أردوغان في السعودية، وقوى وطنية تركية في دمشق...صراع المشاريع في أنقرة!!!

أردوغان في السعودية، وقوى وطنية تركية في دمشق...صراع المشاريع في أنقرة!!!

أخبار سورية

الخميس، ٥ مارس ٢٠١٥

 قد تكون المصادفة لعبت دوراً في تقديم المشهد التركي بتناقضاته الصارخة من خلال حدثين، الأول: زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية والاستقبال الحافل له من ملك آل سعود سلمان بن عبد العزيز، الثاني: زيارة وفد تركي سياسي، وبرلماني، واقتصادي إلى دمشق، ولقاؤه الرئيس بشار الأسد، ومسؤولين سوريين سياسيين آخرين.
الأمر ليس صراعاً على من يكسب قلوب، وعقول الأتراك، بل إن القضايا على مستوى المنطقة، والعالم، ومقاومة الشعب السوري البطل، باتت تقتضي من كل الدول، والأحزاب، والمثقفين اتخاذ مواقف مفصلية تجاه ما يجري حرصاً على مستقبل شعوب هذه المنطقة، ودولها المهددة بالتقسيم، والانهيار...
يبدو المشهد التركي جزءاً من المشهد العام في المنطقة، والعالم، ولكنه يلعب أيضاً دوراً في التحولات المحتملة لمواجهة ما هو قادم، ذلك أن ساحة أردوغان بدأت تشهد انقسامات، وتشققات، وصعوبات جمة، وهو ما يبدو واضحاً في اعتراف أردوغان بأنه (معزول)، وفي احتدام الصراع داخل تركيا نفسها، الذي يتمثل في الآتي:
1- ظهور انقسامات واضحة داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم- يتمثل في إخراج عبد الله غل (الرئيس السابق)، وهو رفيق درب أردوغان، وظهور عمليات شد وجذب مع رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو، واستقالة حقان فيدان كاتم أسرار أردوغان- ومدير المخابرات التركية، وكنز المعلومات حول التنظيمات التكفيرية، وداعش، والنصرة، دون موافقة أردوغان الذي قال بوضوح أثناء عودته من السعودية: (إنني أنا من عين فيدان، ولا يجوز أن يستقيل من دون أن يسألني!!).
2- الصراع الشرس بين واجهة السي آي إيه- والموساد (فتح الله غولن) ورجب طيب أردوغان، والذي أدى إلى قيام أردوغان باستهداف كل الموالين لـ(غولن) في أجهزة الدولة، ومؤسساته التعليمية، والاقتصادية (بنك آسيا)، والإعلامية، وهو ما تشير إلى وجود رغبة أمريكية في الإطاحة بأردوغان حينما تجد البديل.
3- ظهور تيار داخل الحزب الحاكم ينتقد السياسة الخارجية التركية، وكذلك الداخلية وخاصة بعد انكشاف قضايا الفساد، والركود الاقتصادي، وقمع الحريات والفشل الذريع لمشروع العثمانية الجديدة في إنتاج أي قيمة مضافة لتركيا، ودورها الإقليمي...
4- الأكثر خطورة هو تسريب جزء من الاتفاق الذي تم بين حزب أردوغان وحزب العمال الكردستاني حول إيجاد حل للمسألة الكردية، مقابل دعم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي (HDP) وتحالفه مع أردوغان في انتخابات حزيران 2015، من أجل تعزيز أغلبيته البرلمانية بهدف إنتاج دستور جديد يُقر الفيدرالية- ويعزز سلطات أردوغان الرئاسية... وهو أمرٌ قد لا تتحمله قواعد الحزب الحاكم، وشرائح المجتمع التركي، التي تنظر إلى ذلك على أنه تهديد لوحدة تركيا، وأسس الجمهورية العلمانية التي أسسها أتاتورك...
مقابل ساحة أردوغان، وميدانه، يظهر ميدان تركي آخر عكس وجهة نظره في دمشق، خلال زيارة الوفد السياسي، والبرلماني الأخيرة وتتمثل وجهة النظر هذه في الآتي:
1- يعتبر هؤلاء أن أردوغان وحزبه مجرد موظفين لدى مشروع الشرق الأوسط الكبير، وأنهم لا يهتمون بمستقبل تركيا، ويسعون لتقسيمها وإضعافها، وظهر ذلك في استهداف الجيش التركي- وإذلاله، والهيمنة على مؤسسات الدولة القضائية، والتعليمية، والأمنية، والإعلامية وخصخصة الاقتصاد التركي، بحيث تحولت تركيا إلى دولة مرهونة أرضاً وشعباً، وقراراً سياسياً...
2- إن صمود سورية، ومقاومة شعبها وجيشها، وحكمة وصلابة قائدها الرئيس بشار الأسد هو الذي أعطى كل أحرار العالم القدرة على مواجهة المشاريع الإمبريالية التي تستهدف بلدانهم، كما استهدفت سورية، وقد عبر رئيس الوفد السيد دوغو بيرنتشيك عن ذلك بالقول: (إن قلب العالم ينبض في دمشق).
3- إن زيارة الوفد التركي إلى دمشق أظهرت وجود تيار واسع في تركيا يرفض سياسات حكومة أردوغان ضد سورية، ودعمها للإرهاب بكل أنواعه، لأن هذا الإرهاب سوف يرتد على أمن شعبها، وحسب مصادر الوفد التركي فإن آلاف العناصر الداعشية قد أصبحت موجودة داخل المدن التركية، وفي هذه النقطة فقد تحولت تركيا إلى رهينة لدى داعش ذلك أن أي تغيير في سياسة تركيا سوف يؤدي إلى بدء داعش باستهداف المدن التركية.
4- من الواضح أن هناك قلقاً لدى أوساط تركية عديدة، وواسعة من انتشار الإرهاب، ولابد من التحرك سريعاً لإيجاد حلول تحمي أمن تركيا، وشعبها، إذ إن استمرار أردوغان في قيادة المركب التركي سوف يؤدي به إلى الغرق حتماً...
الوفد التركي الذي زار دمشق ليس وفداً صغير الشأن كما قد يعتقد البعض، وأهمية زيارته تكمن في أنه ضم تيارات سياسية مختلفة، وممثلاً عن المؤسسة العسكرية، وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية السيد عبد اللطيف شنر الذي ترك أردوغان عام 2007، ولذلك فإن الأمر ليس مجرد زيارة تمت تغطيتها إعلامياً، وانتهى الأمر، إنما هناك تأكيد على وضع آليات لاستمرار التواصل الشعبي، والسياسي، والبرلماني من أجل قطع الطريق على من دمر جسوراً قوية بين الشعبين- إلى حين تمكن الشعب التركي من إنتاج معادلات سياسية جديدة يُوقف من خلالها مشروع تدمير المنطقة..
أردوغان زار السعودية، وناقش مع سلمان إنتاج محور مذهبي لمواجهة إيران، وهو أمر سيسعد إسرائيل- ونتنياهو، والوفد التركي في دمشق يناقش إنتاج محور يضم دول المنطقة، وشعوبها وأحزابها، ومثقفيها لمواجهة مشروع العفن الوهابي، العثماني- الصهيوني- الإخواني الذي أنتج مسرح القتل- والدمار- والإرهاب الذي نراه..
إن مواجهة هذا المشروع التدميري- التقسيمي تحتاج إلى وحدة، وتكاتف القوى الوطنية، والشعبية والسياسية المؤمنة بوحدة أوطانها، وباحترام الجيران، وبمستقبل يقوم على القرار الوطني المستقل، وهذه الجهود قد لا تكون عصا سحرية، ولكنها بالتأكيد ستزيد المسامير في نعش مشاريع الفتنة- والمذهبة- والإجرام.
ما قاله الرئيس الأسد للوفد التركي ليس كلاماً للمجاملة، فالجميع ينظر إليه كقائد مقاوم كبير على مستوى المنطقة، والعالم، إذ أكد أن «العلاقات الحقيقية بين الدول تبنيها الشعوب لا الحكومات» وفي هذا لم تخطئ سورية منذ البداية في التمييز بين حكومة أردوغان والشعب التركي.
الشهور القادمة حساسة- وتركيا تشهد صراع المشاريع ما بين مشروع مذهبي- عفن طائفي، وما بين مشروع يريد إنقاذ تركيا التي وصف الكثير من أعضاء الوفد أنها في وضع يشبه شفير الهاوية.
وهنا تبدو دمشق مهمة لأنها دائماً وعبر التاريخ كانت تمثل الجسر للعودة إلى الطريق المستقيم.