المواطن.. محاولات يائسة لرفع العبء المعيشي.. وانكسار مالي في بورصة العقارات!

المواطن.. محاولات يائسة لرفع العبء المعيشي.. وانكسار مالي في بورصة العقارات!

أخبار سورية

الجمعة، ١ يونيو ٢٠١٨

“ما عاد شبعو”، عبارة رددها على مسامعنا أحد سائقي سيارات الأجرة بنبرة غاضبة حاملة خلفها غصة كبيرة ظنناها للحظة الأولى نتيجة الازدحام المروري الذي تشهده فترة ما قبل الإفطار، ليلحقها بسرد تفاصيل شجاره الصباحي شبه اليومي مع صاحب المنزل الذي يقطنه، وأسرته التي أجبرت على ترك منزلها في منطقة داريا، مطالباً إياه بزيادة في الأجرة التي تزيد أساساً عن ثلاثين ألف ليرة سورية شهرياً مبرراً طلبه المتكرر بارتفاع أسعار كافة مستلزمات المعيشة في السوق، وكون المنزل هو مصدر الدخل الوحيد له- حسب زعمه- دون أدنى شعور بالمسؤولية تجاه من جار عليهم الزمن فكانوا ضحية الإرهاب الذي هجّرهم من مناطقهم، إلا أن ما أذهلنا ردة فعل السائق التي تمثّلت في ختام حديثه بمطالبتنا بضعف الأجرة المعتادة، محمّلاً ارتفاع الأسعار المسؤولية، ضارباً بعبارته الأولى عرض الحائط؟!.
 
ردة الفعل
 
هذا التناقض في حديث السائق وردة فعله دفعنا للتساؤل والبحث عن الأسباب التي أدت إلى تنامي الجشع في نفوس الناس، والذي تمثّل بالارتفاع الجنوني التي تشهده أسعار المنازل المعدة للإيجار اليوم في العاصمة، وذلك رغم عودة الأمان لكافة المناطق الساخنة والمتوترة، هذا إلى جانب  طمع بعض المكاتب العقارية وأصحاب العقارات الذين لم يتوقعوا أن تتحول عقاراتهم إلى مصدر ربح غير منتظر يدر عليهم الآلاف، ويجنبهم  التداعيات الاقتصادية للأزمة، بينما يصيب غيرهم بداء الإيجارات من جانب آخر، فما شهدته وتشهده السوق العقارية لجهة الارتفاع الكبير في الأسعار أدى  إلى رواج المكاتب العقارية غير المرخصة “المخالفة للقانون”، متعددة الخدمات، والمختصة بشؤون السمسرة بالعقارات، والسيارات، أو أية تجارة تجلب المال والربح، ودفع البعض منها أيضاً لاستثمار منازلهم الذي يسكنونها، وفصل غرف عنها لتأجيرها، لاسيما في ظل غياب إحصائيات حقيقية تشمل عدد المكاتب غير المرخصة؟!.
 
تفاوت سعري
 
“منير” صاحب أحد المكاتب العقارية في دمشق أكد أن أسعار الإيجارات تفاوتت من منطقة لأخرى وفق تصنيف هذه المنطقة إن كانت آمنة أو نصف آمنة، ضمن مركز المدينة، أو في الضواحي، فتراوح إيجار الشقة المكسوة في منطقة كفرسوسة من 200 إلى 250 ألف ليرة سورية شهرياً للمنزل الذي لا يتجاوز/70/ م2، وفي منطقة مشروع دمر وصلت الأسعار إلى /150/ألف ليرة سورية للشقة المفروشة، كما وصل الحال إلى توجه بعض الناس لاستثمار عقاراتها غير المكسوة، و”الخالية تماماً من كافة مستلزمات المعيشة”، وتأجيرها، حيث وصل إيجار التراس غير المكسو  لـ 25 ألف ليرة شهرياً، بينما وصل إيجار المنزل في منطقة المزة شيخ سعد لـ /75/ ألف ليرة وسطياً، ووصل إيجار الشقة المفروشة في منطقة الزاهرة شارع النور إلى /55/ ألف ليرة، وباتت تلك المناطق اليوم حكراً لأصحاب الدخل العالي، بينما اتجه أصحاب الدخل المحدود للمكوث في الضواحي والعشوائيات كدف الشوك، ووادي المشاريع، وغيرهما من المناطق التي يعتبرها البعض منهم، رغم ارتفاع أسعارها، وصعوبة مواصلاتها، رحمة مُنزلة لذوي الدخل المحدود، حيث حمل كريم تلك الارتفاعات على عاتق قلة العرض الناتج عن الكثافة السكانية الكبيرة، موضحاً بأن “مربح” المكاتب العقارية من سوق الإيجارات لا يتجاوز الـ 5% موزعة على كل من المؤجر والمستأجر على حد قوله؟!.
 
حركة السوق
 
واللافت اليوم في حركة سوق تأجير العقارات تعمّد مالكي الشقق السكنية تأجيرها لفترات قصيرة فقط وبأسعار مرتفعة، وبعدها يقومون بالتجديد للمؤجر نفسه، أو لغيره، ولكن مع زيادة في قيمة الإيجار، كما يروي وليد ملوحي من تدمر الذي تدمر منزله نتيجة الإرهاب الطاحن باضطراره للعمل ليلاً ونهاراً لتأمين مبلغ 35 ألف ليرة إيجار شهر واحد لغرفة ومنتفعاتها على سطح مبنى في منطقة دمر البلد تؤويه وزوجته وأطفاله الثلاثة، وذلك بالرغم من رفض صاحب المنزل منحه عقد إيجار لأكثر من ثلاثة أشهر بغية رفع سعر الإيجار في عقد الأشهر الثلاثة التالية؟!.
 
رفع الدعوى
 
في ظل غياب القانون الذي يحدد أسعار الإيجارات، والذي يكتفي فقط بمنح المستأجر حق رفع دعوى تخمين لمحكمة الصلح، وذلك بعد إقامته في المنزل لمدة شهر على الأقل، تقوم اللجنة بإرسال خبراء للكشف على المنزل، وتحديد السعر المستحق دفعه، والذي يقدر بـ 5% من القيمة الشرائية للعقار، حسب التقدير، وذلك في حال تم توثيق “المبلغ الحقيقي”  أساساً في العقد، حيث يلجأ معظم مالكي العقارات لتسجيل أسعار رمزية للتهرب من الضرائب لمنع المستأجر من اللجوء لذلك النوع من الدعاوى المكلفة بحد ذاتها، فلا يستطيع المستأجر في النهاية فعل أي شيء غير الخضوع لشروط صاحب العقار الطاحنة كتحمّل كلفة تسجيل العقود في الدوائر الحكومية المعنية، والتلاعب بحقيقة الأسعار المعلن عنها في العقد، وغيرها من الانحرافات التي لا تدل سوى على إصابة نفوس البعض بمفرزات الحرب السوداوية التي نشهدها اليوم، ما جعلهم يفتقرون لمبادئ الإنسانية والشعور بالغير؟!.