الغوطةُ.. معركةٌ أمْ ضغوط.. ولماذا يُقاربها الروسُ مع حلب؟

الغوطةُ.. معركةٌ أمْ ضغوط.. ولماذا يُقاربها الروسُ مع حلب؟

أخبار سورية

الأربعاء، ٢١ فبراير ٢٠١٨

بدأت الوحداتُ العسكريّة في الجيشِ السوريّ بتنفيذِ عمليّةِ التمهيدِ الناريّ في معركةِ "الغوطةِ الشرقيّة"، وذلك من خلالِ تدميرِ بنكٍ من اﻷهدافِ حمّلت بياناته للوسائطِ الناريّة المختلفة، الأمرُ الذي جعلَ من "جسرِ عربين" ساقطٌ ناريّاً بالنسبةِ للجيشِ، في حين تمّ تدميرُ كامل المشافي الميدانيّة في مدينة "سقبا"، في حين قالت مصادرُ ميدانيّة إنّه تمَّ رصدُ توزيعِ ما يسمّى بـ"الخوذ البيضاء" لأقنعةٍ واقيةٍ من الغازات، الأمرُ الذي اعتُبِرَ على أنّهُ تمهيدٌ لاستخدامِ الأسلحةِ الكيمائيّة كورقةِ ضغطٍ ضدَّ دمشق من خلالِ الادّعاء باستخدامِها لهذه الأسلحة في معركة الغوطة.
 
 
تعتقدُ المصادرُ الميدانيّة أنَّ عمليّات الاقتحامِ البرّيّ إنْ بدأت ستكونُ على محاورَ عدّة، إلّا أنَّ أبرزَ هذه المحاور ستكونُ انطلاقاً من مطارِ الضمير الواقع في الطرف الشرقيّ من الغوطة، باتّجاه خطوط الدفاع الأُولى للفصائلِ المسلّحة في محيطِ مدينة "دوما" من الجهةِ الشرقيّة، وذلك من خلالِ التقدّم في محيط "تل كردي" و"مزارع الريحان" لقطعِ طُرق الإمداد، ولن تكون مدينةُ "الضمير" بعيدةً عن خارطةِ العمليّة، لأنّ أهمّ طرق الإمداد بالنسبةِ للفصائلِ في الغوطةِ تأتي من البادية السوريّة، عبرَ طُرقِ التهريبِ القديمةِ التي تُعرفُ لدى سكّان البادية التي تصلُ شرق دمشق بالأراضي الأردنيّة باسمِ "طرق القجقج".
 
مواكبةُ العمليّة بزخمٍ إعلاميٍّ كبير من قِبَلِ الجانبِ السوريّ، جعلَ "الغوطة" تحتلُّ المرتبةَ الأُولى في التداولِ عبرَ موقع التواصل الاجتماعيّ "تويتر"، وهذا الزخمُ يشيرُ إلى أهمّية المعركة في موازينِ الحربِ الدائرةِ في سورية، فورقةُ "أمن العاصمة" كانت الأكثر قوّةً لتعطيلِ أيِّ مسارٍ سياسيٍّ دوليّ حولَ الملفّ السوريّ، إلّا أنَّ حجمَ المتابعةِ الإعلاميّة للمراحلِ الأوّليّة من معركةِ الغوطة، يُشيرُ إلى أنَّ دمشقَ تُجيدُ لُعبةَ "الدعاية" الإعلاميّة لتحقيقِ انتصارٍ سريعٍ في المعركةِ التي سيكونُ لها انعكاساتها الكبرى على طاولةِ السياسةِ في أيّةِ عمليّةِ تفاوضٍ "سوريّ - سوريّ"، أو في أيِّ لقاءٍ دوليّ حولَ سورية.
 
 
يعتقدُ المراقبونَ لأحداثِ المعركةِ في الغوطةِ أنّها ستُحسَمُ من خلالِ اتّفاقِ إخلاءِ الفصائلِ المسلّحةِ لمناطق الغوطة مقابل خروجٍ آمن إلى إدلب كما حدثَ غير مرّةٍ في مناطق أُخرى من ريفِ دمشق، وهذا الاحتمال إنْ كانَ سيُعيدُ لدمشقَ سيطرتها على مساحاتٍ كبيرةٍ في الغوطة، ويُنهي خطرَ استهداف أحياء العاصمةِ بقذائفِ الهاون، فإنّهُ سيمنحُ مُكتَسباً للفصائلِ المسلّحةِ في مناطق إدلب من خلالِ تأمين عددٍ كبيرٍ من المقاتلينَ لمواجهةٍ يمكنُ وصفها بـ"مربطِ خيلِ الأزمةِ السوريّة"، وعلى أساسِ أنَّ معركةَ الغوطة هي معركةُ مواجهةٍ سياسيّةٍ كُبرى، قد يكونُ للحكومتين السعوديّة والقطرية دورَ مُعرقِلٍ في مثل هذا الاتّفاق بطبيعةِ سيطرتِهما على قرارِ الفصائلِ المنتشِرَةِ في الغوطةِ الشرقيّة، وهذه السيطرةُ تأتي من ملفِّ التمويلِ أوّلاً.
 
 
الحكومةُ الروسيّةُ ومن خلالِ تصريحاتِ وزيرِ خارجيّتها قاربت ما بين معركة الغوطة الشرقيّة ومعركة أحياء حلب مطلعَ العام التي أنهت وجودَ الفصائلِ المسلّحةِ في الأحياءِ الشرقيّة مطلعَ العام الماضي، الأمرُ الذي اعتبرتهُ مصادرُ سياسيّةٌ في دمشقَ على أنّه إعلانُ موسكو لدعمِها المعركة على المستوياتِ العسكريّة والسياسيّة والإعلاميّة، وبالتالي يمكنُ القولُ إنَّ أيّ مشروع قرارٍ لإدانةِ العمليّة من قِبَلِ مجلسِ الأمنِ سيُواجَهُ بـ"فيتو" روسي، إنْ لمْ يكن مُشتركاً مع الصين، وهذا ما سيجعلُ موقفَ المحورِ الأمريكيّ ضعيفاً على المستوى السياسيّ، وفي الوقتِ نفسه يُعطي هوامشَ من أريحيّةٍ سياسيّةٍ لدمشقَ لتنفيذِ خططِها الموضوعةِ للعمليّة، إلّا أنَّ مصادرَ ميدانيّة لا تستبعدُ أنْ تذهبَ بعضُ الدولِ الداعمةِ للفصائلِ المسلّحةِ من خلالِ تدخّلٍ عسكريٍّ محدودٍ وفرديّ، وذلكَ قياساً على التهديداتِ الفرنسيّةِ الأخيرةِ لدمشقَ بحجّةِ "الأسلحة الكيمائيّة".
 
 
ويقولُ مراقبونَ إنَّ دعمَ الروسِ لعمليّةٍ باتّجاهِ الغوطةِ الشرقيّة تأخّرَ كثيراً بالنسبةِ للحليفِ السوريّ، فدمشقُ إنْ كانت قد عَملَت على استعادةِ السيطرةِ على مساحاتٍ واسعةٍ قبلَ الدخولِ في هذه المعركةِ المعقّدة، ورغم أنَّ المساحاتِ التي تمّت استعادةُ السيطرةِ عليها خلالَ العامِ الماضي كانت مهمّةً على المستوى الاقتصاديّ والعسكريّ، إلّا أنّها لمْ تُعطِ الدفعَ الذي تحتاجهُ دمشق لإنهاءِ أزمتِها السياسية، وهنا تبرزُ أهمّية معركة الغوطة بالنسبةِ لدمشقَ من خلالِ تشكيلِ وعي لدى أطيافِ المُعارضةِ الداخليّة والخارجيّة ستَعي أنَّ مسألةَ "إسقاط النظام" مَهمّةٌ كانت مستحيلةً، وباتت محضَ ضربٍ من الخيالِ السياسيّ والعسكريّ، وعلى ذلكَ يمكنُ القولُ إنَّ دمشقَ تُجرّدُ معارَضتها من إمكانيّةِ طرحِ شرط "تنحي الرئيس الأسد"، وهو الشرطُ الذي تُعرقِلُ به المعارَضة الخارجيّة وخاصّةً المعروفة باسم "منصّة الرياض" أيّة عمليّةٍ سياسيّةٍ لا ترضى عنها الدولُ الداعمةُ لها.
 
 
وتقولُ شخصيّاتٌ سياسيّةٌ سوريّة إنَّ أهمّ منجزاتِ العمليّة بالنسبةِ للحكومةِ السوريّة، سيكونُ الراحةَ الكبيرةَ التي ستوفّرها استعادة السيطرةِ على الغوطةِ الشرقيّة للشارع الدمشقيّ خصوصاً، والسوريّ عموماً، فإنّهاء ملفّ استهداف العاصمةِ بقذائفِ الهاون مِنْ قِبَلِ الفصائلِ المسلّحة، سيكونُ مكسباً سياسيّاً على المستوى الداخليّ للحكومة، وهذا يُعطيها مزيداً من الزخمِ الشعبيّ المؤيّدِ لها، إذْ إنَّ لسان حالِ المواطنِ السوريّ في دمشق يقول: "بدنا نخلص من القذائف".