الوجه الآخر لقصص النزوح والمتاجرة بحياة التهجير منظومات عمل “عائلية” تدار بعقلية استغلال الأزمة.. تسكن الحدائق وتمتهن التسول

الوجه الآخر لقصص النزوح والمتاجرة بحياة التهجير منظومات عمل “عائلية” تدار بعقلية استغلال الأزمة.. تسكن الحدائق وتمتهن التسول

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٩ أكتوبر ٢٠١٤

أطلوا برؤوسهم من تحت تلك البطانية التي كانت تغطي أجسادهم الغضة المهزومة  في حرب البقاء ضد الإرهاب الذي نخر حياتهم  بألم النزوح وصقيع الضياع ..كانوا أربعة أطفال مع أمهم وخالتهم من الهاربين  من جرائم الإرهاب في محافظة القنيطرة التي غادروها  تاركين خلفهم ذكريات أيام الأمن والأمان وبيت احتضن الدفء الأسري ومقاعد دراسية وحدت أمانيهم وآمالهم مع أبناء جيلهم .. كانت ليلتهم الأولى في حديقة الفور سيزن عندما التقيناهم صباحاً وهم ينتظرون من ينقذهم وينتشلهم من حالة التشرد والنوم في الحدائق التي باتت أشبه بالمخيمات الصغيرة .
وطبعاً لم تكن هذه العائلة وحيدة في هذا المصير بل كانت هناك عائلات أخرى تتقاسم المساحات الخضراء في العديد من الحدائق  وتتشارك الهموم والآلام، ولاشك أن  المشاهد التي استوقفتني، وأقصد مشاهد العائلات المقيمة في بعض حدائق دمشق تحت عنوان النزوح من مناطق مختلفة أثارت الكثير من التساؤلات حول مدى جدية محافظة دمشق في التجاوب السريع مع مثل هذه الحالات التي وضعت إجراءاتها الإسعافية والإغاثية في “خانة اليك”كما يقولون، خاصة مع تدحرج  مصداقيتها بين تلك الشواهد الحية والشاكية من الإهمال والتقصير.
من أرض الواقع
اقتربنا من تلك العائلة المنكوبة لنسأل عن حالها وظروفها حيث وثقت  الدقائق الأولى معها محاولاتنا  لكسر الصمت  وإقناع الأم والخالة بالحديث والتعرف إلى وقائع نزوحهم منذ اللحظة الأولى، ولكن محاولاتنا اصطدمت بالخوف المستوطن داخل أفراد الأسرة التي على مايبدو تعيش حالة من الرعب من المجهول والنفور من الغرباء، حيث كانت العيون ترصد كافة  تحركاتنا وتترقب خطواتنا، وبعد جهد كان الجواب على سؤالنا: “ لم يأت أحد ولم يسألنا أي شخص عن حالنا”..وهذه العبارة التي  اختصرت الكثير من الحقائق تكررت من قبل عائلات أخرى حتى باتت القاسم المشترك بين جميع الردود التي حصلنا عليها من جميع الأسر المقيمة في الحدائق .

على لسانهم
عند باب حديقة الفور سيزن المقابل لمبنى وزارة السياحة القديم كان مجلة ممدوح وهذا اسم وليس لقب وهمي منهمكاً في ترتيب الكثير من الأوراق الثبوتية التي توثق ملكيته وحقوقه في مخيم اليرموك، وهذا ما سهل مهمتنا أكثر فلم يعترض على جلوسنا بجانبه وبجانب تلك الأغراض والفرشات التي تحكي قصة الإقامة الطويلة في الحديقة بل كان متجاوباً معنا إلى أبعد الحدود، حتى أنه لم يسألنا عن الجهة التي نعمل معها، فاسترسل بالحديث الذي يمكن عنونته بكذب الجهات المعنية التي وعدته مراراً وتكراراً دون أن تنفذ وعودها، وشن بكلماته غارات عديدة على محافظة دمشق التي لم يقابل موظفيها رغم وجوده في الحديقة لمدة تصل إلى الشهر ونصف الشهر .
ومع استمرار يديه في حزم الوثائق كانت كلماته تخرج تلقائياً لتتهم كل الجهات بالتقصير وعدم الاكتراث بحاله، وبقي ممدوح محافظاً على هدوئه إلى أن جاءت زوجته وسألته عنا ليقمعها بطريقة فجة (هذا موشغلك روحي من هون) ويبدو أن سؤالنا عن مصير أولاده وأماكن تواجدهم أثار غضبه أكثر وبدا ذلك واضحاً من خلال إجابته المختصرة “شوبدك بأولادي هسع بيرجعوا”  ثم نزع عن وجه تلك الكوفية الحمراء التي كانت تخفي الجزء الأكبر منه محملاً إيانا الكثير من الهموم ومطالباً بالمساعدة التي لم تقدمها أي جهة إلى الآن، وقبل أن ننهي ما بدأناه معه، سألناه إذا كان يريد الذهاب للإقامة في مراكز الإيواء، فتململ من الإجابة وقال على مضض بالمدارس دون أن يعطي موافقته الصريحة .
في بقعة أخرى وتحت مظلة مصنوعة من سعف النخيل كانت أسرة أخرى تبحث عن ملجأ لها حيث كانت تجلس فاتن محمد المهجرة من منطقة سبينة -حجيرة  مع أطفالها الأربعة وجارتها في الحديقة “جميلة حسن” من حلب .
وبكل صراحة لم نكن نتوقع ردة فعل الأم عندما أشرنا إلى قضية تشغيل أطفالها بالتسول (أموت من الجوع ولا أمد يدي لأحد ) وتابعت لتحكي لنا عن معاناتها خلال إقامتها في الحديقة وعن أملها بأن تجد بيتاً لها ولأسرتها بعد أن نزحت من منطقة السبينة، وترددت في إعطائنا قراراً نهائياً بموافقتها للذهاب إلى مراكز الإيواء، فالقرار في هذا الشأن لزوجها الذي سيعود في المساء من عمله كبائع على إحدى البسطات في سوق الحرامية.

في مكاتب المحافظة
ماسمعناه في حدائق دمشق من العائلات المقيمة ومارأيناه ومالمسناه من مآسي ومعاناة كان كافياً لتحديد وجهتنا ومسارنا نحو مكاتب محافظة دمشق التي أشبعت هؤلاء الناس، حسب ماقالوه لنا، وعوداً وأذاقتهم مرارة التقصير بحقهم، ومع اقترابنا من مبنى المحافظة كنا نرتب تساؤلاتنا ونهيىء أنفسنا لمواجهة ساخنة مع المسؤولين فيها فلدينا الكثير من الوقائع والحقائق التي تدحض أي كلام يتعلق بجهود مبذولة واستعدادات تامة لمعالجة كافة الحالات الموجودة في الحدائق، ولكن كل ما رسمناه في مخيلتنا حول المواجهة المحتملة تلاشى بمجرد وصولنا إلى مديرية الإعلام التي كانت تشهد حواراً ساخناً حول إحدى المواد الصحفية التي تحمل في مضمونها الشكر لوزارة الشؤون الاجتماعية  على استجابتها السريعة مع ما تم نشره صحفياً عن واقع الحدائق في دمشق التي تحولت إلى حدائق للمهجرين، وطبعاً الاعتراض لم يكن على المادة الصحفية بل على مضمون ذلك الكتاب المرسل من قبل الوزارة إلى الجريدة والذي تبين فيه أنها وجهت محافظة دمشق للتدقيق بواقع العائلات التي تحدث عنها المقال وإجراء اللازم .
ودون أن ندري شاركنا في الحوار الساخن وأصبحنا طرفاً فيه إلى جانب أمينة سر لجنة الإغاثة الفرعية في محافظة دمشق ورئيس فريق دمشق التطوعي اللذين تحفظا على محاولات الوزارة الساعية،  كما قالوا، لقطف ثمرة جهودهم دون أن يكون لها حضور حقيقي على أرض الواقع فهي الغائبة عن كافة الخطوات والإجراءات التي اتخذت لمساعدة المهجرين من منطقة  الدخانية، حيث كانت محافظة دمشق وفريقها التطوعي في مقدمة الجهات العاملة على هذا الملف وتقديم المساعدة المطلوبة للنازحين من هذه المنطقة وخاصة لأولئك المقيمين في الحدائق في حين اكتفت وزارة الشؤون بحضورها الوصائي الاسمي فقط .
وفي هذه الأجواء المشحونة  وجدنا أنه من الضروري وضع  المعلومات التي جمعناها من الحدائق على طاولة الحوار حيث أبدى الحاضرون رغبة بتحديد موعد لجلسة يتم فيها توضيح الكثير من القضايا والخطوات التي تمت في هذا المجال وتم الاتفاق على اللقاء بعد أسبوع تقريباً.

دون كلل
بعد خروجنا من المحافظة توجهنا من جديد للحدائق لنجمع المزيد من المعلومات والحقائق لنكون أقرب إلى الحقيقة حيث عدنا إلى حديقة الفور سيزن لنلتقي مع العائلات المهجرة  التي كانت تنتشر في أرجاء الحديقة، ويبدو أن محاولاتنا لالتقاط الصور لفتت انتباه أحد الشباب الذي كان يقترب منا متسائلاً بحركة من يده عما نبحث عنه وعندما فشلنا في التفاهم معه كونه “أبكم “ أومأ لنا بالذهاب معه إلى أسرته التي كانت تجلس على عشب الحديقة لنلتقي هناك بعائلة محمد أسعد النازح من مخيم اليرموك والتي تتنقل منذ  أربعة  أشهر من حديقة لأخرى، والغريب أن رب  هذه الأسرة بادر  مباشرة بالقول: “والله نحنا مسافرين بكرا إلى السويداء ..خلص وعد منا بدنا نسافر بكرا ..الأولاد سبقونا ليستأجروا بيوت لنا  “ وطبعاً ما قاله يشكل  دليلاً على أن هناك من كان يسأل ويتابع حياة هذه العائلة التي أكدت  قيام محافظة دمشق وفريقها التطوعي بزيارتهم أكثر من مرة وفي أكثر من موقع وحديقة  من أجل تقديم المساعدة وتأمين أماكن الإيواء لها إلا أنها على ما يبدو اختارت النوم في الحدائق والعمل في التسول باعتباره أكثر ربحية من  المساعدات والخدمات التي تقدمها المحافظة، وشيئاً فشيئاً توسعت دائرة الحديث لتشارك النساء وحتى الأطفال في محاولة إقناعنا بأنهم يستعدون للمغادرة وترك الحديقة وحتى الشاب الأخرس كان يمده يده بحركة سريعة يفهم منها حقيقة المغادرة القريبة وذلك  ليؤكد ما يقوله أفراد أسرته.

امتحان الحقيقة
كلام هذه العائلة وطلب أحد الأشخاص مساعدته في إيجاد مركز إيواء ليقيم فيه، دفعنا للاتصال بمحافظة دمشق وتحديداً بغرفة عمليات فريقها التطوعي حيث طلبنا حضورهم لرصد هذه الحالات وتأمينها وبعد دقائق حضر أحد أعضاء الفريق الذي أبدى إيجابية تامة وطلب من كل الراغبين  بالذهاب إلى مراكز الإيواء التواجد  في صباح اليوم التالي لنقلهم إلى هذه المراكز، مع الإشارة هنا إلى معرفته  التامة بحالة العديد من العائلات الموجودة .
وفي اليوم التالي كنا أول الواصلين ليستقبلنا المشرف على الحديقة “أبو علاء “الذي كانت لديه معلومات كافية ووافية عن هذه العائلات التي ترفض الذهاب إلى مراكز الإيواء رغم المحاولات العديدة التي تمت لتحقيق ذلك وبمساعدة جهات عديدة، وحكى لنا قصة غالبية العائلات التي تفضل الإقامة في الحديقة والعيش على التسول وعن إقامتها في الفنادق  واستئجار بعضها للبيوت، ولم نستغرق وقتاً طويلاً لنكتشف هذه الحقيقة فقد تراجعت بعض العائلات عن قرارها وغادرت الحديقة إلى مكان مجهول قد يكون حديقة أخرى، فمثلاً محمد خالد الملا القادم من حمص الذي كان يريد الذهاب إلى المركز لاذ بالفرار بمجرد رؤيتنا فلديه بعض الأعمال التي يؤديها وخاصة بيع ما كان يحمله من علب فارغة جمعها ووضعها في كيس يحمله على ظهره.
أما عائلة مجلة ممدوح التي كانت تتناول فطورها الصباحي المؤلف من اللحمة والأرز فقد قررت أيضاً حزم أمتعتها والرحيل بعد أن قرر السكن مع أخيه المستأجر في الزاهرة حسب ماقاله لنا ممدوح الذي أجابنا عن سؤالنا السابق له حول إقامته في مراكز الإيواء التي يرفضها بحجج مختلفة منها البعد وعدم توفر المستلزمات اللائقة للمعيشة والإهمال، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل جر رفضه إلى خانة الحقوق الزوجية التي لا يمكن القيام بها في مراكز الإيواء، فقال لنا وهو يضغط على يدنا التي أمسك بها راجياً أن  نتركه بحاله “أنت رجل وتفهم قصدي “.
وبعد انتظار لمدة ساعة لم تأت السيارة المكلفة بنقل الناس إلى المراكز فبادرنا من جديد بالاتصال بمحافظة دمشق التي أبلغتنا عن طريق أحد أعضاء فريقها التطوعي انشغالهم بحالة طارئة وبتأجيل الموعد إلى المساء حيث تم نقل هذه الأسر.

جلسة عمل
في  الغرفة 16 في محافظة دمشق كان هناك مايشبه خلية العمل مكونة من أمينة سر لجنة الإغاثة الفرعية الدكتورة ميرزت عبود ويزن الحكيم وعدد من الشباب والشابات حيث كان الجميع منهمكاً في إنهاء بعض القضايا المستعجلة والمتعلقة بالمهجرين وتسجيل البيانات .
وتم الاتفاق على أن يتحدث إلينا يزن الحكيم  (فريق شباب دمشق التطوعي )عضو في لجنة الإغاثة الفرعية كونه مكلفاً بالعمل الميداني،  وماهي إلا لحظات حتى بدأ الحكيم باستعراض عمل فريقه الموثق بالصور في العديد من المناطق ومنها منطقة الدخانية التي قدموا فيها مساعدات مباشرة وساعدوا في استيعاب صدمة النزوح والعمل على تأمين كل مستلزمات الأسر النازحة خلال وقت قياسي، وتحدث بثقة عن نجاح محافظة دمشق وفريقها التطوعي في عملها الإغاثي مستشهداً من جديد بتجربة الدخانية والتعامل الإيجابي والسريع مع خروج الناس من هذه المنطقة، وبيّن أن  قسماً  من العائلات لجأ إلى الأقارب والأصدقاء والقسم الآخر استضافته محافظة دمشق في مراكز الإيواء مباشرة  عن طريق قسم الإيواء الإفرادي وقسم الحدائق حيث تم تأمين فرشات وسلة داعمة ومن ثم استضافتهم في مراكز الإيواء وتحديد الشواغر وحسب أماكن العمل خاصة أن من نزح من الدخانية جلس في بداية الأزمة  في الحدائق قبل أن يتم نقله إلى مركز إيواء الكسوة .
وحول العائلات المقيمة في الحدائق بشكل دائم بيّن أن هناك عائلات تنشط بالحدائق وتمتهن  التسول وهي ترفض الذهاب إلى أماكن الإيواء وتعيش على استغلال عواطف الناس والتسول وبعضها لديها غرف في الفنادق وبيوت مستأجرة يستخدمونها في حالات الضرورة أو للنوم في الليل ومن ثم العودة إلى الحديقة صباحاً وممارسة مهنة التسول، إضافة إلى أن بعض العائلات تريد الإقامة في مراكز محددة ، وهذا غير ممكن ففتح مراكز في كل مكان صعب للغاية وهناك 21 مركزاً في محافظة دمشق وفيها 1300 عائلة و6000 ألف شخص تقدم لهم محافظة دمشق من خلال لجنة  الإغاثة الفرعية كافة الاحتياجات الإغاثية، لافتاً إلى أن برنامج الإغاثة مربوط على شبكة محافظة دمشق ويتم  تحميل البيانات المطلوبة بعد توثيقها من قبل المخاتير.
ما قاله الحكيم لم يكن بعيداً عن مسامع الدكتورة عبود التي كانت تتدخل بين الحين والآخر لتصحح معلومة أو لتقدم أخرى جديدة والتي أكدت مراراً على الجهود التي تبذلها المحافظة في الشأن الإغاثي وعملها الدؤوب لمعالجة واقع العائلات المقيمة في الحدائق لمرات عديدة وتقديمها المساعدة لكافة المهجرين المتواجدين في المحافظة، لافتة إلى تقديم المساعدات الإغاثية لفقراء الأحياء أيضاً  .

بحثاً عن الحقيقة
تقصي الحقيقة ومعرفة مدى تطابق كلام محافظة دمشق مع الواقع تطلب أولاً  زيارة إلى ساحة المرجة التي  كانت تعج بالجموع المقيمة في وسط هذه الساحة التاريخية حيث بدأنا بالدخول إلى الفنادق الواحد تلو الآخر للسؤال عن هوية الناس المقيمين فيه فتعددت الإجابات وبعضها كان يصر على الملاءة المالية للمقيمين فيها، وبالبحث توصلنا إلى أن بعض  العائلات التي تمتهن التسول  تسكن في فنادق رخيصة يتراوح سعر الغرفة مابين 700ل.س و1000ل.س .
وكما هي الحال في الحدائق والشوارع يجد الشخص نفسه ملاحقاً من قبل الكثير من الأطفال المتسولين الذين يعترضون المارة بحثاً عن رزقهم كالطفل موسى ومحمود وأختهما سمر التي كانت بارعة في إطلاق الدعاء والاستغاثة وبالحديث معها قالت إنها قادمة من حلب وهي تتسول لتعيش وأسرتها, أما غلة التسول اليومية فكانت حسب ماقالته 700 ل.س يومياً لكل واحد فيهم أي ما مجموعه 2100 ل.س قابلة للزيادة وبسؤالها عن أهلها قالت: والدي لديه صندوق بويا وأمي تتسول أيضاً وبالنتيجة هذه العائلة منتجة بامتياز ويصل دخلها اليومي إلى ما يقارب 3500 ليرة يومياً .
وفي مكان آخر كانت الطفلة مريم ذات الأربع سنوات التي تحمل أخيها الرضيع على صدرها وتتجه إلى إحدى الإشارات المرورية لتبدأ رحلة تسولها اليومية، وطبعاً مريم التي استوقفناها وهي من ريف حلب لا تعرف سوى أن أهلها  يطلبون منها التسول، أما الأم التي كانت قادمة من بعيد فلم يعجبها الموقف وأخذت أولادها وغادرت دون أن تتكلم معنا .

بالمحصلة
خلال جولتنا في حدائق وساحات دمشق سمعنا الكثير من الانتقادات بحق الجهات الإغاثية والحكومية والبعض ذهب أبعد من ذلك لينفي وجود هذه الجهات على أرض الواقع وإنكاره لأي مساعدات تقدمها له في الوقت الذي تثبت فيه الوقائع والحقائق أن الدولة السورية تقوم رغم كل الظروف والتحديات بواجباتها ومسؤولياتها اتجاه مواطنيها وتحتضن الأسر المهجرة وتقدم لهم الجزء الأكبر من المساعدات عبر الكثير من المؤسسات والجمعيات، وهذه الحقيقة يعرفها القاصي والداني ولا تحتاج إلى أدلة فالشواهد مازالت حية وموجودة في كل مكان .
وبالعودة إلى موضوع العائلات المقيمة في الحدائق ومحاولة  البعض استغلاله والإساءة إلى عمل الكثير من الجهات واتهامها بالتقصير فنحن لانبرء أحداً ولاندعي أن العمل يتم على أكمل وجه، ولكننا في الوقت ذاته لايمكن إخفاء الجهود الكبيرة التي تبذل على مدار الساعة في هذا المجال وهذا مارأيناه ولمسناه وأثبتناه من خلال الواقع الفعلي، فالمشكلة ليست فقط في مؤسساتنا بل في تلك المنظومة الاجتماعية التي اعتادت على الشكوى الدائمة وإلقاء اللوم على الآخر حيث استطاع المواطن  الجمع بين مكافحة الفساد وممارسته في وقت واحد .