحة وزرع القيم الأخلاقية، لمحاربة مفاسد واثر التكنولوجيا السلبي ومقاومة الانحراف في متاهاتها.

تحسن مستوى التعلم
وبما أن موضوع دمج التكنولوجيا بالتعليم نال اهتمام الأوساط التربوية والتعليمية في سورية، ويتجلى ذلك في  العديد من الدراسات التطبيقية حول  تقنيات التعلم بواسطة الحاسوب، أو إدخال التكنولوجيا للاستفادة من شبكة الانترنت في مجال التعلم وتطوير المناهج، د.هاشم الفشتكي “دكتوراه في دمج تكنولوجيا التعليم بالطرائق الحديثة”، أجرى دراسة حديثة لاختبار مدى أهمية دمج التكنولوجيا بالتعليم، بين فيها تحسن مستوى التعليم ورفع فاعليته ما بين 50% إلى 67%، وقد سجل استخدام تقنيات الحاسوب بالتدريس ارتفاع مستوى التحصيل عند الطلبة الذين استخدموا هذه التقنية إلى مستوى 80% وارتفاع مستوى مهارات التفكير الإبداعي “المرونة -إدراك التفاصيل -وحل المشكلات والأصالة” بحسب مقياس تورانس لمهارات التفكير الإبداعي.

دراسات تطبيقية
ولتحديد معنى دمج التكنولوجيا بالتعليم، والذي يظنه الكثير أنه التعلم على الحاسوب وكيفية استثماره، شرح لنا د.الفشتكي أنها جهد إنساني أو طريقة للتفكير في استخدام المعلومات والخبرات والعناصر البشرية وغير البشرية المتاحة في مجال معين وتطبيقاتها في اكتشاف وسائل تقنية لحل المشكلات الإنسان وإشباع حاجاته وزيادة قدرته، ويكون المتعلم هو المحور الأساسي من عملية دمج التكنولوجيا بالتعليم. وقد بينت دراسة للدكتور الفشتكي عام 2010 اثر التعلم القائم على استخدام الحاسوب في تحصيل مادة علم الأحياء والبيئة ” وهي دراسة نشرت في مجلة جامعة دمشق للعلوم التربوية “، وفاعلية برنامج حاسوبي في التربية الصحية وهي دراسة تجريبية في كلية التربية جامعة دمشق طبقت على طلبة معلم صف.

توعية أخلاقية
ومما سبق اجتمع الرأي العام على ضرورة وجود توعية أخلاقية وثقافية، لمواكبة تطورات الطلاب ومراقبتهم نفسياً واجتماعياً ومساعدتهم على بناء ثقافة داخلية تجعلهم قادرين على تمييز الجوانب الايجابية للانترنت واستثمارها، والابتعاد ما أمكن عن مواقع اللهو والانحراف الأخلاقي، وهذه الثقافة تبنى من الصغر لان الجيل الجديد حسب رأي الدكتور طلال مصطفى “علم اجتماع “معتاد التعامل مع هذه التكنولوجيا لتواجدها في كل بيت، ووجودها بين يديه جعلته متقناً لها متعلقاً بها، ويسرت أمامه الحصول على ما يريد من خلالها، كما أنها تتمتع بمزايا ايجابية كوجود مصادر معلومات متعددة، يصل إليها في أي وقت ومن أي مكان فوفرت الوقت والجهد في الحصول على المعلومة، أما الجانب السلبي والذي شدد عليه د.مصطفى ويجب العمل على ضبطه هو انفلات الأولاد من السلطة المجتمعية والأبوية، والانحراف عن ما هو قيم ومفيد، كما أكد على أهمية دور المؤسسات الإعلامية والدينية في توجيه المجتمع إلى الفائدة المرجوة من التكنولوجيا وشبكة الانترنت.

الإرشاد والتوجيه
من واجب الأسرة والمدرسة الإرشاد إلى مواقع تثقيفية تعليمية، تساهم في تغيير النظرة العامة لاستخدامات التكنولوجيا الخاطئة، بالإضافة إلى وجود برامج مراقبة أسرية تساعد في ضبط وتسجيل ما يتصفحه الأولاد على شبكة الانترنت في غياب الأهل، مصنفة حسب الاسم والمحتوى، بخطوة قد تكون مساعدة في بعض المراحل، ولكن الأهم هو التركيز على تغيير النظرة السائدة في مجتمعنا، باستخدام الشبكة في مواقع التواصل الاجتماعي والترفيه فقط، وإنما دمجها في حياتنا بشكل هادف.
فاتن شنان