عمره نصف قرن.. التفاتة متأخرة نحو التخطيط العمراني.. نيات حماسية.. وخطوات «سـلحفاتية»..!

عمره نصف قرن.. التفاتة متأخرة نحو التخطيط العمراني.. نيات حماسية.. وخطوات «سـلحفاتية»..!

أخبار سورية

الأربعاء، ١٧ ديسمبر ٢٠١٤

إن مواجهة الأوضاع الصعبة الحالية، التي يعاني منها قطاع العمران، والتي سوف تتزايد تداعياتها في المستقبل المنظور. نتيجة لعدم التحضير الواعي والجاد، والتخطيط السليم، لمستقبل التـنمية العمرانية والشاملة. تتطلب جهداً وعملاً حقيقياً على أرض الواقع.
ولكن علينا في الوقت نفسه الإشارة إلى أن الوضعية الحالية، والتي يعتقد البعض باستحالة مواجهتها، يجب ألا تضعنا في حالة اليأس والقنوط، حيث لابد من الإيمان بأن طريق العمل الجاد هو الوسيلة الناجعة. وهذا الأمل في التغلب على المستحيل، له مؤشرات حالية إيجابية، ناجمة عن ظروف ومتغيرات راهنة. يمكن في حالة حسن استخدامها وتوظيفها، جعل المستحيل ممكناً، ومنها: وجود إرادة، قوية وواضحة، مع وجود اهتمام واضح ونية صادقة، بدعم مجالات التـنمية العمرانية والإسكانية، ودعوات معلنة لحل جميع المشكلات العمرانية..!! وهو الأمر الذي يعني ضمنا، إمكانية تحقيق أكبر تـنسيق ممكن بين النظام التخطيطي الرسمي ونظام البلديات، والمجالس البلدية، بما يحقق خدمات عمرانية أفضل، وأكثر ارتباطاً بالواقع.
قصور..!!
يجمع أغلبية العاملين بالقطاع العقاري كأصحاب بعض المكاتب العقارية والمهتمين على أن قصور المخططات وقدمها هو السبب الرئيس في تشويه القطاع واستمرار أوضاعه متدهورة وأسعاره محلقة عاليا لا يستطيع أصحاب ذوي الدخل المحدود الاقتراب منها أبداً.
وقد حذر متخصصون وعقاريون من التشوهات الحاصلة في المخططات التنظيمية المخصصة لبناء الوحدات السكنية
والقوا باللائمة بالدرجة الأولى على مجالس المدن والوحدات الإدارية لتأخرها بإصدار مخططات تتسم بخصوصية التوسعات وتخصيص مساحات واسعة بهدف بناء الوحدات السكنية عليها, وقد فرض ذلك واقعا ساهم بارتكاب المخالفات في مناطق العشوائيات وأحيانا في أماكن التنظيم تحت ضغط الحاجة والطلب على المسكن وفساد بعض أجهزة الوحدات المحلية جراء السماح للمخالفين والمنتهزين بإخراج منازل مخالفة «وكل شي بحسابه»..!!
أول ما تسمعه من مسؤولي التعاون السكني وبعض المنفذين كالمطورين في السوق هو أن هناك شحا بالمساحات المنظمة وهي معاناة بات عمرها سنوات ومنذ أكثر من سنتين ووزارة الإدارة المحلية تطلق عبارات الحماسة عن عزمها إنجاز وطرح مخططات متكاملة الذي يتحمل مسؤولية التقصير حسب زعمهم هو البلديات والفنيون واللجان المشرفة والمختصة بالمحافظات, إضافة إلى الإجراءات البيروقراطية التي تعتمدها الجهات ذات العلاقة لإنهاء متطلبات معاملات التخطيط فيما أرجع آخرون الأمر إلى سوء تخطيط مرتبط بخلل في السياسات الحكومية ما أفرز مشكلات شح الأراضي وارتكاب المخالفات العشوائية والتي لم تحرك الجهات تجاهها أي ساكن....!
مخططات لا تناسب..!!
أشار المهتم والخبير حيدر الأحمد إلى ضعف قدرات المهندسين العاملين في البلديات وعدم توافقهم مع التطورات الحاصلة وطلبات الجهات المعنية بالبناء إلى أن عصب معاناة العقارات ببلدنا يكمن في القصور في رسم سياسة واضحة وصريحة متكاملة الأهداف والمساعي.. فالبلديات ومجالس المدن تتعاطى مع المخططات وطلبات الأراضي لزوم مشروعات العقارات بشيء من الإهمال والتجاهل, فالتأخير والمماطلة هما من يحكم عقلية استمرت طويلاً ولا تزال.. المكاتب العقارية لا ناظم لها وتجار السوق والمطورون المنفذون للمشروعات كلمتهم هي السائدة يعملون وفق مصلحتهم الخاصة ولا تهمهم صورة السوق وما آلت إليه حاملة الأوجاع جراء الأسعار الفاحشة..!
لقد أوجدت بلدياتنا على مدار عقود إشكالات ومعوقات أمام التخطيط العمراني الحديث والذي بموجبه يمكن أن ننتج مخططات تدخل السوق العقاري سواء لبيعها أو تقديمها بمبالغ مالية للجهات المنتظرة للمقاسم التنظيمية.. ومن هذه المعوقات سلسلة طويلة من الإجراءات وأخذ الموافقات من الوزارات لتداخلها فأخذت بذلك ذريعة للتأخر والمماطلة.. فالأرض وعدم فرزها مثلا يحول دون إنجاح المساعي ورسم مخططات بصورة سريعة .
إعاقة متعمدة..!
من جهته أشار العقاري ممدوح الحسين إلى أن سبب مشكلات العقار تكمن في عدم وجود سياسة تنظم آليات العمل والتعاطي الصحيح.. وضعف بلدياتنا إزاء إخراج مخططات حديثة ساهم في إعاقة تدفق الأراضي للسوق العقاري وتالياً ارتفاع أسعار البيع ما يصعب على المواطن البسيط الحصول على قطعة أرض يمكنه بناء مسكن عليها..
وما ينقصه بصراحة جهات منفذة متسلحة بأجهزة وكوادر تمتلك القدرة على رسم تصورات متكاملة وإعطاء الفرصة أمام الشركات والمطورين العقاريين.
خطوة.. ولكن متأخرة !
أعدت وزارة الإسكان والتنمية العمرانية مشروع مرسوم يتضمن تصورات عن واقع التخطيط العمراني مع إحاطة شاملة للواقع الحالي وتصورات مستقبلية تشخص كيفية النهوض بمسألة التخطيط الحديث.
وبداية نقول: إن أهم ما يميز فكرة ومفهوم التخطيط العمراني. هو أنه نظام مرتبط ومتعلق بالمستقبل، وبالنظر دوماً إلى الأمام، وبكيفية مواجهة التحديات المستقبلية، والاستعداد الدائم والمستمر للتعامل مع مشكلاته وتوقعاته.
يقدم حلولاً مرنة لمشكلات الإسكان
يقول مدير التنمية العمرانية في وزارة الإسكان والتنمية العمرانية -المهندس رضوان درويش: إن المرسوم المقترح يهدف إلى التوصل لمعايير حقيقية تلبي حاجات التجمع العمراني الآنية والمستقبلية وتخدم أهداف التنمية وتطور التجمعات العمرانية وتظهرها بالمظهر الحضاري الملائم.
وبحسب درويش أن هذه الأسس تحتاج لضرورة ملحة لإعادة النظر فيها وتعديلها، مضيفاً: أصبح هناك تطور كبير منذ ذلك الوقت في المفاهيم العمرانية ودخلت مصطلحات جديدة «التنمية المستدامة -العمارة الخضراء -العوامل الافتراضية- الحاجات» والعمل على القضايا التي تتعلق بالتكنولوجيا، وعلى مستوى الحاجات البشرية، وأوضح درويش أنه طرأ تغير كبير، وتالياً لابد من تعديل الأسس وإعادة النظر فيها ووضع أسس تلبي حاجات المواطن وتحترمه وتكون قادرة على مواكبة المرحلة القادمة وتعد فرصة ذهبية لإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة، نصبح من خلالها قادرين على وصف هذه المفاهيم والمصطلحات وتحويل نقاط الضعف التي شكلتها الأزمة إلى نقاط قوة من خلال الممارسة على الأرض لهذه المفاهيم والتي يمكن أن تصل بشكل حضاري إلى المجتمع السوري الذي كان عبر التاريخ رائداً ويصدر المفاهيم المتطورة.
في المحاور الأساسية أكد أنه تم النقاش كثيراً في الأسس ونسعى لصياغة نهائية تكون منتجاً نهائياً، لافتاً إلى أن الأسس تحتاج إلى تقييم كل مدة زمنية والمقترح أن تتم إعادة تقييمها كل خمس سنوات وإعادة النظر فيها بحيث تواكب التطورات على المستوى العمراني إضافة إلى أن أي فترة خلال السنوات الخمس القادمة وعند الشعور بأنه يجب إجراء أي تعديل بحيث تلبي التطورات بشكل أفضل سنعمل على ذلك، وأكد درويش أن التعديلات أصبحت ملحة وهي الناظم لأي مجتمع عمراني ممكن أن ينشأ مستقبلاً وفي مرحلة إعادة الإعمار سيتم استخدام الأسس وتطبيقها حتماً لأنها تمتلك المرونة وتلبي الحاجات وتلبي كل المجتمعات العمرانية حسب طبيعتها وبيئتها وتلبي تطلعاتهم والتي يوجد فيها توجه لاحترام الطبيعة والموارد المتجددة والنظيفة، والسبب أن سورية محدودة الموارد ولاسيما في السنوات الماضية وأصبح من الضروري الاتجاه نحو الموارد المتجددة والتي ستنعكس بشكل إيجابي على المجتمعات العمرانية والتي تلبي الاحتياج وتكون على مستوى الطموح.
استخدام أمثل للأرض
وأضاف: إن أسس التخطيط العمراني تعني المبادئ الموحدة التي تنظم عملية تخطيط التجمعات السكانية وتتضمن الأسس العلمية الهندسية العامة للتخطيط العمراني والبناء والخطوات والمراحل الواجب اتباعها في تحضير البرنامج التخطيطي الخاص في دراسة المخطط التنظيمي العام والتفصيلي، ونظام البناء لأي تجمع سكني، موضحا أنه يتم العمل على تعديل هذه الأسس لتتماشى مع الواقع الحالي، لافتاً إلى أن مشروع مرسوم التخطيط العمراني المقترح يأتي ضمن إطار سعي الوزارة لتطوير القوانين والمراسيم الخاصة بالإسكان لجعلها أكثر مرونة وبساطة وعدالة وتحقق المصلحة الوطنية وتتماشى مع مرحلة إعادة الإعمار، مشيراً إلى أن مشروع المرسوم يضمن الاستخدام الأمثل للأرض ويلبي المتطلبات الوظيفية والمعمارية والجمالية ويحسن توزع الخدمات والمنشآت التعليمية والصحية والإدارية وشبكات الطرق والنقل وخدمات المناطق الصناعية والحرفية لتأمين الحاجات الضرورية الطبيعي للسكان.
وعن المخططات التنظيمية والكيفية الواجب اتباعها أثناء إعداد المخططات بالصيغة الرقمية من خلال تحويل المخططات من الصيغ الرقمية تمهيدا للوصول إلى المخطط التنظيمي المتكامل بيّن درويش أن المخططات التنظيمية تهدف إلى ضبط وتنظيم النشاط السكاني والعمراني وكل عمليات البناء والتشييد في التجمعات الحضرية بما يؤمن الاستخدام الأمثل للأراضي ضمن رقعة محددة وتأمين الخدمات والبنى التحتية اللازمة والاشتراطات البيئية من خلال ضوابط الأبنية للمشيدات من حيث الإنارة ودخول الشمس والتهوية، وأشار درويش إلى أن المخططات الرقمية، بعد دخول تقانات المعلومات في مجالات هندسية مختلفة بما فيها مجال التخطيط والتنمية العمرانية، مكّنت من التعامل الرقمي مع المخططات التنظيمية على مستوى الدراسات وإعداد المخططات ومستوى الاستثمار والإدارة البلدية، وتالياً كان من الضروري التعامل مع المخططات التنظيمية الرقمية من أجل تنفيذ الخطط من قبل الوحدات الإدارية بشكل دقيق وميسر وإمكانية التطوير والتحديث للمخططات المتاحة بالصيغة الرقمية، لافتاً إلى إمكانية المطابقة والتقاطع والفرز والتصنيف لكل الشرائح (طبوغرافي-عقاري- تنظيمي) التي تتيحها الصيغ الرقمية، مؤكداً أن استخدام المخططات الرقمية تفيد بشكل كبير من خلال سهولة الأرشفة والنقل والتداول والإخراج.. ولفت درويش إلى ضرورة العمل على تجهيز وتطوير مرصد حضري يتم العمل عليه حاليا، ويتضمن كل البيانات الوصفية والمكانية رقميا بما يساعد على اتخاذ القرار ويسهم في تسهيل الإجراءات والعلاقة بين كل الأطراف المعنية بقطاع التنمية العمرانية.‏
خريطة لأملاك الدولة
وفي سياق منفصل، وفيما يتعلق بالعمل على إعداد خريطة لأملاك الدولة بالتنسيق مع هيئة التخطيط الإقليمي والهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري، كشف درويش عن أن الخريطة تهدف إلى إحداث مناطق تطوير عقاري منسجمة مع توجهات الإطار الوطني المعد من قبل هيئة التخطيط الإقليمي ومحاور التنمية وذلك بهدف تأمين أراض معدة للبناء تساهم بدورها في تخفيف الضغط السكاني عن المدن الكبرى، وتلبي الحاجة للسكن نتيجة التزايد السكاني، إضافة إلى خلق أقطاب تنموية جديدة جاذبة للسكان، والمساهمة في معالجة انتشار السكن العشوائي، وفي سبيل معالجة مناطق السكن العشوائي أوضح درويش أنه تم اختيار ثلاث مناطق آمنة تختلف حسب أسلوب المعالجة بالاعتماد على الخريطة الوطنية للسكن العشوائي.. فقد باشرت الوزارة بالخطوات اللازمة لتأهيل منطقة سكن عشوائي في ريف دمشق (قدسيا) بالتنسيق مع محافظة ريف دمشق والوحدة الإدارية، إضافة إلى القيام بالتنسيق مع محافظة حماه ومجلس المدينة وتم البدء بالخطوات اللازمة لمعالجة منطقتي سكن عشوائي بأسلوب معالجة مختلف (هدم-إعادة بناء ) بالتنسيق مع الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري، إذ يجري حالياً تحليل البيانات المتوافرة (وصفية - مكانية) بعد الانتهاء من الأعمال الميدانية (أعمال طبوغرافية- مسح اجتماعي- مسح اقتصادي....).
وأفاد درويش بأن برنامج الإدارة الحضرية يهدف إلى وضع رؤية تسهم بالارتقاء بالمجتمعات الحضرية وتوجيهها وضبط نموها وتوسعها بهدف الوصول إلى أفضل توزيع للنشاطات والخدمات وتتحقق معه أقصى الفوائد للسكان، مشيراً إلى أن مفهوم التنمية العمرانية المستدامة يعني القدرة على تحقيق التوازن (البيئي- الاجتماعي- الاقتصادي) من دون استنزاف الموارد الطبيعية (كلياً- جزئياً) من خلال المشاركة في إعداد الدراسات الخاصة باستعمالات الأراضي وبما ينسجم مع الاستراتيجيات المطروحة في الإطار الوطني والإقليمي ويساعد على تحديد التوجهات المتعلقة بالتخطيط العمراني المكاني المتوازن (مخططات عامة وتفصيلية)، بهدف الوصول إلى مجتمعات عمرانية متوازنة تلبي الحاجة الحالية والمستقبلية للسكان، مؤكداً أنه تم البدء بالعمل بعدد من المحاور تتضمن عمليات الرصد وتحديد المشكلات ووضع الحلول المناسبة، التي تتجلى بالمرصد الحضري لقطاع الإسكان الذي يقوم بالمراقبة والرصد الدوري للتجمعات العمرانية بالتعاون مع الوحدات الإدارية حيث تتم عملية الرصد للنواحي (الإسكانية – السكانية – الخدمية – التنموية) بهدف تحديد كفاءة التجمع العمراني، ومعرفة وتحديد الثغرات ضمن التجمع العمراني، ووضع السياسات العمرانية والتنموية المناسبة لتحسين أداء التجمع  السكاني، وتحديد مدى تلبية المخططات التنظيمية لحاجات التجمع نفسه، وبما ينعكس على تحسين وتطوير الأسس والمعايير المعتمدة، إضافة إلى تلبية الحاجات لبيئة صناعة القرار السليم في الوضعين الآمن (الحالة الطبيعية) وفي ظل الأزمات والظروف الاستثنائية.
مخططات رقمية
الدكتور حسام الصفدي -وزير الإسكان الأسبق أكد أهمية وجود مخططات حديثة تلبي كل الحاجات وتخصص أراضي مناسبة لنشوء التجمعات العمرانية الحديثة, قائلا: في إطار تعديل أسس التخطيط العمراني لا بد من الاعتراف بالضرورة الكبيرة بوجود مخططات رقمية قياسية صحيحة، تكون شاملة لا تراعي فقط المتطلبات الآنية بل المستقبلية وعلى مدار سنوات قادمة, موضحاً أن الأسس الجديدة يجب أن توجه المخططين إلى معرفة ماذا يجب أن تكون المشيدات؟ هل هي عامة أم خاصة؟ وكيفية التوجه ومعرفة الاستثمار؟ هل هو عام أم خاص؟ ولاسيما في موضوع الخدمات، مضيفاً: لابد من البدء بالمخططات التنظيمية الاستراتيجية التي تمهد الطريق إلى التنظيم السليم، من باب أن كل الأراضي صالحة للعمران ولكن كل أرض غير صالحة للزراعة هي صالحة للعمران، مطالبا بضرورة أن تكون أنظمة البناء محلية وتتلاءم مع البنية التحتية وبما يخدم العمارة الخضراء وحاجات الأجيال القادمة.
تصنيف التجمعات العمرانية
من جهتها بينت المهندسة أروى شرف الدين عضو في اللجنة المعنية بتعديل الأسس لإعداد مسودة مشروع التخطيط العمراني أنه قبل بلورة أي من التصورات فقد تم الاطلاع على أسس التطوير العمراني المتبعة عالمياً لدى بعض الدول, ومقارنتها مع الأسس المعمول بها وتمّ وضع عدة تصنيفات، وأشارت إلى أن مشروع المرسوم المقترح يتضمن العديد من التوجهات الجديدة وجملة من المعايير التخطيطية العامة لاستعمالات الأراضي المخصصة للسكن وتصنيف التجمعات العمرانية التي تشمل الخلية السكنية والحي السكني والقطاع السكني واستعمالات الأراضي غير السكنية المخصصة للخدمات التجارية والخدمية, إضافة إلى شمول المساحات الخضراء, ولحظ حصة الفرد فيها التي يجب ألا تقل عن 6م2 على كامل مستوى التجمع, وبالنسبة للمقابر فسيتم اختيار مواقعها خارج المخططات التنظيمية المرسومة للتجمعات العمرانية, ويحدد الموقع من قبل لجنة خاصة في المحافظة المعنية بمساهمة من وزارة الأوقاف أو المرجعية الدينية المختصة وبمساحة 2م2 للفرد, إضافة إلى بعض من الإجراءات الجديدة.
رؤية تخطيطية حديثة
وزارة الإسكان قالت: تم وضع الأسس الخاصة بإعداد المخططات التنظيمية المعمول بها بموجب المرسوم رقم 1983 لعام 1965, ووضع تلك الأسس والمعايير في ذلك الوقت يعد خطوة مهمة وايجابية جدا لوضع التخطيط العمراني في المسار الصحيح, غير انه وبعد انقضاء نصف قرن على تطبيقها والعمل بموجبها أصبح من الضروري تعديلها وتطويرها بما يناسب المعطيات الجديدة والتبدلات التي طرأت في مجالات الحياة, وذلك نظراً للنمو المتزايد لعدد سكان المدن والطلب على الحاجات المدنية الذي شكل ظاهرة عامة على مدى العقود الخمسة الماضية في أغلب المدن السورية, ما فرض ضغوطا هائلة على القدرات الاقتصادية والتنظيمية للدولة, والحاجة لوضع تشريعات وسياسات لتفادي تلك المشكلات الهيكلية ولاسيما في المجالين الاجتماعي والاقتصادي وتحويل التحديات إلى فرص تنموية.
وحسب الوزارة فالاقتصار على المعايير الكمية في الأسس الجاري العمل بها لم يعد ينسجم مع رؤية التنمية المتكاملة والشاملة التي تبنتها الخطط الخمسية الوطنية والقوانين والتشريعات الجديدة, مثل القانون رقم 26 لإحداث هيئة للتخطيط الإقليمي لإعداد الدراسات الإقليمية, والإطار الوطني للتخطيط الإقليمي الذي يتم العمل على انجازه, والمرسوم رقم 107 لعام 2011 الذي قدم للإدارة المحلية تصنيفات مكانية جديدة للمناطق السورية.. علماً بأن المنظومة الهرمية الجديدة للخطط المكانية تأخذ بالحسبان كل القطاعات ذات التأثير في التنمية المكانية.
قياسات كمية ونوعية
فضلاً عن أن الأسس المعمول بها لم تعد تجاري مفاهيم واستراتيجيات التخطيط الحديثة, والتي يمكن عدّها موجهات أو ضوابط كالعوامل التقنية والبحثية والاقتصادية والثقافية والبيئية, ومفاهيم التكامل والترابط والتنوع والهوية, الاستدامة التنافسية العالمية, التكثيف والنوعية الحضرية.. فقد برزت الحاجة إلى إعداد مشروع مرسوم خاص بأسس التخطيط العمراني الذي يضيف من المفاهيم للتطوير والتحديث ويقدم حلولاً مرنة في ظل الظروف الحالية ومشكلات الإسكان في سورية وتوفير بدائل للسكن في إطار نظام المغلف حسب الخصوصية بديلا عن النماذج التصميمية المحددة سابقا, ويطرح موضوع التكافؤ بين النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية, من خلال معايير تتوافق مع المعايير العالمية للنوعية الحضرية والاستدامة, وتوقعات التغييرات نتيجة تقنية المعلومات والأبحاث والخدمات الطارئة التي تنسجم مع عادات وتقاليد حاجات مجتمعنا، ويضيف مشروع المرسوم القياسات النوعية والكمية، التي تبرز في إدخال نوعين من المعايير إحداها كمية تضبط الدراسات كمياً ونوعية تتمثل في الموجهات التخطيطية كقوى مؤثرة في إعداد الدراسات والاشتراطات التي تحدد التوضع المكاني لأهداف التنمية العمرانية المطلوبة.. ورفع معدل الكثافة حسب موقع المدينة ودورها وحجمها, ومحاكاة أنماط سلوك السكان واستقراء الواقع الفعلي والاطلاع على المعايير العالمية المتبعة, للتوصل إلى معايير حقيقية تلبي حاجات التجمع العمراني الآنية والمستقبلية بما يخدم أهداف التنمية والنوعية الحضرية وتطوير التجمعات العمرانية وإظهارها بالمظهر الحضاري الملائم.
وفي التفاصيل ستعكس المخططات التنظيمية التفصيلية المقترحة حالة المخطط العام وتحدد كل التفاصيل التخطيطية لشبكة الطرق وممرات المشاة والفراغات العامة وكل التفاصيل العمرانية للأراضي حسب الاستعمال المحدد لها بما يتوافق مع المخطط التنظيمي العام ومنهاج وجائبه العمرانية وتشمل ما يلي:
اشتراطات مساحة المقاسم والوجائب العمرانية, نسبة البناء, عرض الطرق ومقاطعها وعرض الجزر الموجودة في منتصفها, الارتفاعات وتحدد ارتفاعات المباني طبقا للمعايير والاشتراطات الواردة في المخطط التنظيمي العام للتجمع العمراني ويجوز تحديد ارتفاعات مختلفة داخل المنطقة الواحدة وتحديد عامل الاستثمار.
سيتم تأمين التوضع الأمثل للمناطق السكنية والربط والتكامل بينها وبين الاستعمالات الخدمية بهدف خلق بيئة سكنية صحية وآمنة ,وتأمين وتوزيع مراكز الخدمات العامة والتجارية والمواقع الملائمة للنشاطات السياحية والترفيهية والمساحات الخضراء, وغيرها من الحاجات.. كذلك يجب أن تتوزع الحدائق العامة والملاعب على الأحياء والقطاعات تبعا للحل التخطيطي, ويجب ألا تقل المساحة المخصصة للفرد عن 6م2 على كامل مستوى التجمع كمسطحات خضراء وتمكن زيادة المساحات المخصصة للحدائق, ويجب ألا تقل مساحة الحديقة عن 2000 م2. ويتم اختيار الموقع المناسب للمناطق الصناعية والحرفية ضمن المدينة أو على حدودها مع إمكانية إقامة أحزمة خضراء بعرض 50-100م للصناعات الملوثة و20-50م للصناعات الدقيقة والحرف غير الخطرة, ومن 12-20م للمناطق الحرفية والورش, ويخصص للفرد 2-4 م2 في المناطق الحرفية بالتجمعات العمرانية الصغيرة, ومن 100-350م2 لكل عامل من العاملين في الصناعة بالمناطق والمدن الصناعية.
10 أمتار ممرات المشاة
وعلى أن تكون الحارات وممرات المشاة من دون رصيف 8-10م, والطرق المحلية التخديمية مع الرصيف 12 -14م. وفيما يتعلق بمناطق التوسع المستقبلي والاحتياط تحدد مهمتها ومساحتها في إطار التخطيط الإقليمي وتحديد حرم حماية على كامل محيط المخطط التنظيمي بعرض لا يقل عن 300م للتجمعات التي يقل عدد سكانها عن 100ألف نسمة وبعرض لا يقل عن 500 للتجمعات الأخرى كمنطقة مستقبلية للتوسع. كذلك يجب ألا تقل الوجائب العمرانية عن 3م مهما كان نوع السكن. ويشترط من حيث الارتفاعات لأبنية المشيدات العامة ألا يزيد الارتفاع الطابقي على ثلاثة طوابق ورياض الأطفال بطابق واحد.
تنوع عمراني... بالاستثمار
ويهدف نظام عامل الاستثمار في مواقع تطبيقه إلى إيجاد تنوع عمراني بزيادة ارتفاع المبنى وتوزيع المساحة الطابقية المسموحة, ولا يجوز تطبيق نظام الاستثمار في مدن سبق بناء القسم الأكبر منها «أكثر من 50% من كامل مساحتها»، وتجوز زيادة عدد الطوابق للفعاليات الخاصة (مشاف- فنادق- مجمعات تجارية- مرائب طابقية- جمعيات اجتماعية وخيرية ووقفية..) وذلك وفق شروط محددة تضبط العملية ككل.
بقي القول:
إن الواقع اليوم وبعد الاختناقات وحالات القصور الحادة التي طالت المخططات التنظيمية يحتم العمل الجاد على وجود نظام تخطيطي عمراني شامل ومتكامل، على المستوى الوطني.. نظام واضح ومحدد الملامح، له مضمون وغاية، ومجموعة من الأهداف، ويتكون من عناصر أساسية، لا غنى عنها تخدم واقعاً آنيا بات هشا, بعد مرور الخمسين سنة, فقد باتت الإجراءات والقوانين شبه فارغة من مضامينها وأهدافها, فكل شيء تغير إلا هي, بقيت كما هي, ولم تعد مناسبة البتة, لواقعنا وحياتنا , فكيف ستكون متلائمة مع الظروف ومفرزات الحياة..؟!