المواطن يشتكي «المعقب».. ومعقبو المعاملات يشكون بعضهم.. عليا: أجر المعقب لا يحدده القانون وسقط التحديد «سهواً» بمواده

المواطن يشتكي «المعقب».. ومعقبو المعاملات يشكون بعضهم.. عليا: أجر المعقب لا يحدده القانون وسقط التحديد «سهواً» بمواده

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٩ أغسطس ٢٠١٧

شادي أبو شاش
صادفتها في إحدى دوائر مالية دمشق، غاية في الجمال والإثارة، لا ينقصها شيء، من الترتيب والشياكة إلى الميك أب والمنيكور والبديكور إلى آخر قائمة أسلحة النساء الفتاكة، سألتها ماذا تفعلين هنا، قالت: أعمل في تعقيب المعاملات مع أحد المعقبين، لم أكن أتخيل أن نسوة أخريات فاتنات أيضاً يعملن في هذا المجال، رغم علمي أن حرفة تعقيب المعاملات أصبحت شغلة من لا شغل له، بالآلاف، على قيود جمعية دمشق وحدها 1400 معقب وضعفهم تقريباً في جمعية ريف دمشق، هؤلاء يحملون ترخيصاً أما من يعملون من دون ترخيص فتلك قصة أخرى، وإذا ما كنت تسيّر معاملة لك في إحدى المؤسسات لن تنجو من «دفشة» هنا و«نعرة» هناك، وصل السيل الزبى، كما يقولون، لدرجة أنه لم يعد المواطن العادي فقط يشتكي من هذه الفوضى أو على المعقبين، بل أصبح المعقبون أنفسهم يشتكون على بعضهم البعض.
التفاف على القانون
جاء في الفقرة (ج) من المادة الثانية للمرسوم التشريعي رقم(12) لعام 2014 الناظم لعمل معقبي المعاملات أن يكون المعقب حاصلاً على الثانوية على الأقل.
لكن جمعية دمشق التفت على هذا الشرط عبر الحصول على موافقة وزارة الصناعة لإصدار بطاقات خاصة، لمن لم يحققوا هذا الشرط للعمل كموظفين لدى معقبي المعاملات المرخصين أصولاً.
حيث جاء في الكتاب رقم 1729/ص2/5/6 تاريخ 5/6/2014 الصادر عن مديرية التعاون الإنتاجي وتنظيم الحرفيين في وزارة الصناعة والموجه إلى الاتحاد العام للحرفيين ،
أنه لا يمكن تشميل مساعدي معقبي المعاملات الذين لا ينطبق عليهم المرسوم لأن تشميلهم يتعارض مع المرسوم، ويمكن إصدار بطاقات خاصة لهم كـ عاملين أو موظفين لدى معقبي المعاملات.
بهذه الـ«يمكن» فسحت وزارة الصناعة المجال لكي يعمل أشخاص لا يحملون شهادة الثانوية بحرفة تعقيب المعاملات ووافقت ضمناً على عملهم وبات في إمكان أي شخص تعقيب المعاملات الحصول على هذه البطاقة بادعائه العمل عند أي معقب مرخص له تحت مسمى عامل أو موظف لدى هذا المعقب أو ذاك في مخالفة واضحة للمرسوم.
والمشكلة أن ما فعلته جمعية دمشق سيجعل الجمعيات المماثلة في القطر تحذو حذوها، وها هي جمعية ريف دمشق ترفع طلباً هي الأخرى تطلب فيه الموافقة على منحها بطاقات للأشخاص الذين لا يحملون الشهادة الثانوية كـ عاملين أو موظفين لدى معقبين أسوةً بجمعية دمشق.
وزارة الصناعة تسوّف
مدير مديرية التعاون الإنتاجي والتنظيم الحرفي في وزارة الصناعة علي قويدر كان له رأيٌ آخر حيث قال: بعض المعقبين لديهم مساعدون في هذه الحرفة كالمخلص الجمركي أو المحامي الذي يوظف أحدهم لديه كي يتابع له أعماله، وهذا الموضوع لا يتعارض مع المرسوم رقم 12، ونحن ارتأينا أن يصنف هؤلاء كـ عاملين أو موظفين لدى المعقبين وليس كـ معقبي معاملات وأن يحملوا بطاقة خاصة فيهم تعرّف عن طبيعة عملهم والجهة التي يعملون لديها.
وعن سؤالنا بشأن إمكانية حصول البعض على هذه البطاقة من أجل العمل لمصلحته الخاصة أجاب قويدر: هناك أنظمة وقوانين يساء استخدامها من قبل البعض وتستغل لتحقيق مصالح خاصة وهذا ممكن، مشيراً إلى أن مديريته ستنظر بهذه الشكوى وتضع الضوابط وتتخذ الإجراءات لمنع مثل هذه المخالفات.
أمين سر الجمعية الحرفية لمعقبي المعاملات في دمشق عبد الناصر فتينة أكد أن عدد الحاصلين على بطاقة مستخدم «عامل أو موظف لدى معقب المعاملات» بلغ 70 شخصاً وأن عدد المتمرنين الذين يحملون شهادة الثانوية 100 شخص وأن إجمالي عدد أعضاء جمعيته المرخص لهم بلغ 1400 شخص.
من جهته، أمين سر جمعية ريف دمشق محمد مازن المنعم أوضح أن عدداً من أعضاء جمعيته انتقلوا إلى جمعية دمشق (32شخصاً)، بغية الحصول على بطاقات للعاملين لديهم لأن هذا غير متاح في جمعية ريف دمشق والحبل على الجرار.
مماطلة قياسية
بينما يكتوي المواطن السوري اليوم بلهيب أجرة معقبي المعاملات ويحسب ألف حساب لأي معاملة يريد أن يسيّرها له أي معقب، ورغم مرور ما يزيد على ثلاث سنوات ونصف السنة على صدور المرسوم رقم12 لعام 2014 الذي نصت المادة التاسعة منه على أن تحدد أجور المعاملات بقرار من وزير الصناعة بناء على اقتراح المكتب التنفيذي للاتحاد العام للحرفيين، رغم ذلك لم تحدد أجور المعاملات بعد في أي جمعية من جمعيات القطر.
أجرة بعض المعاملات الكبيرة وصلت إلى أرقامٍ خيالية، أبقت المواطن ضائعاً بين معقبين لا يرحمون.
رئيس جمعية معقبي المعاملات بدمشق شحيدة عليا تحدث عن تحديد أجرة المعاملات قائلاً: ورد في المرسوم هذا الأمر، هذا الموضوع مرّ في غفلةٍ منا وما كان يجب أن يوجد هذا الأمر في المرسوم، وسنعمل على تعديل هذه المادة ، مبرراً رأيه بأن لكل معاملة شرطها وزمنها وأجرتها، وموضحاً أن عمل معقبي المعاملات هو عمل خدمي يقوم باتفاق بين صاحب المعاملة والمعقب.
وأشار عليا إلى أنه في كثير من الأحيان يمسك المعقب بمعاملة فراغ فيتبين لاحقاً أنها بحاجة إلى معاملة تصحيح أوصاف، مضيفاً أنه يوجد صعوبة بالغة في تحديد أجرة المعاملة قبل انتهائها.
في الوقت ذاته، لفت عليا إلى أنه استناداً لكتاب وزارة الصناعة عقدت جمعيته مؤخراً جلسة استثنائية ناقشت فيه موضوع التعرفة، مؤكداً أن مجلس الإدارة حدد أجور كل المعاملات باستثناء المعاملات التي أسماها بـ«المعاملات الصعبة والكبيرة» تاركاً موضوع تحديد أجرتها للاتفاق بين المعقب وصاحب المعاملة.
وأضاف عليا أن جدول أجور 21 معاملة في المالية ومثلها تقريباً في المصالح العقارية و10 معاملات في النقل أصبح جاهزاً للتنقيح من قبل مجلس الإدارة وبعد ذلك سيرفع لإقراره.
من جهته، رأى مدير التعاون الإنتاجي والتنظيم الحرفي في وزارة الصناعة أن هناك شيئاً من المماطلة من طرف البعض في موضوع تحديد الأجرة، موضحاً أنها مهمة مجلس إدارة الجمعية واتحاد الحرفيين بالتعاون مع وزارة الصناعة.
وبيّن قويدر أن مديريته تجري المراسلات مع الاتحاد العام للحرفيين ووزارة النقل منذ ثلاثة أشهر، وقال: كان من المفترض أن ينعقد مؤتمر نوعي لمعقبي المعاملات في الشهر الثالث من العام الحالي لمناقشة ودراسة هذا الأمر لكنهم ألغوه وحجتهم أن هناك صعوبة في تحديد أجور معقبي المعاملات، وأضاف قويدر: نحن طلبنا منهم وضع دراسة لهذا الموضوع ومقترحات ونحن نقوم بدراستها بحيث نحقق العدالة للجميع ولكننا إلى الآن لم نستطع أن نتوصل معهم إلى جدول يحدد أجور المعاملات.
تراخٍ بلا حدود وتقاذف للمسؤوليات
لم تقتصر مماطلة الجمعيات الحرفية لمعقبي المعاملات على تنفيذ ما ورد في المرسوم المذكور لجهة تحديد أجرة المعاملات فقط بل تعدتها لموضوع مراقبة عمل المعقبين وضبط المخالفين منهم، إذ وبعد مرور ما يزيد على ثلاث سنوات على صدور المرسوم لم يكتب ضبط واحد بحق من يمارس مهنة تعقيب المعاملات أو كتاب العرائض من دون ترخيص مسبق من قبل مجلس إدارة أي جمعية في جميع المحافظات، وأصبحت مقولة «كأننا والماء من حولنا قومٌ جلوسٌ حولهم ماء» تنطبق على حال معقبي المعاملات.
رئيس جمعية دمشق شحيدة عليا قال: لم يتم تنفيذ أي ضبط مخالفة بحق مخالفي الحرفة.. حتى الآن.
ولفت عليا إلى أن المسؤولية الكبرى عن أي تجاوز أو مخالفة تقع على عاتق الموظفين الرسميين ومديري الدوائر، مضيفاً أن على الموظف الحكومي أن يتأكد أن المعقب الذي يسيّر المعاملة يحمل ترخيصاً مسبقاً، وقال: لا يمكن لممثلينا مراقبة عمل المعقبين في بناء مؤلف من سبعة أو ثمانية طوابق.
من جانبه، مدير مديرية التعاون الإنتاجي والتنظيم الحرفي في وزارة الصناعة أوضح أن تنظيم عمل معقبي المعاملات وطريقة دخولهم للدوائر الحكومية ومنع المتطفلين على الحرفة يقع على عاتق مجالس إدارة الجمعيات الحرفية لمعقبي المعاملات كما ورد في المرسوم، مشيراً إلى أنه من المفترض أن يكون هناك تضافر للجهود من قبل الجميع لضبط هذه التجاوزات لا أن يرمي كل طرف بالمسؤولية على الآخر متهرباً من مسؤولياته.
وقال قويدر: إذا كان المراقبون المكلفون من قبل مجلس إدارة الجمعية غير قادرين على ضبط عمل المعقبين فهل تستطيع وزارة الصناعة وحدها أن تفعل ذلك، موضحاً أنه على الأعضاء في مجلس إدارة الجمعية القيام بإجراء جولات ميدانية لمراقبة عمل المعقبين وهم الأقدر على ضبط أنفسهم، وأكدنا على هذا الأمر في الاجتماع الأخير الذي عقد في المصالح العقارية بحضور جميع المعنيين.
خلل يستوجب التعديل
نصت الفقرة (د) من المادة الثامنة من المرسوم الشريعي رقم 12 على أن يتولى مجلس إدارة الجمعية مهمة تنظيم الضبوط اللازمة بحق من يمارس الحرفة من دون ترخيص، أي أن مهمة تنظيم الضبوط بحق المخالفين تقع على عاتق مجلس إدارة كل جمعية من جمعيات القطر، وكل حسب محافظته.
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا أوكل المشرع هذه المهمة إلى مجلس إدارة الجمعية، لماذا أوكلها إلى هيئة أو منظمة شعبية، لماذا لم يوكلها إلى جهة حكومية كوزارة الصناعة أو المالية أو أي جهة رسمية، هل يتوقع أحد أن يقف مجلس الإدارة ضد الإرادة التي جاءت به؟! وهل يمكن لمجلس إدارة الجمعية أن يضبط ويراقب عمل المعقبين الذين ينتخبونه من دون محاباة؟ بالتأكيد لا، والدليل أنه بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات لم ينظم ضبط واحد بحق المخالفين.
ما يعني ضرورة تعديل المرسوم التشريعي الناظم لعمل معقبي المعاملات لجهة مراقبة وضبط عمل المعقبين على قاعدة إناطتها بجهة رسمية حكومية، عبر تشكيل (شرطة إدارية) مهمتها تنظيم الضبوط العدلية بحق المخالفين للقوانين والأنظمة الإدارية، لأن الجمعية الحرفية للمعقبين تبقى في النهاية هيئة شعبية وليست جهة حكومية.